دع نايك يغنّي

دع نايك يغنّي

18 نوفمبر 2016
(الشاعر أثناء استلامه جائزة أكاديمية ساهيتا الهندية)
+ الخط -
حرب
هذا الحلاق الباكستاني
يرفع ذقني عالياً بيده اليسرى
ويقبض على الموسى بيده اليمنى
يحلق بقايا اللحية على رقبتي
وهو يفرم سيقان عرشي
"فاجباتي"(1) و"آدفاني"(2)
قطعة قطعة
بلسانهِ
ممتدحاً قوة "مشرّف"(3)
وهو يمزّق الهند.

محنتي
أنني جندي هندي
أمسك به نظيره الباكستاني
أتساءل للحظة، متلبساً جسارة جندي،
هل سيقطع حنجرتي؟
أرتجف!

الساعة تعلن الحادية عشرة ليلا
لا ثالث لنا، نحن الاثنين فقط
ومن زاوية عيني اليسرى
عبر مرآة الصالون،
وأنا أشاهد شارع دبيّ
يحتضن غفوته ليلاً
في شتاء يناير،
أحسستُ بحربٍ تُشنّ
على جلد رقبتي
ضد حافات موسى حلاقته
تماماً مثل جنودٍ في حرب
في البرد القارص
عند سلاسل تلال كارجل.

يسألني متشكّكاً
أأنتَ "مالباري" أم "مدراسي"؟
أسارع .."مانجالوري"
"صواريخنا الآن
من رأسها إلى أخمصها
لديها القدرة
على دكّ حتى بلدك كيرالا دكّاً"
ويكمل حلاقة ما تبقى
من شعر على ذقني.

"كشمير لنا كلها
هل رسمهم خط سيطرة
يعني أن الإرهابيين
لن يفوروا غيظاً؟"
الحلاق واصل ويواصل إطلاق شتائمه
وفجأة يشرع الباب ويبصق
"هراء"!

كانت صور تسليم لاهور المحاصرة،
وكولونيا أولد سبايس
تحرق خدّي،
تشكّل غيوما قاتمة في عينيّ.

"نحن رجال الحدود
في مواجهة الرصاص الهندي
علاقاتنا تمزّقت
تقطّعت القلوب
والعائلات تفكّكت
ولكننا
لا ننام خائفين
نحن نستحم بالدم
وفي كل عهد من عهودنا
نصنع مكاناً لبندقية على الأقل"

يذوب قلب الحلاق المتجمد ظاهرياً
مثل قطعة ثلج
تسقطُ دمعة من عينه
عليّ
يمتصها القماش حول رقبتي

رجفة راحتيه الراعشتين،
وهي تلمسُ خديّ
وتمسحهما بكريم نيفيا
ترسل
رجفة عميقة في قلبي.

يقول وأنا أنهض
وأعطيه أكثر من خمسة دراهم
زيادة على أجرته
" شكراً صاحب
دام فضلك"
ويفتح الباب لأمضي.

وأنا أعبرُ
عتمة شوارع دبيّ
وقبل أن أتحسّس خدّي
لأتأكد
أنّ كل شيء في مكانه،
أسمع قهقهات شبحين
على شجرة بجانب الطريق
ربما هما شبحا جنديين.

مرة ثانية
أبدأ ذهنياً حرباً أخرى
حرباً لا نهاية لها.

***

صلاة مارسياس(4)
كيف لناي أن يكون ناياً
إن لم يمرّ فيه النسيم؟
غير ذلك، ماذا يمكن أن يكون
سوى قصبة خيزران باهتة.

مختنقاً
كيف لي، لناي أن ينساب

النسيم المخنوق عبر القرون
يرفض أن يتدفق خلال مزماري.

أنا مارسياس، من خاض
مع أبولو معركته الأخيرة
وخيّب منذ ذلك الحين
أمل كل قصبة خيزران جافة.

أيها الرب كريشنا
لإحياء الأثداء المتدلية
دع نايك يغني
دع قصبَ الخيزران يرجّع الصدى
ودع المحروم يتمايل ويتأرجح.

***

الثلاثة
أنزلوه إلى الأسفل، ألا تفعلون؟
لا يمكنني احتمال احتضارهِ
ألفُ عام مضت
ألم يُعلّق بما يكفي؟
هو وحده لن يكون مهماً
انظروا إلى محنةِ الثلاثة الإضافيين
من أجلهم على الأقل
لاتجمّدوا قلوبكم
ثبتوا بعيون مفتوحة على اتساعها
نظراتكم عليهم
هم يحملون عبئه كله
إنهم مسامير الصليب الثلاثة.



(1) أتال بهاري فاجباي، رجل دولة هندي، عاشِر رئيس لمجلس الوزراء الهندي.
(2) ل. ك. آفاني، الرئيس الأعلى لحزب جاناتا الهندي.
(3) برويز مشرف، سياسي باكستاني وجنرال متقاعد بأربعة نجوم، احتل منصب رئيس وزراء باكستان منذ العام 2001، وحتى العام 2008. استقال تجنباً لمحاكمته.
(4) مارسياس، من مخلوقات الأساطير اليونانية، نصف إنسان ونصف حيوان، استولى على ناي تخلصت منه الربة "أثينا"، ودخل في منافسة مع أبولو شرطها أن يفعل المنتصر بالمهزوم ما يشاء، وخسر بنايه أمام قيثارة أبولو، فأخذه هذا وقتله بأن سلخ جلده حياً.


* Melvyn Rodrigues شاعر وكاتب وصحافي هندي يكتب بلغة كونكاني، وهي واحدة من 22 لغة معترف بها في الدستور الهندي، وتتخذها "جوا" لغة رسمية لها. ترجع أصول هذه اللغة في تراكيبها إلى عائلة اللغات الهندو/أوروبية، أو الآرية كما هو شائع. ولد رودريغس في مانغلور عام 1962، ويعد اليوم من أبرز شعراء لغته. عمل في الخليج العربي حتى عام 2006، قبل أن يختم الطواف في مدينته مانغلور.


** ترجمة عن الإنكليزية: محمد الأسعد

المساهمون