لو تسمعُ الجبال

لو تسمعُ الجبال

31 يوليو 2016
("أهلّيل قورارة" في طابع بريدي، الجزائر، 2005)
+ الخط -

سيدي الجيلاني
أقبلت نحوي رسولةً
عشية أمس
أدلجت بالليل لتزورني
سنذهب سويةً
لكن صبراً
لِيحلّ بي ما قد قُدّر
سأعتنقه
ولو بُدّل قدراً آخر.

صبراً أيها الأجواد
قَـيّض لي الصبر يا ربي:
لأكونّن غابة
والناس حاطبون
ضِرعاً
والقوم حالبون
بئراً
وغيري وَرَدَةً.
لكن صبراً
لِيحلّ بي ما قد قُدّر
العذارى، جواهر
طُهر العيون
بَرِئَ كل من رآكنّ


محمد الهادي
محمد، الهادي
الصلاة عليك.
عبثًا حاولتُ
لَـجْمَ قلبي
عن عذابه: تلك السمراء.
من كثر أعداؤه
كثرت عَسَسه
ويَحيَا بالحرف
من له أصدقاء كثرٌ.

***

على هذه الأرض، إلهي
هَبْنِي صبراً،
عظيماً مُغدقاً.
لن أسأل الناس
فَـحقُّ الغريب
تحفظه يَدُ الله.


لا إله سواه
قلبي جريح:
ربّاه، ليكنْ جريحاً كذلك
منْ أَثخنهُ
كلا، لم يصبني فيه
عودٌ شظِف
بل طرف عذراء
منْ جَرَحه.
صلاتنا لمن نهوى
لن تكون عاراً
سأدعو لها خلسة
بقصيدة

إلهي
ما عادت لي معالم،
تضيع مني السبيل
تتشابه عليّ أيامي
جمعة أم سبت؟
الأقيسة خانتني هي الأخرى:
صار الجزء كلاً
الأفلاك انطفأت:
ضيّعت نجمة القُطب
والخليقة:
إلهي، حتى أبي لم أتعرّفه.

***

حدّثتني أمّي:
ولدي،
إن تكن ابن أبيك
أو ابن نزوة عابرة،
فلتحذرْ نساء العالمين
خسراناً سيلحق بكَ
تلك حقيقة إلهية:
لكل نخلة
سَلِـيلها

***

مَـرّ، تحت الشرفة
حيث كنت أصلي
بعباءته المرقّعة
بـخُفّين مُمِيلين
سيدنا بلال
من أذّن للنبي
حاملاً قلّال1

***

سيدتي،
إلى البدر
سنحمل الضوء
وعرجون أعناب.


تِيميمُون
باسم الله يلهج قلبي
وبهِ أستهلّ
مِسكًا، تضوّع رسالتي
إلى العذارى السُمر
زرقاوات مثل الترموسين2 
مَرجان قانٍ
بيضاوات كاللؤلؤ،
أما الشقراوات فـبُـعداً لهنّ.
تحمرّ الأعناب في الجنة
أواه، ماذا؟ الجنة لا خُضرة فيها؟

***

ما الحيلة
إلهي
لقلب بدموع أبدية،
لإكراهات عالم زائف

هناك إذن
في البرج العالي
ابنة خالي
بعيدة المنال
على خاصرتي
عقدتُ الحبل وصعدت
صوب المشكاة الـمُنيرة
بدّد جمالها بصري،
على الوسائد تتهادى
جدائلها الطويلة
أفرج حاجباها
عن نظرة متأنّية،
رمقتني مطوّلاً
ألأنني لم أرقكِ؟
أم تراني ما شغفتُ قلبكِ؟
أم قدرٌ حال بيننا،
إلى اليوم
يباعد بين عينيك وبيني.

طرفُ حَايكِها3
سلب وعيي
وسقطت صريعاً
لمرأى ساقيها.
أيها الجزار، حبّاً بالله
انحرني
قرباناً لمعشوقةٍ
طَوّحتْ قلبي،
تتفرّق جثتي
كـحَمَل مُفدّى
لله سبحانه.

