جامعات مصر.. ثلاثة أعوام من التضييقات الأمنية

جامعات مصر.. ثلاثة أعوام من التضييقات الأمنية

05 مايو 2016
(متظاهرون في جامعة القاهرة ضد الانقلاب، الصورة: الأناضول، 2014)
+ الخط -

منذ اليوم الأول للعام الدراسي بعد صيف 2013، بدأت حالات القبض على الطلاب من داخل الجامعات المصرية، حين اعتقلت قوات الأمن 43 طالباً. وفي نهاية تشرين الأول/ أكتوبر من ذلك العام الذي شهد انقلاب 3 يوليو، اقتحمت الشرطة جامعة الأزهر للمرة الأولى لوجود تظاهرات من حركتي أحرار وطلاب ضد الانقلاب.

في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني قُتل أول طالب، ويدعى عبد الغني محمود، داخل المدينة الجامعية لجامعة الأزهر، واستمرت التضييقات لتطاول الطلاب والأساتذة على حد سواء.


من الحرم الجامعي إلى السجن
187 طالباً هم حصيلة اعتقالات الطلاب من منازلهم العام الماضي 2015، و170 من داخل الحرم الجامعي، و81 من الشوارع والميادين، و185 من مناطق غير محددة، وفقاً لتقرير "تحت الحصار"، الصادر من مؤسسة "حرية الفكر والتعبير"؛ كان أغلبهم على خلفية احتجاجات نظموها داخل الجامعة، كان أخرها في أسيوط، احتجاجاً على اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية.

لؤي علي، طالب في كلية الصيدلة لجامعة أسيوط، يقول في حديثٍ إلى "جيل العربي الجديد"، إن الطلاب كوّنوا بعد الاتفاقية كيان "الطلاب مش هتبيع"، وبدؤوا فعاليتهم في 20 أبريل/ نيسان أمام مجمع الكليات الطبية، مشيراً إلى أن الأمن الإداري للجامعة بدأ في محاصرتهم بعد سبع دقائق فقط من بداية الوقفة.

ويضيف: "استحوذ الأمن على البطاقات الجامعية لثلاثة طلاب، واصطحبهم إلى مقر الأمن في كلية الطب، وهناك حاول مستشار الجامعة الأمني معرفة أسماء الطلاب المشاركين في الوقفة لكنهم رفضوا".

يوضح عليّ أن الجامعة أحالتهم إلى الشؤون القانونية، خصوصاً بعد تصويرهم من قبل كاميرات المراقبة في الجامعة، مشيراً إلى أنه بمجرد انتهاء التحقيق، علموا أن قوات الأمن خارج الجامعة في انتظارهم: "الأمن الإداري سلمنا للأمن الوطني"، يقول، ويضيف:

"نقلونا في سيارة قسم شرطة أول أسيوط، وحُرّر ضدنا محضر بتهم التظاهر والتجمهر". في اليوم التالي، قرّرت النيابة إخلاء سبيل الشاب وزملائه. وعلى الرغم من تعهد رئيس الجامعة بعدم تعرضهم للمساءلة القانونية، إلا أنه فور خروجهم جرى تحويلهم إلى مجلس تأديب.

لم تكن تلك الحادثة هي الأولى التي يسلم فيها الأمن الإداري الطلاب للشرطة، فوفقاً لـ عليّ، عضو "حركة 6 إبريل"، فإنهم سلموا معظم أعضاء حركة "طلاب ضد الانقلاب"، خلال العامين الماضيين على أبواب الجامعة، أو من داخل لجان الامتحانات؛ كان من بينهم سامح بركات؛ الطالب في كلية الحقوق، وإسلام علي؛ طالب في كلية الهندسة.


جلسة تحقيق واحدة
وفقاً لتقرير مؤسسة "حرية الفكر والتعبير"، أصدرت الجامعة 523 جزاءً تأديبياً ضد الطلاب، كان من بينهم 286 فصلاً نهائياً، خلال العام الدراسي الماضي 2014-2015.

