البوشار

البوشار

03 يونيو 2015
خالد تكريتي / سورية
+ الخط -

قاعة سينما صغيرة ومظلمة، بشاشة قماش صغيرة يظهر، عليها فلم رديء وممل وصامت. ثمانية صفوف من الكراسي، في كل صف ستة كراسي، يجلس على الكرسي  الثالث والرابع من الصف الأول رجلان في الستين  من العمر، وتجلس على الكرسي الرابع من الصف الثاني امرأة في الخسمين تضع حفيدها الصغير بحضنها، وعلى الكرسي الأول من الصف الثالث يجلس شاب في الثلاثين، وعلى الكرسي السادس من الصف الثالث أيضاً تجلس امرأة  في الأربعين، على الكرسي الثاني من الصف الخامس تجلس شابة في الخامسة والعشرين ترتدي تنورة قصيرة وتضع ساقيها على مسند الكرسي الذي أمامها غير مبالية، على الكرسي الثالث في الصف الثامن والأخير يجلس رجل في الخمسين من عمره.

بقية الكراسي شاغرة، المسافة بين الشاشة والصف الأول بحدود المترين، والشاشة بحدود ثلاثة أمتار طولاً، ومترين عرضاً تقريباً، وطول القاعة بحدود خمسة عشر متراً وتسعة أمتار عرضاً.

الحوار يجري ببرود وهدوء كبيرين، وبين العبارة والأخرى صمت حسب وقع العبارة على المعني بها.

الأسماء حسب (الكرسي / الصف) الذي يجلس عليه كل واحد منهم.

رجل الكرسي 3/8: هذا فيلم صامت
رجل الكرسي 3/1: ليس صامتاً، خللٌ ما أصاب جهاز الصوت
رجل الكرسي 4/1: لو كنتُ أعرف هذا لما جئتُ
امرأة الكرسي 4/2: تستطيع الذهاب
رجل الكرسي 4/1: لن أذهب
امرأة الكرسي 4/2: أنت حر
رجل الكرسي 4/1: لو كنتُ حرّاً لما جئتُ
امرأة الكرسي 6/3: معكَ حق يا سيدي
رجل الكرسي 4/1: شكراً لكِ، تعالي اجلسي هنا
رجل الكرسي 3/1: اذهب واجلس معها، وجودك بقربي شتت أفكاري، تارة تضع ساقاً على ساق، وتارة لا تفعل، وبعد دقيقة أو دقيقتين تبدل بينهما، لماذا تفعل هذا طالما أنك تعاني من الخَدر السريع في ساقيك؟

شابة الكرسي 2/5: افعلْ مثلي، هذا مريح
رجل الكرسي 3/1: لا يوجد أمامه مسند كرسي يفعل هذا
امرأة الكرسي 6/3: إذاً عليك أنْ تأتي هنا، بقربي، يوجد مسند متين
شاب الكرسي 1/3: يلزمك تنورة قصيرة، لقد قصدتْ التنورة، أليس كذلك؟
شابة الكرسي 2/5: ربما! التنورة مريحة، وكذلك وضع الساقين على المسند، لا أعرف، ولكن كل الذي أعرفه هو أني مرتاحة هكذا.
امرأة الكرسي 4/2: حفيدي يتابع الفيلم، الرجاء، تحدثوا خارج القاعة، هذا مكان لمشاهدة الفلم وليس مكاناً للثرثرة (تُقبِّل حفيدها) حفيدي يحب السينما
رجل الكرسي 3/8: معكِ حق يا سيدتي
امرأة الكرسي 4/2: شكراً، تعالَ واجلس هنا، هنا الصورة تبدو أكثر وضوحاً
رجل الكرسي 3/8: في الحقيقة يا سيدتي لا تهمني الصورة كثيرة، يهمني الصوت
امرأة الكرسي 4/2: كذلك حفيدي، ولكن الفيلم صامت كما ترى
رجل الكرسي 3/8: أعتقد أن خللاً ما أصاب الفيلم، دققي جيداً، إنهم يحركون شفاههم، ولكن ربما فكرة الفلم هكذا!.. ربما
امرأة الكرسي 4/2: لنفرض أنّ فكرة الفيلم هكذا، فهذا ليس مهماً لحفيدي، أرجوكم دعونا نتابع الفيلم، بعد قليل سيضطر إلى الصراخ، وربما سأصرخ بدلاً عنه، أحذركم!
رجل الكرسي 4/1: حسناً حسناً
رجل الكرسي 3/1: وأنت أيضاً، ضع ساقاً على ساق وتوقف عن كثرة الحركة! استقر على وضعية معينة أو ارجْع إلى الوراء وضع ساقيك كما هذه الشابة الجميلة
شابة الكرسي 2/5: شكراً، تعال واجلس هنا
رجل الكرسي 3/1: لا أريد أن يفوتني شيئاً من الفيلم، المعذرة، فرصة أخرى
شابة الكرسي 2/5: لن يكون هناك فرصة ثانية، فهذا الفيلم لن نتابعه مرةً ثانية
رجل الكرسي 3/1: ربما في فيلم آخر
شابة الكرسي 2/5: لن تجدني في الصف الأول من الكراسي، لا أحبذها، لا يوجد أمامها مساند كراسي كما الصفوف الأخرى، هكذا أنا مرتاحة في مشاهدة الفلم

