الجامعة الجزائرية: أساتذة رُقَباء وطلبة مُخبرون

الجامعة الجزائرية: أساتذة رُقَباء وطلبة مُخبرون

05 مايو 2016
(في جامعة العلوم والتكنولوجيا في الجزائر، تصوير: توماس ترتستشل)
+ الخط -
قبل عامين، دخل أساتذة جامعيون، في الجزائر العاصمة، خطّ المواجهة مع السلطة وخرجوا قبل انتخابات نيسان/ أبريل 2014 إلى الشارع، احتجاجاً على ترشّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رابعة. قمع رجال الأمن الاحتجاجات واعتقلوا عدداً منهم، قبل أن يُطلقوا سراحهم، مكتفين بالتحقيق معهم.

معظم المحتجّين من الأساتذة الجامعيين، لا ينتمون إلى أي تيار حزبي، ولم يرفعوا لافتات تشير إلى انتماء سياسي ما، علماً أن الجامعات الجزائرية لم تشهد، من قبل، أيّ احتجاجات لأساتذة ضدّ النظام.

بعد فوز بوتفليقة، تداولت وسائل الإعلام خبر إقالة الدكتور محمد خان، عميد كلية الآداب واللغات في "جامعة محمد خيذر" في محافظة بسكرة (وسط شرق)، من منصبه الذي شغلهُ لأكثر من عشر سنوات، مرجعةً السبب إلى مشاركته في حملة انتخابية لصالح مرشّح منافس.

لم يسبق أن تداول الإعلام أخباراً عن تعرّض أساتذة جامعيين إلى المضايقة بسبب انتمائهم إلى المعارضة، أو انتقادهم السلطة في محاضراتهم، أو عن منعهم فتح نقاشٍ مع طلبتهم في قاعات الدراسة حول الوضع السياسي، أو عن فصلهم من مناصبهم بسبب تصريحاتهم الإعلامية أو تعليقاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.

أحمد عظيمي، الأستاذ في "كلية الإعلام والاتصال" في "جامعة الجزائر"، هو أحد أبرز الجامعيين الناشطين في مجال السياسة، ويشغل حالياً منصب ناطق رسمي باسم حزب "طلائع الحريات" المعارض.


أحزاب السلطة
يلفت عظيمي، في حديث إلى "جيل العربي الجديد" إلى أن معظم رؤساء الجامعات وعمداء الكليات ينتمون إلى أحزاب السلطة، مضيفاً أن هؤلاء يسعون بكل الإمكانات إلى الحدّ من حرية الممارسة السياسية، ويُشرفون على اختيار مواضيع الملتقيات العلمية التي تنظّم في فضاءات الجامعة.

يضيف أن المجالس العلمية التي تنتقي مواضيع الرسائل الأكاديمية يُشرف عليها من سماهم "حرّاس المعبد"، الذين يحولون دون مرور المواضيع السياسية، وفق تعبيره.

يستشهد عظيمي برفض لجنة علمية في "جامعة الجزائر" مذكّرة تخرّج بعنوان "الفساد المالي من خلال جريدة الشروق"، بحجّة أنه لا يوجد فساد مالي في الجزائر، مضيفاً أنه قام، حينها، بإعداد قائمة طويلة لأسماء متورّطة في الفساد اعتماداً على أخبار نشرتها صحيفة محلية وقدّمها إلى المجلس العلمي، من دون أن يتلقّى ردّاً منه: "ما جمعتُه في شهرين فقط من صحيفة واحدة، يكفي لأن تنجز به بحثاً أكاديمياً كاملاً، بل متابعة الموضوع لعدّة سنوات".

يُبدي المتحدّث أسفه على الوضع الذي آلت إليه الجامعات الجزائرية، ملقياً باللوم على الطلبة الذين يقول إنهم أصبحوا يتحاشون الخوض في بعض المجالات التي ترفضها المجالس واللجان العلمية، وموجّهاً أصابع الاتهام إلى "وزارة التعليم العالي والبحث العلمي" التي منعت، حسب قوله، كل النشاطات السياسية المستقلّة بحجة "عدم تسييس الجامعة"، في حين أن كلّ رؤساء الجامعات ينتمون إلى أحزاب موالية للسلطة، مضيفاً "الجامعةُ يجب أن يترأّسها أساتذة من أوساط غير متحزّبة، وأن تكون فضاءً مفتوحاً لحوار الأفكار".


التطوّع في الرقابة
من جهته، يقول أستاذ العلاقات الدولية في "كلية العلوم السياسية" في "جامعة الجزائر"، علي ربيج، إن إدارة الجامعة حريصة على إبعاد الأخيرة عن التجاذبات السياسية، وعن دوائر الصراع بين الأحزاب والسلطة.

