منتصف برمودا

منتصف برمودا

15 مايو 2015
لارا بلادي/ لبنان
+ الخط -

أيامك انطوت، ضعْها في شنطة الكتف مع زجاجة الماء والساندويش والدفتر المتسخ، ضعْها كتذكار من أجل الوفاء وامض إلى أيام غير مرئية ستكون قدرك الملتبسَ في هذه النواحي.

ماضيك؟ الماضي صندوق لو فتحته ستكتئب، من الأفضل لك أن تضغطه ثم تمسحه برفق وتضعه مع الزجاجة والساندويش.

ماضيك؟ ما أقواك لو حوّلت جرافته الـ "دي 9" إلى لعبة صغيرة تدسّها في قعر الشنطة. لا، لا تنصت إليه. هنا جبال كولسيرولا تناديك بشميم صنوبرها فاسمع واستمتع بها حتى تنتهي صلاحية الزجاجة والساندويش، صلاحية الدفتر المتسخ والله الأبيض، صلاحية الشنطة وصلاحية حاملها.

كلا لن تذهب إلى قصر دياغونال لتحتفل بـ15 مايو، لن تجلس معهم ثم تخرجون لتناول الشمبانبا والنبيذ والحلويات، كلا لن تدع رفيق الجبهة السابق يأخذك على جنب ويحدثك عن همومه مع ابنته التي تعاقر المخدرات، لقد مللت من هذا كله، واليوم في هذا الـ15 من مايو ستذهب إلى كولسيرولا، فأطيب الأحزان ما يُشوى في الهواء الطلق أو ربما تغيّر رأيك فتجلس في حديقة المترجمة وتنصت إلى خوسيفينا وهي تشكو من "ديكتاتورة الوكت" التي لا تسمح لها برؤية أمها في أوفييدو منذ نصف عام، خوسيفينا الدكتورة النفسية في ثينترو، الأطفال الجانحين، خوسيفينا التي تحتاج إلى صدر حنون يمنحها الأمان وقد بلَغت منتصف ليل برمودا وما من حبيب ولا طفل ولا طيف.

في هذا الـ15 من مايو، ستعدّ لها طعامها وتنصت كأخ كبير عارفاً أن الضعف البشري هو سيد الكلّ وأستاذهم حتى لو تظاهروا بغير ذلك.

وستقول لها بعد ساعتين من الصمت والإنصات إن الجميع يا عزيزتي بحاجة إلى دعم نفسي وبالأخصّ أمثالكِ:

بحاجة إلى صدر حنون، بحاجة إلى أن لا يذهبوا كل عام إلى قصر دياغونال ليحتفلوا بـ15 مايو ويسمعوا الكلمات نفسها، لأنّ القصر قائم وموجود وسيبقى قائماً موجوداً و15 مايو قائم وموجود وسيبقى موجوداً.

هل تعرفين يا خوس؟ فعْلنا المضارع الأبدي هو هذا الـ15 مايو.

إذهبي إذهبي أيتها الأوستورياسيّة إلى أمك خوليا. إذهبي قبل فوات الأوان. ولا تكوني مثل من فات أوانه وانقضت أيامه، فجلس معتكفاً في خلاء نفسه ليخطّ هذه الكلمات.


* شاعر فلسطيني مقيم في برشلونة

المساهمون