شيماء ندا، الطالبة في كلية الدراسات الإسلامية،  تعرضت إلى الفصل النهائي من الجامعة بعد إحالتها إلى التحقيق في 28 إبريل 2015 بشكل مفاجئ، على حد قولها، على خلفية آرائها السياسية المعارضة للنظام القائم.

توضح شيماء أن التهم التي وجهت لها خلال التحقيق تعلقت بالاعتداء على الأمن المركزي والإداري، وأخبرها الأمن بوجود صور وفيديوهات تدينها، ورغم ذلك رفضوا إطلاعها عليها.

لم تخضع الطالبة إلا لجلسة تحقيق واحدة، وبعد 15 يوماً صدر قرار بفصلها نهائياً، قدمت بعدها تظلماً، لكن جلسة التحقيق الثانية خرجت بتأكيد قرار الفصل، إلا أن القضاء الإداري أعادها من جديد.


العمل مُقابل الصمت
لم تتوقف حالات الفصل عند الطلاب فقط، بل امتدت لتطاول الأساتذة بحجة "التغيب عن العمل"، وكانت البداية بفصل الدكتور محمد محسوب، أستاذ الحقوق في جامعة المنوفية. وبحلول نهاية العام الدراسي 2014، وصل العدد إلى عشرة أساتذة تم فصلهم.

أحمد عبد الباسط، مدرّس مساعد في كلية العلوم قسم الفيزياء، تعرّض إلى رحلة من الإجراءات التأديبية التي انتهت بفصله من الجامعة، اضطر بعدها للسفر خارج مصر.

يقول: "فوجئت بقرار وقفي عن العمل ثلاثة أشهر بداية من 7  فبراير/ شباط 2014 بسبب تدوينة على فيسبوك، وذُكر هذا في جواب الإحالة للتحقيق".

ورغم العودة إلى العمل في حزيران/ يونيو من العام نفسه، إلا أنه أُحيل إلى التحقيق مرة أخرى، لمشاركته في منصة "رابعة"، و"النهضة"، والهتاف ضد الشرطة والجيش.

يضيف: "تمت مساومتي على كتاباتي على فيسبوك مقابل العودة، من خلال رسائل من نائب رئيس الجامعة لعميد الكلية الذي طالبني بالتركيز في العمل وعدم الكتابة على فيسبوك، ومع الرفض تم وقفي مرة أخرى عن العمل".


الرّسائل أيضاً مُراقبة
تجاوزت التضييقات الطلاب والأساتذة ووصلت إلى الباحثين، ففي 29 ديسمبر/كانون الثاني  2015، مُنعت رسائل علمية في مجال العلوم السياسية بحجة "تعارضها مع النظام العام للدولة وأحكام القضاء". كانت الرسالة الأولى حول "الديمقراطية بين الفكر والممارسة لدى الإخوان المسلمين والسلفيين.. دراسة تحليلية"، على الرغم من تسجيلها في فبراير 2012 وإتمامها بالكامل من قبل الباحث.

وكانت الرسالة الثانية بعنوان "الإخوان المسلمين وانتخابات مجلس الشعب المصري 2005"، وأُلغيت بدعوى أنها "تمس الدولة المصرية"، إضافة إلى إيقاف المشرف على الرسالتين عن التدريس بالدراسات العليا والبكالوريوس وإحالته إلى لتحقيق.


الحريات في مرحلتين
هاني الحسيني، أستاذ في كلية العلوم جامعة القاهرة وعضو حركة "9 مارس،" يرى أن هناك اتجاهاً عاماً لدى السلطة الحالية لتقييد حرية التعبير والحريات السياسية عموماً، إضافة إلى ما سماه "رغبة بعض العمداء ورؤساء الجامعات في حماية مصالحهم الخاصة بالتضييق على الحريات داخل الكليات".

يرى الحسيني أن قدرة الحركات الطلابية والجامعية على تغيير الوضع الحالي "ضعيفة"، بسبب ما سماه "عدم القدرة على التوحد".

