تونس: المجتمع المدني والشباب

تونس: المجتمع المدني والشباب

14 يونيو 2016
(تصوير: فتحي بلعيد)
+ الخط -

ساهمت الثورة التونسية في رفع سطوة الدّولة على مساحات الفعل المدني التي استمرّت مدّةً تقرب ربع قرن. فبالإضافة إلى فتح الباب أمام إمكانيّات التنظّم السياسي والحزبي، شهدت البلاد طفرة غير مسبوقة في عدد الجمعيّات التي أُنشئت وعدد النّاشطين فيها.

وكغيره من الشّعوب العربيّة، كانت جلّ اهتمامات الشعب التونسي، قبل الثّورة، تراوح مكانها ضمن دائرة الهامش البعيد كلّ البعد عن قضايا الشأن العام من سياسة واقتصاد وغيرها من القضايا التي كانت حكراً على نخبة النّظام الدّكتاتوري، وقلّة قليلة من النّاس الذين تجرّأوا على النّظام وخاضوا فيها نقداً ومعارضة.

ومع استرجاع التونسيين بلدهم وتأسيسهم لنظام ديمقراطي وليد، شهدت دائرة الاهتمام الشّعبي تغييراً انعكس على إقبال التونسيين على التنظّم سواء في الأحزاب أوالجمعيّات؛ وهو ما يندرج ضمن مسار تأسيس وصناعة نخبة الثّورة أو نخبة الانتقال الدّيمقراطي.

وعلى عكس المشهد السياسي الحزبي الذي ظلّ في عمومه متمشيخاً أو كهولياً في أحسن حالاته، عرف المجتمع المدني في تونس ظهور رموز شبابية، انطلقت في نحت مسيرتها وصناعة سيرها الذاتية وترك بصمتها في ساحة الشأن العام.

ووفق آخر إحصائيات رسميّة، بلغ عدد الجمعيات في تونس 18413 جمعية إلى غاية شهر سبتمبر/ أيلول 2015. ويتمركز خمسها في العاصمة، وتم إحداث أغلبها بعد الثورة. تتوزّع اهتمامات هذه الجمعيات من ناحية أنشطتها على مجالات عديدة وأهمّها المجال الرياضي والخيري الإنساني، إضافة إلى المجال التنموي والثقافي والفني.

وبحسب أرقام المرصد الوطني للشباب، يبلغ إقبال الشباب التونسي على الانخراط في الجمعيات عتبة أربعة في المائة في مقابل ثلاثة في المائة بالنسبة لإقبال الشباب على الأحزاب السياسية.

وعلى الرغم من هذا العدد الكبير من التأشيرات القانونية الذي يعد بالآلاف، ظلّ عدد الجمعيّات النّاجحة من ناحية إشعاعها ونجاعة برامجها على المُستوى الوطني في حدود المئات. وهذا يرجع أساساً إلى أن النسيج الجمعياتي في تونس ناشئ ومتنوع، ومتكون أغلبه من جمعيات صغرى وتشوبه نقائص في الإمكانيات المادية والموارد البشرية، إضافة إلى افتقاره للشفافية في التصرف الإداري والمالي وللديمومة والاستمرارية في العمل، وفق ما صرّح به كمال الجندوبي، الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف العلاقاتِ مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني، في أكتوبر/تشرين الأول 2015.

فارس بن التارزي، وهو أحد الرموز الشبابية الصاعدة في المجال الجمعياتي بتونس، يقول في حديثٍ إلى "جيل العربي الجديد"، إنه فضّل العمل الجمعياتي على الحزبي على الرغم من أهمية كليهما؛ لأنّ الفضاء الجمعياتي يمنح هامشاً أوسع من الحريّة ومجالاً أكبر للإبداع؛ فالانخراط في الجمعيات وتقلّد مهام القيادة فيها أيسر بكثير من واقع الأحزاب السياسية المحكومة بواقع الانضباط التنظيمي والتي يكون التدرّج في سلّمها القيادي أكثر تعقيداً.

ويعتبر التّارزي، أن ما تمنحه منظمات المجتمع المدني من فرص تدريبية مهمّة موجّهة للشّباب تجعلهم أكثر تحفّزاً للانخراط في العمل الجمعياتي منه إلى العمل الحزبي؛ لأنّ ما يستهوي الشباب في المجتمع المدني خاصّة هو التحصّل على إطار تكويني يمكنه من المهارات اللازمة لإدارة ومراقبة الشأن العامّ في مستوييه الوطني والمحلّي.

وعن الصّعوبات التي تعترضه كشاب وتعترض باقي النّشطاء، تحدّث فارس، عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للطلبة، ومدير برامج في شبكة القطب المدني للتنمية وحقوق الإنسان وهي شبكة تضم مئات الجمعيات، عن صعوبة التوفيق بين الالتزام الدّراسي وبين النّشاط، وأشار إلى أن هذا يبرز في ضعف إقبال الطّلاب على النشاط المدني، حيث لا يتجاوز 1.5 في المائة.

وأضاف: "هناك أيضاً عوائق هيكلية في الجمعيات غير الشبابية والتي تحتوي عدداً كبيراً من الشباب. في هذه الجمعيّات نجد حضور الشباب في هياكلها القيادية ضعيفاً على الرغم من أنّ أغلب أنشطتها يحضرها شباب وينجحها الشباب. بالإضافة إلى العوائق الاجتماعية وهي الأبرز؛ فأغلب الشباب يستهلكهم البحث عن عمل أو العمل في حدّ ذاته لمن تحصّل عليه".

وحول مسألة التمويل التي طالما سبّبت جدلاً في الأوساط التونسية، يقول فارس، إن التمويل الأجنبي للجمعيات ينظّمه قانون الجمعيات ويكون من خلال المموّلين الدّوليين والمنظّمات الدّوليّة المنتصبة في تونس، أو حتّى التي ليس لديها مكاتب في تونس وتدير المنح من مكاتبها المركزية أو الإقليمية.

ويفسّر التارزي كيفية الحصول على التّمويل الذي يمرّ أساساً عبر تقديم مشاريع إلى الجهات المانحة التي تختلف شروطها حسب طبيعتها وأهدافها والجهة السياسية التي تنتمي إليها؛ ويكون تقديم المشاريع حسب أولويّة الواقع وأولويّة المانحين في طلب المنحة الذي يتمّ فتحه للعموم. وتقسّم التمويلات إلى أقساط تلتزم بمقتضاها الجمعية المتحصلة على التمويل بتقديم تقرير مفصّل حول أنشطة المشروع وكيفية التصرّف في بنود الميزانية حسب العقد الذي التزمت به الجمعية مع الجهة المانحة.

ويرى مراقبون، أن عدداً هامّاً من المانحين الدوليين الذين عادة ما تقف وراءهم لوبيات ومصالح دولية وأيديولوجية، يحاولون عبر ضخ الأموال في ديمقراطيات ناشئة، مثل تونس، تشكيل الوعي العام بما يخدم أهدافهم، وهو ما يجعل عديد الجمعيات تتعامل بحذر مع هذه الإغراءات المالية ذات العناوين النبيلة.

المساهمون