غدير أبو سنينة

ها هو أخي نضال هنا، ممدّدا قبالتي على سرير أزرق. امتنع الطبيب عن الكلام. دخلتُ إلى غرفته الفارغة إلّا منه، ورأيت روحه تطير. لم تبتعد كثيراً.

ما يعوّض السائقَ هو تحوُّله إلى رمز سياحي في مدينة غرناطة النيكاراغوية؛ فكثيرٌ من الزائرين يبحثون عنه لالتقاط صورة له مع الورقة النقدية التي يظهر عليها أو تسجيل مقابَلة معه، حيث يظهر وهو يقول: "أنا ماوريسيو سانشيس، الرجل ذو الورقة النقدية فئة المئة".

نزلتْ درجات السُّلّم نحو الطابق الأول، حيث نجلس، كانت ترتدي طقماً وحذاءً رياضيَّين. قدّمت لنا الشاي والبسكويت وأصرّت علينا أن نتناول منهما، ثم أحضرت آلة تسجيل صغيرة الحجم، مُخصّصة لأغراض تسجيل المقابلات الصحافية، وبدأت تُحاورني وسط ذهولي ممّا تفعل.

سقط دماغ الشاعر وتدحرج نحو الشارع، ووصلت أصوات المتنازعين للجيران وتجمَّع الفضوليون الذين كان بينهم ضابط شرطة قرّر التحفّظ عليه في مركز أمني، قبل أن يأمر رئيس البلاد حينها، أدولفو دياس، بتسليمه للأرملة، ليبدأ الدماغ رحلة جديدة.

خلال الغزو الأوروبي لأميركا اللاتينية، دُمّرت الكثير من المخطوطات العلمية والأدبية، لكنّ ما نجا منها يُظهر اهتمام السكّان الأصليّين بالشعر؛ ومن ذلك قصائد كُتبت بالناهواتل؛ لغةِ قبائل الأزتيك التي سكنت المكسيك منذ القرن الثالث عشر.

عديدةٌ هي النظريات التي يقترحها مؤرّخون حول طبيعة الجماعة السكّانية التي تقطن مرتفعات باكسيلا في نيكاراغوا، والتي تُحيل ملامحها وحتى ملابسها إلى أصول أوروبية. الأكيد، على أي حال، أنهم حافظوا على عزلتهم لقرون.

لإحساسه بصعوبة تلك الأشياء، التي لا يستطيع الشعر نفسه نقلها، يخلق زوريتا مفردات وتراكيب شعرية تفسّر الحالات الخاصة التي يمر بها حين يكتب القصيدة. والحالات، بطبيعة الحال، لا تختلف عن حياته اليومية.

ملعونٌ هذا الحذاء ومحظوظ أيضاً، حين تنفكّ عقده واحدة تلو الأخرى فيظل قابعاً في ظلمته المنزوية في دولاب لا يهم أحداً، ومع هذا فهو موجود منذ زمن سحيق، هو هو، يرتديه كل شتاء، يزيل غباره ويكسيه بالقليل من "البويا" المعجونة بزيت الصبّار كما كان يفعل جدّه.

بناءً على حساباته، نظّما مواعيد أنشطتهما بما يتوافق مع مسار القمر والشمس. كان ذلك عام 1998، حين تنبّأ مارتين أنّ العالمَ سينتهي عام 2000، وقرّر دينيس أن عليهما الذهاب للعالم الآخر وفي حوزتهما المعرفة الكافية بالعالم الحالي.

رصّوا أنفسهم في السيارة وملأوا الصندوق الخلفي بصندوقي بيرة لم يتبقّ منهما شيء. في طريق العودة، كانوا سبعة شبّان سكارى، بقمصان لاكوست وردية، متراصّين في سيارة مازدا خضراء. ولن يحتاج القارئ لتفكير عميق كي يدرك أنهم مقبلون على حادث مروّع.