لم نعد نبحث عن الألماس: يوميات طبيب متدرّب 3-3

لم نعد نبحث عن الألماس: يوميات طبيب متدرّب 3-3

16 يونيو 2016
فرانسوا مورلي/ فرنسا
+ الخط -

اليوم الثالث (26 مارس 2015)

بالأمس نمت على الأريكة. استيقظت في الساعة الخامسة وذهبت إلى السرير. استيقظتُ في الساعة الثامنة والنصف. أعرف أنني سأصل متأخراً، لكن إلى غاية الآن لا أعرف كم من الوقت سأتأخر. أطرح فكرة عدم الذهاب اليوم إلى التدريب.

أقول مع نفسي: يمكن التغيّب ليوم واحد، حضور 80 في المائة من فترة التدريب كافٍ. المشكلة هو أن هذا التدريب بالذات يعجبني. كثيراً. لديّ زملاءٌ يقضون طيلة يومهم في المختبر في التصديق على نتائج فحص عناصر الدَّم بنقرة على الحاسوب. أما أنا فأتعامل مع مرضى، أفكّر أنني أوفر حظاً منهم. تزامناً مع تفكيري في هذا الأمر تمرّ أمام عينيّ الحافلة ت1 التي كان يتوجب عليّ أن أكون أحد ركابها دون أن أستطيع فعل شيء غير انتظار عشر دقائق أخرى إلى أن تصل الحافلة التالية. وبعد ذلك خمس وعشرون دقيقة أخرى هي المدة التي ستقطعها بي. الساعة تشير إلى 9:14 . سأصل متأخراً جداً.

خياري الآخر هو الذهاب في سيارة أجرة. أذهب صوب الموقف لكنني أجده فارغاً. أستدير وأتوجه صوب موقف الحافلات التالي. أنتظر. أكتب وأنا في الحافلة الجزء الأول من اليوميات. أنا على مقربة من المستشفى. إنها الساعة التاسعة وأربع وخمسون دقيقة. ليس بالتأخير المبالغ فيه.

[…]

في ممر العيادة، تأتي كونشا وهي تعاني من ارتفاع درجة حرارتها ودون أن تتناول وجبة الإفطار. أرْهَقَهَا العلاج مجدّداً كما في المرة الأولى. يَعْكس وجهها أنها ليست على ما يرام. تَفْقِدُ وعيها في المَمر.

أخبرني الدكتور باير يوم الاثنين كيف أنها كانت تأتي منهكة في الأيام الأولى دون قوة ودون أن تتزيّن أو تلبس جيداً. يوم الإثنين الماضي ففعلت العكس، فقد أتت بعد أن وضعت زينتها ووضعت حليّها وسرّحت شعرها جيداً وأظافرها كانت في وضع مثالي. قال الدكتور باير بعد أن رآها من بعيد: إنها بحالٍ ممتازة. لكنها اليوم الخميس عادت منهكة كأنها جريحة تسير متلمّسة في ممرات القسم.

نقدّم لها عصير فواكه بعد هبوط نسبة سكرها ونجلسها. أفكّر في فقرة أخرى للشاعرة لونا ميغيل التي كتبت الكثير في ديوانها "المَعِد" عن مرض السرطان، وعن المستشفى:

"...الحياة كانت تتلخص في المصل لأن المصل هو الذهب الجديد. لم نعد
نبحث عن الألماس، نرغب في طول العمر. [...] أنت تريد أن تقولها: الحياة تُتْعِبُ".

كونشا اليوم متعبة. تريد المصل رغم أنها لا تحبّه ورغم أنها لم تتجمّل. الألم، التعب، الحمى، الهالات حول عينيها. جواهر قاسية ودون لمعان. ومع ذلك فإنها الأكثر تقديراً لكونها دليلاً على أنها ما تزال على قيد الحياة.

يظهر زوجها في ما بعد ويُحْضِرُ لها شطيرة من الكافتيريا. عندما تستدير الممرضات، يداعب خدّها بواسطة سبابته.

[…]

أتوجّه في الساعة الحادية عشرة إلى المختبرات للبحث عن إليسا، الأستاذة التي تشرف على فترة التدريب في وحدة الدمويّات. سيسافر الأستاذ باير هذا المساء وغداً لن يكون هنا ليوقّع ورقة التقييم. تبعد المختبرات زهاء الخمس دقائق عن العيادة وقرابة العشر دقائق إذا كُنتَ لا تعرف مكانها بالتحديد كما هو حالي. أتوقّف في طريق العودة في الكافتيريا المخصّصة لأطقم الموظفين وآخذ معي كأسيْ قهوة، آخذ سكراً للدكتور أيضاً.

كتبتْ سيمون ويل في يومياتها هذه الجملة "أفعال عديمة الشأن يكون لها وقع عظيم". أتذكر هذه الجملة بعد أن أكتشف مبلغ ما عناه هذا الفعل الصغير للدكتور. لم يُحضر لي أحد قهوة قط، لا الزملاء ولا الأطباء المقيمون ولا الطلبة. إطلاقا.

أبتسمُ بين خجول ومفتخر: غير مكترث بعض الشيء، لأنني لم أفكر في أي لحظة في مفعول إحضار قهوة للشخص الذي كان معلّمي خلال عدة أيام وحاول قدر ما استطاع تعليمي كلّ ما أمكن عن عمله، واعٍ كل الوعي بأنني في المستقبل أريد أن أُشْعِرَ مرضاي هكذا. يحكي الطبيب الواقعة لأحد الممرضين الذي لا يفهم إطلاقاً. ويقول مع نفسه على الأرجح: لكن القهوة موجودة في قاعة الموظفين...

[…]

المريض التالي
بنخامين وكنيته إروس. يعاني من سرطان الدم النخاعي الحاد. يُبْحثُ له عن مانح متوافق للقيام بزراعة الأسلاف المكوّنة للدم. لديه 70 في المائة من الأَرومَة (خلايا غير ناضجة) في نِقْي العَظْم ومن الممكن أن يكون مصاباَ بتليّف هذا الأخير. يأتي كل 48 ساعة إلى المستشفى لكي نقوم بفحصه وننقل له الصفائح الدموية إلى أن يُبتّ في أي علاج سيخضع له بينما ينتظر مانحاً.

من بين عوامل سوء توقعات سرطان الدم النخاعي الحاد بلوغ المريض 60 عاماً. في سجلاته الطبية يضع أنه في سن 59 عاماً. عندما يخرج من العيادة، نعلّق أنا ولويسا على أنه يبدو طاعناً في السن. لا أقول له هذا الكلام، لكنه يذكّرني بجدي الذي بلغ 82 عاما ومات قبل أسابيع في هذا المستشفى بالذات. لن نتحّدث عمّا يعنيه هذا الأمر.

[…]

بعد أن وقّع ورقة التدريب، يبدو أنه ما يزال شاكرا لي على القهوة؟ يجد حينها تحت الطاولة قنينة الشراب التي أهداها له خوان يوم الإثنين. يقدمها لي بودٍ. أنت تعرف ما هي؛ اشربها بصحتي. أحتفظ بها في الحقيبة بجانب الرداء المطوي. وعليهما السماعة ذات اللون الرمّاني. نودّع بعضنا بعضاً. أتعهّد بالعودة.

* شاعر إسباني من مواليد أوفيدو بشمال إسبانيا عام 1992

** ترجمة عن الإسبانية إبراهيم اليعيشي

المساهمون