عقبة ريام وقصائد أخرى

عقبة ريام وقصائد أخرى

23 فبراير 2016
"الخراب"، حامد عبد الله/ مصر (1976)
+ الخط -

عقبة ريام
في تلك الظهيرة
في تلك الظهيرة عند سفح عقبة ريام
لم أكن أنتظر من عزان بن قيس أن يقول لي: "لم يبقَ أمامي سوى طريق البحر"
كلا!
في تلك الظهيرة
في تلك الظهيرة عند سفح عقبة ريام
لم أكن أتمنى من سان جون بيرس أن يقول لي: "للبحر وحده سنقول كم كنا غرباء عن أعياد المدينة"
كلا!
في تلك الظهيرة
في تلك الظهيرة عند سفح عقبة ريام
لم أكن أرجو من عبدالله الطائي أن يقول لي: "عجباً كيف مضت أعمارنا/ نحمل الفقد فلم يقضِ علينا"
كلا!
في تلك الظهيرة
في تلك الظهيرة عند سفح عقبة ريام
لم أكن أريد أن تشاركينا الجنازة الرمزية لجمال عبدالناصر
(أصلاً أنتِ ولدتِ بعد وفاته بثلاث سنوات)
كلا!
في تلك الظهيرة
في تلك الظهيرة عند سفح عقبة ريام
لم أكن أريد أن تقرئي رماد جدّي بين كتبه المحروقة في المدرسة التي تعلَّمت من عظامها المهروسة البلدوزرات، والقلعة التي كانت "باستيلاً"، والقلعة الأخرى، والقصر، والموقع القديم لسفارة الأعداء
كلا!
في تلك الظهيرة
في تلك الظهيرة عند سفح عقبة ريام
لم أكن أريد أن تتساقط الشموس من ردفيك ونهديك كعادتها في كل ظهيرة
كلا!
في تلك الظهيرة
في تلك الظهيرة عند سفح عقبة ريام
كنت فقط أنتظر أن تجدي مكاناً لإيقاف سيارتك
وأن تجلبي ما تبقى في روحك من نثارة
كي نصعد إلى آخر الماء
هذا فقط هو كل ما كنت أريد
في تلك الظهيرة
في تلك الظهيرة عند سفح عقبة ريام!


مدينة
كدَّستُ المدينة في حقائبي
بما في ذلك،
في غفلة مني،
المطار.


باب
سأقفل هذا الباب
لكثرة المرور
سأقفل هذا الباب
لندرة المرور.


رضاب
لم أكن أقارن بين شفتك العليا ونهرك الأسفل
لكن أيها البحر خانني كل الُّلعاب.


جندي
أيها الجندي:
كم موتاً تحمل؟!
عشرة أطفال؟!
عشرين امرأة؟!
ثلاثين رجلاً؟!
أربعين فراشة؟!
خمسين غيمة؟!
ستين بحراً؟!
كلا!
كلا، أيها الجندي!
أنت لا تحمل
سوى الرصاصة
التي ستقتلك.


باليه
يكتفي الرقص منها بالتهادي
لأنها قصيرة
ولأنها طويلة
يكفي الشمس منها النوم
أما اليوم
لا يأخذ التفاحة من بين أصابعها سوى الزَّبد
لأنها لم تعد هنا.


ذكرى
لكن في يوم ما
ستتذكريني
ستقطعين كفيك من راحة الحفيد
سيشق الشراع الممزق الجليد
سيدمي أناملك عشب الحديقة
سترفعين ذراعيك وتركضين نحو الرائحة
كي تحتضني قبلة قديمة.


كَبِد
حسب آخر فحص طبي:
إنزيم "أ" صعد
إنزيم "ب" هبط

وأنا لا زلت لا أعلم في أي من بلاد الأرض أنتِ.


حمَّام
ثمة على الطرف الخارجي من النافذة الزجاجية ركام غبار وغيوم
وذراق الحمام الذي حمل أول رسائلنا
ثمة أيضا لطخات صغيرة من الإسمنت بفعل الصيانة السنوية للمبنى
على الرف الأبيض الصغير فوق المغسلة هناك موسى ومعجون وفرشاة حلاقة
وأيضاً تلك العبوات النسائية التي لا أفقهها مما كنت تستعملين
هناك كذلك ماسورة توصل ماء بارداً، وماء ساخنا، وماء أبدياً
على طرف حوض الاستحمام تقبع عبوة شامبو، وصابونة، وليفة، وظهيرة ميتة، وبضع محارات، وذكريات بحرية
ثمة أيضاً شمعة عنبية كبيرة تقتعد حاملا معدنيا أخضر
أما في الزوايا الأربع فيعشعش الشجن
لأنك لم تستحمي في هذا الحمَّام منذ سنة بالتمام والكمال.


نهر
أتعلمين ماذا سيحدث حين نموت غريبين ووحيدين؟
لا شيء
لا شيء سيحدث
سيدفن كل منا على حدة في مقبرتين تبعدان عن بعضهما البعض حوالي خمسة عشر كيلومتراً
لا شيء سيحدث
ستشرق الشمس كالعادة
سيبزغ القمر كالعادة
ستسقع الدِّيكة
ستموء القطط
ستنبح الكلاب حيواناً وإنسانا
سيتموج البحر
ستحصل حوادث السيارات
سيكون خبز التنور ساخناً في الصباح الباكر كالعادة
لن يتراجع سقراط عن تحليله لمفهوم الـ "Verete"
لا شيء سيحدث
لا شيء سيحدث
فليطمئن الميّتان
لكن تحت رمال الربع الخالي
ستخضرُّ عروق نهر جفَّ قبل آلاف السنوات.


إفطار
لستِ المرأة الأولى التي أتناول إفطاراً شهيَّاً معها في العاشرة صباحاً
لكنه كان آخر إفطار في حياتي.

* "ريام" عقبة جبليّة قريبة من البحر تفصل بين مدينتي مسقط ومطرح. والقصائد من مجموعة شعرية جديدة بعنوان "أنامل زغبى على عزلة الشاهدة" تصدر هذه الأيام في بيروت عن "دار الانتشار العربي".



اقرأ أيضاً: عبدالله حبيب.. مضى زمن طويل

المساهمون