الثقافة الأخلاقية

مهما بلغت اللاأخلاقية، فإن أصحابها لا يستطيعون الخروج عن الوسط الذي يعيشون فيه، حتى لو استمدّوا منه معايير مختلفة عن معايير الآخرين، إن التباين معهم غالباً يأخذ أكبر من حجمه، والكثير من الوهم الذي يندحر على أرض الواقع.

انعكست مآسي القرن الماضي في الفكر والفن إلى انتشار عدمية، تبرّر كل شيء، نزعت القداسة عن قيم لم تعد مطلقة، وما تولّد عنها من ثوابت يقينية، ما دام مصدرها إنسانيًّا بحتًا، وليس إلهيًا أو دينيًا، لم يتزعزع الإيمان بها فقط، بل وشكّكت بالعقل.

لعلّ أوضح قيمة إيتيقيّة تُعلن عنها الترجمة حالياً وتُصرِّفها هي قيمة الوساطة، التي لازمتْها منذ القِدم، لِفَعاليَتها في التقريب بين الثقافات وتمكينها التفاهم حفاظًا على الحياة. أما القيمة الأخرى فهي التّشارُك، التي أضحت في زمننا الرقمي هذا متداوَلةً.

تتشكل القيم عبر التاريخ، وبمقدار ما تتقدم، تتراجع أيضًا، وتخطئ الطريق، وتترسخ على نحو خاطئ، لكن هذه السلسلة من التشكل، إذا كانت على صواب، فبالنسبة إلى ماذا؟ هل هناك معيار صحيح أو مثال نموذجي؟

المعايير التي تتيح لنا أن نحكم على أفعالنا البشرية سلباً أو إيجاباً؛ يمكن أن تكون قوانين كونيةً تنطبق على جميع الكائنات البشرية، تحكم تصرّفاتها وتُصوّبها؛ كضرورة معاملة جميع البشر بشكل متساوٍ بدون تفضيل مسبق لهذا الشخص على ذاك.

يمثل كتاب "علوم الشرع والعلوم الاجتماعية، نحو تجاوز القطيعة: أليس الصبح بقريب" خلاصات أبحاثٍ ميدانية أجراها مؤلّفه، أستاذ علم الاجتماع والباحث الفلسطيني ساري حنفي، خلال خمس سنواتٍ لدراسة كليات الشريعة في بعض البلدان العربية في المشرق والمغرب.

كثيرة هي المفاهيم التي تتغلغل في حياتنا من دون أن نجد لها أثراً موازياً في الدراسات النظرية، ومنها مفهوم الثقة. موضوعٌ تناوله الباحث أولي لاغرسبيتز في عمل بعنوان "الثقة والأخلاق والعقل البشري" وقد صدرت نسخته العربية حديثاً بترجمة مصطفى سمير.