لم أكن على موعد مع الحلم، حين غلبني النعاس، وأنا أتابع تقريراً عن التفاعل العربي التلقائي مع الحملة الدولية "أنا شارلي" التي استقطبت، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ملايين المتضامنين مع الصحيفة الفرنسية "شارلي إيبدو"، إثر الهجوم الذي تعرضت له بعد نشرها رسوماً ساخرة من الرسول الأعظم، محمد، صلى الله عليه وسلم.لست ضالعاً في تفسير الأحلام، ولم أتوقف يوماً عند حدودها، ربما لإيماني المطلق بأن الحلم يبقى حلماً ما دام النائم ليس نبياً أو مبتعثاً من الله، ليحمل رؤيته إلى العامة. على الرغم من ذلك، أجد نفسي، هذه المرة، ملزماً بالوقوف عند هذا الحلم الأسطوري، ونقله إلى القراء، لعلي أجد تفسيراً لهذا الترف في الجنوح نحو خيال بعيد.. بعيد!لا أدري كيف تسنّى لي الدخول عبر معبر رفح إلى قطاع غزة، لأمكث مع عائلتي ليلة، قبل التوجه، صباح اليوم التالي، عبر معبر إيرز إلى رام الله، للمشاركة في المظاهرة الدولية التي دعا لها الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لإدانة قتل الطفل محمد أبو خضير الذي قضى حرقاً على أيدي مستوطنين متطرفين في حي شعفاط في الثاني من يوليو/تموز عام 2014.لم تلفت نظري مشاركة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إلى جانب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بقدر ما لفت نظري التدافع الكبير بين الزعماء العرب للوصول إلى الصفوف الأمامية، في رسالة واضحة لسلطات الاحتلال برفض الممارسات الإرهابية المتطرفة التي يرتكبها قطعان المستوطنين بحق المدنيين الفلسطينيين.ولا يمكن أن أنسى حملة التضامن "أنا محمد أبو خضير" التي انتشرت في الدول العربية كافة، ووصل صداها أيضاً إلى الغرب، حيث ترجم هذا الشعار إلى لغات عالمية، ما أثار حفيظة الصهاينة في أوروبا وأميركا. ولا يمكن أن أنسى كيف عاقبت قناة فرنسية أحد مراسليها، حين ذكر، في تقريره، أن حرق الطفل محمد أبو خضير ردة فعل طبيعية على الهجمات التي يشنها الفلسطينيون ضد المستوطنات الإسرائيلية.ولا يفوتني، أيضاً، أن أذكر الكم الهائل من رسائل الاستنكار والإدانة التي أثقلت قبّة جامعة الدول العربية، والتي وصلت من كل حدب وصوب: بدءاً من منظمة الأمم المتحدة، مروراً بالاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، انتهاء بشركة والت ديزني الأميركية.لم يعكر صفو هذا المشهد الأسطوري سوى صوت هاتف جاءني من صديق لي في غزة، ليعلمني بتراجع السلطات المصرية عن قرارها فتح معبر رفح ثلاثة أيام، بعد اختطاف جندي مصري في سيناء، وبالتالي، لن يتمكن والده الذي يصارع الموت في غزة من المجيء إلى الصين هذه المرة، أيضاً، بعد أن أتممت له إجراءات الاستقبال في مستشفى متخصص في علاج السرطان في المدينة التي أقيم فيها.إنها الخاتمة الطبيعية لهذا المسلسل العربي الذي تضمن جرعة زائدة من الخيال الأميركي، فاحترق السيناريو عند أول فاصل إعلاني، ليس بسبب إفلاس المنتج، أو قصور المخرج، بل لأن من تعوّد على دور الكومبارس لا يجيد أدوار البطولة.