***

سيعانق خلخالٌ
ساقَها الرشيق
وسيتعسّر عليها ارتداء
تنّورتها القصيرة.
زوجها الغادي إلى الجنان
أزدريه
ولا يقع عليه ناظري
إن الخبز المحشو
المكتوي بالنار
وتمور الغرس4 
لا ينالها
إلا منْ حاز حظوة في القلب.

***

لا إله
إلا الله ومحمد
رسول الله،
آه،
لو تسمع الجبال
ما حلّ بقلبي من نوازل
لدُكّت

***

أواه يا ربي، لو قُيّض
أن أحْيَا يوماً
من تلكم الأيام.
جياداً غير مسروجة كنت أمتطي
غير آبه
أسابق في المضمار
لأنني لمحت لؤلؤتي،
سَالَ قلبي.
جبهتها ترصّعت بجواهر ثلاث،
كانت تضوع بعطر نفيس،
جبهتها ترصّعت بجواهر ثلاث،
أشارت عليّ بطرفها
سقطت صريعاً
أتعرّق، فريسة للحمّى
نذرت للأولياء عطايا
العاشق الولهان، فريسة البِلى
سهاد، هواجس، ترقّب
ونفور من الـخِلان
صيفًا، يطلب القرّ
وفي الشتاء يطلب الحرّ
.. تبدّلتِ:
رحلتِ، واختفتْ أعطياتي لكِ
لم أهبْ للصبايا جواهرَ من قبل
ولا للعشيقات من أجل أن تصرفها
ولا النسوة الطاهرات والمخلصات،
لم تكن سبيلي للحصول على لقيمات في الجنان
لم أدّخرها لزيارة قبر الرسول.
كَـمدُ حبّكِ، خديجة، سيُـرديني
سأبذل في سبيلك ثروة
دون أن أبالي
بالله عليكم يا عشاق
لتكن دموعي كفارتي
الدّا بلال، الدّا بلال
أمك عبدةٌ، لكنك غزال،
تـمرُ تينهول5.
أواه! ربي دمت ربي
وأنتم، أشراف وزّان، سادتنا.

***

سيدي ربي، وأنتم أيها الوالهون
في "تامزقيدة"، الـمُصلّى
ندرك أننا نُذرنا للموت
لكننا، بسذاجتنا، نتحداها بأن نَحَيا.
ربي
هَبْـني خِفةً
يوم أرحل عن العالم
***
رأسي يؤلمني
وما شبعت من الأهلّيل
يداي تعبتان
وما شبعت من الأهلّيل
رجلاي تَدَاعتا
وما شبعت من الأهلّيل
يوم لُقياك يا رسول الله
لن أكون قد شبعت بعدُ من الأهلّيل!

***

محمد العربيّ، شفاعة أسألك
يا من ستتقدمنا يوم الرحيل
كانت مشيئة القدر: أي حيلة بيدي؟
رموني بالعهر، ولم أكن كذلك قطّ
أنا، لا عازبةٌ ولا موعودة لأحد.

***

ما شأنُ
ذلك الذي يتّخذ امرأةً
دون أن يخبر أحابيل الحبّ
ما شأنُ
من يَهبُ قلبه
رهينةً لمن لا يبادله حباً.
نائمًا، تعلوه النجوم
ويتدثر بالسحب.
أصحابه
لم يهبّوا لخلاصه،
ليست الحيطان هي من تحفظ الصبايا
بل النوايا الحسنة والحب،
ذلك ما يملأ القلب بهجةً.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أهلّيل قورارة
جمع الكاتب والباحث الجزائري مولود معمّري (1917 - 1989) قصائد الأهلّيل من أفواه كبار السن، وترجمتها إلى الفرنسية، في كتاب "أهلّيل قورارة" (1984)، والذي أعاد "المركز الوطني لبحوث ما قبل التاريخ والأنثروبولوجيا والتاريخ" إصداره في 2003، وهي الطبعة التي اعتمدناها في هذه الترجمة. يقسّم معمّري الأهليل إلى ثلاثة أجزاء: "المسرّب" الذي يستمرّ حتى منتصف الليل، و"أوقروت" الذي يبدأ من منتصف الليل حتى نهايته، "وتيترا" من بدايات الصباح وحتى بزوغ الفجر.


1 آلة موسيقية إيقاعية
2
3 رداء تقليدي
4 عجينة التمر
5 من أنواع التمور

دلالات

المساهمون