الثورة المضادة

ثمّة حفل تنكّري كبير يجري في مصر اليوم ويهدف لاقتلاع أحلام ثورة يناير من وجدان جمهور العرض المستهدف، بحيث يبدو تقديم وائل غنيم في طوره الجديد إعلانًا لوفاة الثورة وهزيمة كل ما يمثلها، في مقابل إعلاء كلّ ما يعبّر عن الثورة المضادّة والانقلاب عليها.

في حال استمرّ التدخل الإيراني والاستهداف الإسرائيلي والتمدّد التركي والطموح الكردي والتزاحم الأميركي/ الروسي في سورية، هذه الدولة الهشّة المهشّمة اليوم، فلا يُستبعد أبدًا أن تبدأ منها دراما انفجار دولي كبير.

مع انعقاد القمّة العربية في جدّة، يُغلق قوس الربيع العربي بعد مخاض عسير نجحت فيه الثورة المضادّة في استعادة المبادرة، بيد أنّ ذلك لن يحول دون استمرار شعوب المنطقة في التطلع إلى القطع مع الاستبداد والفساد والتخلف.

يعكس طلب الولايات المتحدة من إسرائيل التدخّل لدى طرفي الأزمة في السودان لوقف القتال مفارقة معيبة، ومدى غياب العرب دولا ومؤسسات عن بلد عضو في جامعة الدول العربية. وهذا ليس جديدا، حيث اقتصرت التدخّلات العربية على دعم العسكر في إطار الثورة المضادة.

استمرار الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في السودان يحمل فرصة انهيار المنظومة العسكرية التي أسّسها نظام عمر البشير، بما يسمح للمدنيين باستعادة الحكم والتأسيس لدولة مدنية ديمقراطية، وهو سيناريو يكاد يكون مثاليا لولا كلفته البشرية الباهظة.

لم تتردّد دول الثورات المضادّة في تكوين غرفة عمليات مشتركة لتنسيق جهودها السياسية والأمنية والاستخباراتية، وضخّت الأموال واستخدمت الإعلام، وفعلت كل شيء لتلويث الثورات والإجهاز عليها. فيما غرقت القوى الجديدة التي تصدّرت المشهد في المتاهات الداخلية.

قاد الانخراط الإقليمي والدولي في الصراع في سورية؛ وتحويله إلى صراع على سورية؛ إلى تعدّد الخيارات وتناقض المصالح وتعقّدها، وتراجع فرص الحل وامتداد الصراع عبر تغذيته بعوامل الاستمرار، وانعكس ذلك سلبا على المجتمع والدولة السوريين.

على الرغم من أنّ الثورات العربية أُجهضت منذ سنوات، إلا أنّ أنظمة الحكم التي تسلمت البلدان العربية وقادتها إلى الوضع الحالي حققت فشلاً ذريعاً، وأضحت الأوضاع أسوأ بكثير مما قبل 2010، حيث يعاني مواطنو تلك البلدان من أزماتٍ اقتصاديةٍ وحياتيةٍ متفاقمة.