جاء وقت البحث عن نصوص لا يكتبها بشر

جاء وقت البحث عن نصوص لا يكتبها بشر

19 مارس 2016
عمل أدائي لـ بشار الحروب/ فلسطين
+ الخط -

قبل حلول الليل: تغرُب الشمس. يرجع الموظّفون إلى بيوتهم شاهرين رغيف الباغيت. كاردينال المدينة يهيّئ سريره مقتولاً من الضجر. تُسمَع فرقعات في سمائها. وعلى جبلها، يتسافد حرذونان وتنقلب شاحنة.

قبل حلوله: تهمّ أنت بحلق شعرك، فتلمح أحدهم في المرآة وهو يجزّ شعباً عدَّ هذه الشعرات، فتنكص. وبالمرة، حالما تعود إلى سريرك، تزهد عن البحلقة في السقف الواطئ، وتردّد ابتهال صديقك النيجيري "يا أبانا الذي في دائرة الهجرة، أعطنا أملاً".

كلّا، إنه ابتهال سخيف، فإلامَ تردّده؟ وأسخف منه ذلك الواقف على منبر، ينبُرُ عن أشياء عمودية، ولا يرى النعال المخزوقة تحته. أمّا الأسخف بإطلاقٍ، فقولك لـ باروخ سبينوزا، ذات فجر، مادحاً تصوّراته عن "الدولة": مَن أعطاكم يُعطينا يا أخ.

قبل حلول الليل، تتملّى رمادَ نهارك وتصبّ كأسك الفرد. نصف لك ونصف تنقّطه ببطءٍ على شريك المصير. تفكّر في انحلالك الفيزيائي، وتلاحظ أن مشاعرك أقلّ انحلالاً، مشاعرك قطعة خشب.

قبل حلوله أيضاً: تحتاج إلى أصدقاء وعلاقات، لترويض الغربة. لكنك تكسل فتروّضها بالحديث العالي مع الجدران وآلهةِ المايا القديمة والباب المغلق وطيفِ أمك والشبّاك ذي اللوح المكسور.

بلى، إن أشياء أكبر من هذه لتحدث قبل حلوله، كأن تتسكّع في شارع الرمبلا، وتشاهد امرأة أشبه بدُمية، واقفة على شرفة دكان الإيروتيكا، تستعرض بضاعة كاسدة لعابرين متخمين.
وكذا تمعّنك في بنطلون بألف يورو، وضحكك المفاجئ كأنّ أحدهم ساهَاك وزغزغك. وقد تلحظ نظرات العابرات المستغربة فلا تأبه لها ولا لهن. ليقُلن ما يقلن، هذا إن وجدن وقتاً للتقوّل. ثم إنك لا يعنيك. لقد رميت حياءك المخيّمي خلف ظهرك منذ شهور.

ومنذ عقود، فعلتَها مع السماء أيضاً، وساعدك صنيع كهذا في النظر إليها كلّما صادفتك، بما هو أبرأ من نظرة سنجاب. مع أنه ضرب من المعجزة والله: هذا الشهيق وهذا الزفير، وأنت ترى صورة محمد أبو خضير، وتدخّن.

قبل حلول الليل، تحتاج الكتابة الأدبية في زمهرير كولسيرولا إلى شجاعة، والتوقّف عنها إلى مرض جبان أو فراش دافئ. أما لماذا لا يقرأون هناك؟ لماذا يفرُغُ سحرُ الأدب في عيونهم السوداء؟ فلأنهم ذوو مثانات وردية محتقنة، على الأغلب. تكتب ذلك للصحافي الذي يحب اكتشاف الماء الساخن، متيقّناً من عدم النشر. فكّ الله حصره واحتصارهم وحصارك على البيعة.

أما وقد أوشك على الحلول ـ بدليل هذا الكمال في الصمت وهذه السعادة في جميع المخلوقات الأخرى ـ فخليق بك وقد بلغت أرذل القراءة ألا تقارِن كتابةً بكتابة. هل تُقارَن عطسةٌ بعطسة؟ لأنك لو فعلت فسترجع من الحمّام مكتئباً كما دخلته. ووقتها، قد تنطح الجدار، ثم تتبيّن لاحقاً أن أية عملية نطاح، هي كما الأدب: صدى الواقع، لا صوته.

والآن، وقد حلّ، جاء وقتُ البحث عن نصوص لا يكتبها بشر.



اقرأ أيضاً: رسائل

المساهمون