مفتاح الخطايا الصغيرة

مفتاح الخطايا الصغيرة

29 مايو 2015
فيصل سمرة / السعودية
+ الخط -
أخاف من فكرة أن يضبطني أحدهم متلبساً في فعلٍ ما. والفعل هنا، أكبر من ضحكة في موقف غير لائق، وأقل من فضيحة بقليل.

أنا شخص لا يجيد الدفاع عن نفسه في أوقات كهذه، ولا يجيد المراوغات، أستطيع سماع تكسر روحي بأذني إذا وضعت نفسي في مواقف كالتي تتطلب منك قدرة بارعة في التمثيل وصد الأفكار المندفعة إليك وعكسها إلى مكان آخر، ليس لأنني شخص صادق طبعاً، ثمة شخص كذاب ومخادع يقبع خلفي نظارتي بالضبط، لكنني لا أمتلك المهارة الكفيلة بتحويل نفسي إلى تلك اليد القادرة وبكل خفة على سحب الشعرة العجيبة من العجين.

أنا فاشل في ذلك. في فترات الدراسة، لا أذكر أنني نجحت بالغش في أي امتحان من الامتحانات المدرسية، كانت الرغبة متوفرة دائماً، لكن وما أن أهمُّ بالغش حتى يتحول وجهي إلى الأحمر وأبدأ بالضحك، شارة مرور تعتلي وجهي تقول لكل من هم في غرفة الصف بأن هذا الشخص يغش الآن، وبإمكانكم القبض عليه.

مرة طلب مني المحاضر أن أستبدل مكاني أكثر من مرة في قاعة الامتحان، كانت المادة صعبة ومعقدة وقررت الغش برفقة أصدقاء يتقنون ذلك بشكل مثير للإعجاب، اشتبه المحاضر في وجهٍ أحمر ومرتبك وعلى وشك الإنفجار في الضحك بلا أسباب واضحة، فانتقم مني على طريقة المدرسين في الانتقام.

منذ تلك الأيام وأنا أدرك أن عليّ أن أفعل شيئاً حيال قدرتي المتهالكة في ضبط هذا الهامش لكن بلا جدوى. لم تنجح الأمور، لا بالتجريب ولا بالممارسة. في العادة لا تتوقف الأمور عند هذه الحدود، مرة، أمضيت ساعة كاملة أحدق في علبة سجائر صديقي، أمضيت الليلة عنده في المنزل، وكنت مشغولاً في شيء حال بيني وبين نومي مبكراً، ونفذت سجائري.

وضع صديقي علبة السجائر إلى جانب السرير وغفا، حاولت أكثر من عشر مرات أن أكسر حاجز الخوف وأستل سيجارة من هناك ولم أستطع، كنت أصل إلى العلبة وأعود، بل وكلما تخيلت ما الذي سيحدث لي إذا ما استيقظ من نومه فجأة، والتقت الأعين كما تلتقي غالباً في ظروف صادمة، وأنا منشغل في دس أصابعي في علبته لالتقاط سيجارة حتى يدهمني الهلع والنكوص، لا موقف في الدنيا أكثر إحراجاً من ذلك، بالنسبة لي على الأقل.

قررت مغادرة المنزل لاحقاً باحثاً عن دكانٍ متوفر في الساعة الواحدة والنصف فجراً. قادني ضوء منتشر بكثافة على بوابة سوبرماركت كبير في نهاية الشارع الطويل، فخلت أن المتجر مفتوح، فذهبت لأجده مغلقاً إلا من الضوء، كان الضوء ليلتها خدعة المشوار الطويل. لكن العتمة فسحة.

مرة، كنت أتصفح كتاباً نسيت اسمه في مكتبة "بلدية رام الله"، كان الكتاب عتيقاً وبالكاد تتماسك الصفحات فيه، أفرد الكاتب فيه نصائحَ كثيرة حول ما أسماه "نقاط ذهبية في شخصية سوداء"، كانت النقاط كلها تتمحور حول كيف ترتكب جرائمك، الصغيرة منها والكبيرة، دون أن يكتشفك أحد، أذكر أنه ومن ضمن ما قرأت في الصفحات، أن الظلام/العتمة سلاح المجرم الأول.

غبي من يرتكب جريمته في النهار، ثمة مخاطرة كبيرة تتمدد في مكان ما في مسرح الجريمة. في الظلام تستطيع أن تستبدل ملامحك الكاذبة بصوت صادق، تستطيع أن تخفي ارتباك زاوية فمك في لحظات الخوف القاتلة بفم مبتسم أو منبسط تماماً، لا أحد يلمح هلع العيون أو انشدادها، لا أحد يستطيع تتبع نظراتك المتراشقة يميناً ويساراً من حولك، في الظلام تكون أنت، سيد وحدتك وخوفك وجرائمك الصغيرة التي لا يراها أحد ولا تخجل منها على الإطلاق!

*كاتب من فلسطين

دلالات

المساهمون