يؤكد أن أكثر الضغوط التي تمارس على الحريات الأكاديمية الآن تتعلق بالقيود على السفر، معلقاً: "في عز فترة حكم مبارك، كانت التدخلات في التعيين على الدرجات العلمية، لكن السفر في المؤتمرات كان نادراً ما يُعاق لأسباب أمنية وسياسية، لكن الوضع الآن أصبح يخضع للتشدّد من قبل الجهات الأمنية لمنع أعضاء هيئة التدريس الذين يملكون توجهات على عكس هوى السلطة من السفر".

يضيف: "الحريات الأكاديمية في الجامعة مرت بمرحلتين منذ ثورة 25 يناير، أولها منذ مارس 2011 وحتى سبتمبر 2012، وكان هناك درجة عالية من الحرية تمت خلالها انتخابات اتحاد طلاب حقيقية وانتخاب العمداء، ثم بدأ وزير تعليم حكومة مرسي بالضغط على أعضاء هيئة التدريس لعمل تقارير عن نشاطهم للحصول على مكافأتهم أو مستحقاتهم المالية، وبعدها بدأ تقييد أعضاء هيئة التدريس والطلاب، وتفاقم الوضع في 2013 حتى وصلنا للوضع الحالي".


تصاريح للحرية
محمد عبد السلام، الباحث في ملف الحريات الأكاديمية في مؤسسة "حرية الفكر والتعبير"، يقول لـ "جيل العربي الجديد" إن هناك اختلافاً ما بين الحريات العامة داخل الجامعة، كالتظاهر والتنظيم، وبين الحريات الأكاديمية المتعلقة بالنشر والبحث العلمي والتدريس والنقاش العلمي.

يشير عبد السلام إلى أن الأمن حالياً يضيق الخناق على بعض مشاريع التخرج، وهو ما حدث في جامعة "عين شمس" لطلاب قسم الإعلام أثناء قيام طالبة بإعداد موضوع صحافي تضمن حواراً مع جورج إسحق، عضو "المجلس القومي لحقوق الإنسان" عن الاختفاء القسري، وتم رفض الموضوع من قبل المسؤولة عن مشروع التخرج لأنه "لا يتناسب مع السياسة التحريرية"، وهو ما رأى فيه تقييداً لحرية التفكير:

"التضييقات الأمنية تتبلور في وجوب حصول الأساتذة على تصاريح أمنية لسفر أعضاء هيئة التدريس أو حصول الباحثين على منح، ما يشكّل عائقاً إضافياً"، يقول عبد السلام، موضحاً أن الرفض أو عدم الرد من قبل الأمن يتبعه رفض من إدارة الجامعة.

ويوضّح أن بعض إدارات الجامعات الآن تضع ما أسماه "رقابة ذاتية" على الأساتذة والطلاب خوفاً مما وصفه بـ "زعل الدولة"، ويقول إن الكليات الآن تُراجع الباحثين قبل البدء في أعمالهم خوفاً من الجهات الأمنية.

ويستند في حديثه إلى أن بعض الجامعات كـ "عين شمس" قرّرت إلغاء الاتفاقيات المشتركة مع تركيا بحجة أن الأمر لا يسمح، وأن الأجهزة السيادية تريد إلغاءها، وأعلن رئيس جامعة دمنهور عدم توقيعه اتفاقيات مع أي دولة أجنبية إلا بعض الحصول على موافقة الأجهزة الأمنية أولاً.

ويشير عبد السلام إلى أنه خلال العامين الماضيين جرى وضع ما وصفه بـ "الخطوات الممنهجة" لتقييد الحريات الأكاديمية والضغط على المجتمع الجامعي للتخلي عن حريته بمقابل الاحتفاظ بالعمل، ويشير إلى أنه من بين الضغوط اضطرار بعض الأساتذة لدخول البلاد بفيزا سياحية، إضافة إلى إلزامهم بضرورة الحصول على موافقة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قبل عمل أي استبيان علمي على عينة من الجمهور.

المساهمون