رجل الكرسي 3/8: أي فيلم تتحدثون عنه، هناك مشاهد تتكرر، تابعوا جيداً، لقد شاهدتُ هذا المشهد مرتين
شاب الكرسي 1/3: ربما فكرة الفيلم هكذا!
امرأة الكرسي 6/3: أحسنت، فكرتك مدهشة، ربما فكرة الفيلم هكذا
شاب الكرسي 1/3: شكراً لك يا سيدتي على هذا الإطراء، تعالي واجلسي هنا
امرأة الكرسي 6/3: لا لا، شكراً للطفك، ولكن أفضّل هذا المكان، كل الأفلام التي أشاهدها، أشاهدها من زاوية هذا المكان عادةً، في حال ذهابي بعد قليل أنصحك بمتابعة الفيلم من هذا المكان، سأمنحك مكاني فور ذهابي.
شاب الكرسي 1/3: أنا عاجز عن شكرك، وأعدك إن حدث وكنتُ في قاعة سينما وجئتِ أنت متأخرة وكان مكاني بمثل مكانك هذا سأمنحك المكان، هذا وعد مني، ولكن عليك أن تهمسي لي فور حضورك ورؤيتي، فلا يمكن أنْ أعرف أنك في ذات القاعة ما لم تهمسي لي
امرأة الكرسي 6/3: أنا لا أتأخر عادة، كي لا أفقد هذا المكان، ليس بوسعي مشاهدة فيلم من زاوية غير هذه الزاوية، صدقني، أنا لا أُبالغ

رجل الكرسي 3/1: توقف عن تناول البوشار، إنك تثير سخطي
رجل الكرسي 4/1: لستُ أول شخص في العالم يأكل البوشار أثناء مشاهدة السينما
رجل الكرسي 3/1: كُلْ بهدوء، لا تصدر صوتاً، نريد متابعة الفيلم، وكذلك حفيدها يريد ذلك
رجل الكرسي 4/1: حفيدها لم يشكُ مني، وقبل قليل ناولته البوشار وابتسم ولم ألحظ أي سخط وامتعاض على ملامحه، أليس كذلك يا سيدتي؟
امرأة الكرسي 4/2: هذا صحيح، ولكن هو الذي مدّ يده من تلقاء نفسه، حفيدي يحب البوشار، وأنا أيضاً
رجل الكرسي 4/1: المعذرة يا سيدتي، لم أنتبه، تفضلي تفضلي، بوشار لذيذ (تتناول المرأة منه، ويقوم بتقديم البوشار لبقية الموجودين، بينما رجل الكرسي 3/1 يرفض أنْ يتناول منه) لنتابع الفيلم...
رجل الكرسي 3/1: أنا سأغادر، هذه قاعة سينما لا يمكن مشاهدة فلم بها، لو كنتُ جالساً على كرسي غير هذا الكرسي الذي بجانبك لتابعتُ الفيلم حتى نهايته، أنتَ مزعج وشوشتَ عليّ بطريقة أفسدتْ بها الفيلم، لقد أفسدتَ الفيلم يا هذا (يُغادر)
رجل الكرسي 3/8: معه حق
رجل الكرسي 4/1: أنت تبالغ، وكلامك غير دقيق، لذلك أنا مضطر إلى مغادرة القاعة، لا يمكنني سماع الافتراء، والأكاذيب، أرجو المعذرة منك، ولكن هي أكاذيب، ربما ليست أكاذيب، ولكنه كلام غير دقيق (يرمي البوشار بوجه الشاشة ويغادر)
امرأة الكرسي 4/2: نعم نعم، إنها أكاذيب، لقد قسوتَ عليه بكلامك هذا، رغم أنه كان لطيفاً، فلقد قدم البوشار لنا، ولحفيدي أيضاً، حقيقةً هذا المكان صار خانقاً، ويجب مغادرته مع أني كنتُ مُتحمسة لمتابعة الفيلم (تغادر)
رجل الكرسي 3/8: هذه إهانة لا تُحتمل، غريب أمركم أنتم، ألم تشاهدوها كيف تحدثتْ معي وأنتم صامتون ولا أحد منكم يقول لها كلمةً واحدة، لا تستحقون وجودي معكم في هذه القاعة، كان بودي متابعة الفلم، ولكن كرامتي لا تسمح لي بهذا (يغادر)
شاب الكرسي 1/3: في حقيقة الأمر، كنتُ أنوي مغادرة المكان قبل حدوث هذا الأمر، ولكن يبدو أن حدوث هذا الأمر يدفعني إلى المغادرة بإصرار أكبر، مع أن الخلل الذي في الفيلم كان سبباً كافياً لحثي على مغادرة المكان (يغادر)
امرأة الكرسي 6/3: وأنتِ! ألا تودين المغادرة؟
شابة الكرسي 2/5: ليس بعد
امرأة الكرسي 6/3: هل الفيلم يستحق البقاء؟
شابة الكرسي 2/5: هذا شأنك
امرأة الكرسي 6/3: أنت قليلة ذوق
شابة الكرسي 2/5: شكراً لك
امرأة الكرسي 6/3: لماذا تتحدثين معي بهذه الطريقة؟
شابة الكرسي 2/5: سألتزم الصمت إذاً، مثل هذا الفيلم

امرأة الكرسي 6/3: مع أنّ مكاني هذا مناسباً لحضور فيلم، سأغادر... منذ البداية شعرتُ بشيء غريب في هذا المكان، غريب مثل هذا الفيلم، كل شيء غريب إلا مكاني هذا، هذا المكان وهذه الزاوية التي أحبذ مشاهدة الأفلام من خلالها، سأغادر، تباً (تغادر)

شابة الكرسي 2/5: (صمت قصير، تقوم بتبديل ساقيها، فتضع التي كانت في الأسفل فوق التي كانت في الأعلى، فوق مسند الكرسي الذي أمامها، تنظر إلى الساعة، تقوم بلمّ البوشار من الأرض وتضعه في الورقة المخصصة له، وتبدأ بتناول البوشار وهي تنظر نحو شاشة القماش المخصصة للفيلم.

(ظلام)


* كاتب سوري يقيم في تركيا

المساهمون