يوميات أخيل

يوميات أخيل

19 يوليو 2015
مشروع "فن زنقاوي" / الجزائر
+ الخط -

في صباح أحد الأيّام الربيع-صيفيّة، استيقظ الدرويش باكرًا بعد أن تأكّد أن مياه الخزّان قد سخنت وباتت تنتظره لينظّف جسده من عناء النوم وذكريات البارحة، ووقفَ متجبّدًا كالوَتَرِ المَشدود رافعًا كلتيّ يديه للأعلى بتَرنّحٍ مُمَكسِمًا سينوسِ الزاويةِ بينهما.

خرَج من غرفَتِه مُتثاقلًا محنيَّ الظهرِ مرخيًا كأنّه سروالٌ فارغٌ ونصفه مستيقِظ والآخر لا يزال في آخر الأحلام.

باغته، أو أيقظ نصفه نُباح "أخيل" الذي وقفَ باب غرفته وكأنّه ينتظره ليصبّح عليه، فقابله الدرويش بابتسامة وأكمل طريقه نحو الثلّاجة فاتحًا إيّاها بقبضته اليمنى وممسكًا بزجاجة الحليب بيسراه مخضخضًا إيّاها بحركة توافقيّة بسيطة لا يزيدُ تردّدها عن بعض الهيرتسات وقال في قرارة نفسه: ممتاز، فيها ع قدّ كبّايتي.

وتنهّد بارتياحٍ نافخًا عن نفسه عناء الطريق نحو الدكّان.

بعدَ أن استحمّ وأعلن عن انطلاق يومه، قام بتحضير قهوته المعتادة التي لا يتنازل عنها، المكوّنة من مسحوق القهوة الناعم الممزوج بحليب البقر، وارتشف منها رشفتين بعد أن جَلسَ إلى الطاولة مصوبًا عينيه نحو النافذة محدّقًا باللاشيء، فهو يستمتع بخيوط شمس ما بعد الصبح حين تضرب خلايا وجهه مُنعنشةً إيّاها.

أعجبه لُطف أشعّة الشمس كثيرًا، فدارت في عقله الأفكار وتلخّصت في عظمة الخالق، الخالق...

ما إن لمعت هذه الكلمة من بين أفكاره حتى قام مستعجلًا عن كرسيّه متذكّرًا أن عليه أن يصلّي صلاة الصبح قائلًا لنفسه: لا تلكّؤ في شكر الله على هٰذه النِعم، وستكون قهوتي قد بردت قليلا، سأشربها بعد أن أتمّ صلاتي: فلتنتظريني. وقام مُلبّيًا نداء المؤمن في داخله.

بعد أن أتمَّ الدرويش صلاته قصد قهوته الغالية مجدّدًا... بس هون بتخلص الحكاية الورديّة: أخيل واقف ع الطاولة بأربعته، وكبّاية القهوة ممرمغة الطاولة والأرض، وثِمّو بنقّط حليب ولسانه طارد لبرّا نُص متر من الفرحة.

يروى عن شهود عيان أنّ الدرويش بقيَ محدّقًا بهذا المشهد خمس دقائق وصرخ بعدها بحنقٍ: هاذ اسمه نهار مبَعبَص.

إسّا قلتلّي نداء المؤمن يا عزيزي آه؟ شايف كيف إنّك درويش؟

(حيفا/ فلسطين)

المساهمون