زقاق معتم

زقاق معتم

21 أكتوبر 2016
رولا أبو صالح/ سورية
+ الخط -

يخرج روساريو كل مساء ليتريّض مع كلبته خوسيفا. وفي الحقيقة فلِروساريو في خوسفيا مآرب أخرى غير التريّض وإيناسه في وحدته. فهي عند اللزوم لوحة إعلانات، يعلّق على رقبتها ـ مثلاً ـ رقعة كرتون تؤيّد اليسار الجديد، ويعلّق على ذيلها المقصوص ـ مثلاً ـ رقعة كرتون تسفّل حزب راخوي، أو بالاسيدو صاحب مقهى الحي.

لماذا اسم خوسيفا بالذات يا روساريو؟ أسأله فيجيب: لأنه اسم المرحومة أمّي. أفضل امرأة صادفتها في حياتي.

روساريو له سمت مهرّج حتى وهو في أتعس حال، هكذا شاء الله أو الطبيعة أو ما بينهما. أسأله: متى ستحلق هذا الكنفوش؟ يستغرب ويقول: وفاء لأبي الذي عاش ومات بشَعر يصل عصعوصه. أفضل رجل صادفته في حياتي.

وسالفاك الكثّان؟
ـ إنهما ذكرى منه أيضاً.

تحنّ إلى والديك يا روساريو؟
ـ جداً، وكلّما عنّا على بالي شربت دستة بيرة، ونمت على رصيف بارد، وتذكّرتهما.

إلى هذه الدرجة؟
ـ نعم. أنا الآن في السابعة والخمسين، وكلّما كبرت سنة إضافية، أحتاج إليهما أكثر.

لماذا؟
ـ لماذا تسأل حضرتك! أليسا هما من علّماني تورتيا البطاطس، والرقص في أي احتفال، وأحياناً شرب الرّون المحروق على معدة فارغة احتقاراً لهذا العالم الفارغ؟

ليرحمهما الرب يا روساريو.
ـ وليرحم ابنهما روساريو أيضاً.

ويمضي روساريو ليأخذ سيغاراً ويورو من رفيقه العجوز. فقد عوّده العجوز على ذلك منذ نحو 15 سنة. يأخذ "المعلوم" كواجب مستحق، وينادي على خوسيفا، وينسى أن يقول شكراً. يلفّ لفّة ويرجع إليّ: شوف! البلد الذي دخل الجحيم، لن يرجع إلى الجنة.

ليس صحيحاً، ثمّة تقديرات من خبراء اقتصاد، تقول إنّ الوضع بدأ في التعافي.
ـ هذا كذب. هي تخديرات مقصودة يُشيعونها بسبب اقتراب الانتخابات.

فما العمل؟
ـ أن نهاجر نحن مثلما هاجر شبابُنا لأميركا اللاتينية.

وتُترك البلد لجماعة راخوي؟
ـ ليأخذوها، ليأخذوا العظمة بلا لحم.

هم سارقو اللحم يا روساريو..
ـ واضح، وعليهم أن يتشردقوا ببقايا المائدة.

لا أوافقك.
ـ ستوافق بعد وقت، ستقول إنّ روساريو كان على صواب.

لمَ لا ترحل إذاً؟
ـ أرحل؟ ومن أين لي ثمن التذكرة، حضرتك؟

ثم فجأة يحذّر خوسيفا وهي تتشمّم كيس زبالة، ويغيب وراءها في الزقاق المعتم.

المساهمون