النظام العالمي الجديد

يعيش العالم اليوم على أبواب تحوّلات كبرى، وخلال العقد الحالي، سترتسم ملامح العالم الجديد الذي قد يضع نهايةً لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وعالم ما بعد نهاية الحرب الباردة، ما يطرح أسئلة كثيرة عن شكل النظام العالمي الجديد وموقع العرب فيه.

لم يتردّد المسؤولون الغربيون في وصف ما حصل في مدينة بوتشا الأوكرانية بأنه مجزرة وجريمة حرب تستحق العقاب، لكن نفس المجازر تحصل في سورية وغيرها ومنذ عقد، وعلى يد نفس الجاني والقاتل، ولم نسمع هذا الصوت العالي في الإدانة وتسمية المسميات بأسمائها الحقيقة.

الحرب لا أخلاقية، ومهما وُضعت لها مبادئ وضوابط وتوصيف للجرائم المرتكبة، تبقى أهمّ وأكبر الشرور المحدقة في البشرية وفي المصير الإنساني، ومن حقّ الشعوب أن تنظر إلى مستقبلٍ تلغى فيه كل هذه المنظمات المدّعية، والأنظمة العالمية التي لم تقدّم غير الهلاك.

مرجّح أن تسفر الأزمة الأوكرانية عن ولادة نظام متعدّد القطبية، بدلا من الحالي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة منفردة أو بالتحالف مع القوى الغربية. وقبل ذلك ستكون أوكرانيا قد تحوّلت إلى ركام، وتحت قيادة جديدة غير قيادة الكوميديان فولوديمير زيلينسكي.

أطلق الرئيس الروسي، بوتين، العنان لتنفيذ مخططاته باجتياح أوكرانيا، لكن الأمر قد يتعدّى هذا إلى إرسال قواته إلى مناطق أخرى، وبما ينذر بأن مرحلة ما بعد غزو أوكرانيا قد تمتد إلى محاولة إعادة دول أخرى من الاتحاد السوفييتي السابق إلى الهيمنة الروسية.

الموقع الجغرافي لسورية هو ما جرّها إلى أن تكون من الملاعب الهامّة للكبار أو لمن يطمحون أن يصبحوا كبارا. ومن هذا المنطلق، ما يحصل حاليًّا في سورية يدعو إلى مزيد من القلق، ومزيد من اليأس من إمكانية وجود حلول قريبة للمعضلة السورية.

العلاقات الدولية التي جوهرها المصالح لا تُبنى على التراضي دائما، ولا على الرغبات، فما نيل المطالب بالتمنّي، ولكن تؤخذ الدنيا غلابا. وصحيح أنه ما من مصالح استراتيجية لأميركا في سورية، لكن مصالحها في عدم تمكين الفاعلين الدوليين الكبار في أية نقطة.

القول إنّ الصين تريد أن تستكشف ردة فعل الغرب لو وقع غزو روسي لأوكرانيا، لتعرف ما الذي سيجري لو قرّرت الصين غزو تايوان وضمها، فهو قول متهافت، لأنّه يتناقض مع العقلية السياسية الصينية التي لا تقرّر الإقدام على خطوة ما من دون التأكد من النجاح فيها.