حسن الترابي

لم يتعزّز في السودان فقط وضع العسكر، بل آلت إليهم السلطة كلها. وبقي الآخرون يجتهدون في تخريب الشوارع والبلد شأن وصية "البصيرة أم حمد" بذبح الثور لإخراج رأسه من الجرّة، ثم كسر الجرّة، بل شأن من ينشّ الذبابة عن وجهه بطلقة مدفع.

أول خطوة في السودان للربط بين إنهاء الوجود العسكري في السلطة وانتهاء الفترة الانتقالية إزالة التشكيك غير المبرّر في جدوى الانتخابات، وهو تشكيكٌ بدأ قبل الانقلاب بكثير، بتسريب هامس يخيف من انتخابات تعيد حزب المؤتمر الوطني إلى الحكم.

يبدو أن النظام العربي الرسمي ينقم كثيرا على غزة، ومن قبل على تركيا، أكثر مما ينقم على الكيان الصهيوني، بل بالتأكيد هو ينقم على هذا الكيان لأنه لم يستطع أن يكسر غزّة التي بيّنت خنوعه وعجزه، فيما بينت تركيا مدى استقلاليتها وارتهان النظام العربي للخارج

مساحة الموقف من مشاريع الاستقلال أو الانفصال هي عارض لسياسة قمعية أو أداء هزيل أو لعبة مصالح دولية، ومساحة الاستيعاب لهذا الإقليم أو ذاك ممكنة في إطار فدرالية، فأين ذلك اليوم من الأنظمة الشمولية، لا وجود له! لكن الفرصة في حالة جنوب اليمن، كانت كبيرة.

للإسلاميين مشكلاتهم الفكرية والسياسية، ولديهم ما يستوجب النقد والتصويب، إن على صعيد خطابهم أو تجربتهم السياسية. ولكن هذا لا ينفي وجود تجاهل متعمّد للمسافات التي قطعها الإسلاميون المعتدلون في "شرعنة الديمقراطية" في الساحة الإسلامية.

منذ اندلاع الخلاف بين مجموعتي لندن وإسطنبول فيها في أواخر العام الماضي، كانت حركة الإخوان المسلمين أقل انشغالاً بمجريات الحوادث الإقليمية والدولية، فيما يتزايد الجدل والانشغال بشؤونها الداخلية، ما يؤشر إلى عمق الأزمة. هنا قراءة في أزمة التنظيم.

ترجل الصادق المهدي عن المسرح السياسي في السودان بعد ستين عاما من النشاط السياسي، ترك فيها بصمات واضحة طبعت كثيرا من أوجه الحياة السياسية في السودان. ويصعب على كل من يتصدّى للكتابة عن شخصية الراحل أن يتتبعها على خط واحد مستقيم.

الإدارة الأميركية، بسلوكها الابتزازي المُريب، هي التي تعمل على خنق الثورة السودانية، وتحفر بيديها قبراً لمدنيـة تلك الثورة، وترسل محفّزات فضائحية حتى تنتكس وتتداعى، وقد تتلاشى، فقط ليرثها نظامٌ لا يوثق به.