هنا، يعتبر ربيج أن الرقابة في الجامعة ذاتية ولا تفرضها سلطةٌ ما؛ وتنبع من قناعة الأستاذ المشرف أو الطالب، مستشهداً بتجنّب الطلبة والأساتذة التطرّق في بحوثهم الأكاديمية إلى ما يسمّيه "القضايا الحساسة التي تمسّ بالأمن العام أو الوحدة أو السيادة الوطنية"، وهي معايير يقول إنها مُعتمَدة في كبريات البلدان الديمقراطية.

يتّفق أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في "جامعة الجزائر"، صالح سعود، مع الرأي السابق؛ حين ينفي وجود رقابة مباشرة "على الأقل"، مضيفاً أن الرقابة تجري بوسائل أخرى في بعض الأحيان، أو يقوم بها أساتذةٌ؛ "حرصاً منهم على مقوّمات الدولة، ومن منطلق إشاعة الأفكار الإيجابية".

يأخذ حديث سعود منحىً تبريرياً، وهو يضيف: "إن لم تكن هذه الرقابة الذاتية موجودة، فإنه سيكون من السهل اختراق المنظومة الجامعية برمّتها".

أمّا أستاذ النقد الأدبي في "جامعة سيدي بلعباس"، غربي الجزائر، الحبيب مونسي، فيرى أن لا دليل على وجود رقابة سياسية على الجامعة، ويقول: "لم نشعر يوماً بأننا مراقبون، وإن كان من حقّ الدولة أن تراقب الجامعة درءاً لأي انزلاق أو انحراف".

ولا يُخفي مونسي أن يكون للدولة حضور أمني داخل الجامعة، "شريطة أّلا يشوّش على الجانب البيداغوجي والإبداعي".

مع ذلك، فإن "غياب" الرقابة السياسية عن المؤسّسات الأكاديمية، ليس أمراً مُجمعاً عليه من كلّ الأساتذة، وإن أكّدوا عدم وجود أدلّة ملموسة تثبتها؛ فأستاذ علم اجتماع التربية في "جامعة بسكرة"، شرف الدين شكري، يرى أن الجامعة لا تختلف عن بقية مؤسسات الدولة، في ما يتعلّق بالرقابة، وهو أمرٌ موجود في كل بلدان العالم، وفق تعبيره.


مخبرون في القسم
يُبرّر شكري حضور الرقابة بسعي الإدارة للحفاظ على الأمن، وهو ما تقوم به مع مجموعة من "الطلبة المخبرين" الذين يتوزّعون عبر الأقسام، مذكّراً، هنا، بأن "الأفكار المنحرفة التي غرسها أساتذة في مرحلة معينة من تاريخ البلد، أفرزت مجموعةً من الإرهابيين الدمويين".

يؤكّد شكري أن الأكاديمي الجزائري يتمتّع بهامش من الحرب في عمله: "أنا من أشدّ المعارضين للنظام وأحاضر بكل حرية". يضيف: "لا توجد بنودٌ مباشرة للرقابة، لكن المجتمع اعتاد على بناء الرقيب الداخلي، لذلك تنأى السلطة بنفسها عن التدخّل المباشر، بعد أن ضمنت ارتفاع حائط الرقيب الذاتي. الرقابة هنا، تأخذ شكل ظاهرة سوسيو - ثقافية، أكثر منها ظاهرة سياسية أو تنظيمية".

يعتقد المتحدّث أن الجامعة تعيش شيئاً من الاستقلالية عن السلطة المركزية، وتخلّصت من "سلطة الرقيب الأعلى"، لكن ذلك أضفى عليها نوعاً من الفوضى أحياناً: "في الجامعة الواحدة، يمكن أن تجد معاهد تتّخذ توجّهات سياسية وثقافية، بحسب توجّه رؤسائها، الذين غالباً ما يتلوّنون بحسب الظروف".

آراء الطلبة، وخصوصاً في كلية العلوم السياسية، تتقاطع كثيراً مع آراء الأساتذة. إيدير، خرّيج "المدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية"، يؤكّد أن بإمكان الجميع الإدلاء بآرائهم السياسية داخل قاعات الدرس، والخوض في الكثير من القضايا مع أساتذتهم، رغم المناصب الحساسة التي يشغلونها داخل الجامعة وخارجها، ويقول إن اختيار موضوع الرسالة يعود إلى الطالب بالتنسيق مع الأستاذ المشرف، وبإمكان الطالب اختيار الموضوع من دون أية خلفية مسبقة، بناءً على توفُّر المراجع في موضوع بحثه.

يوضّح المتحدث أن الجامعة استحدثت عّدة تخصّصات لم تكن موجودة من قبل، مثل تخصص "دفاع وأمن"، في إطار التفتّح على المؤسسة العسكرية وليس في إطار "عسكرة الجامعة" على حدّ قوله، مضياً بأن هذا التوجّه أزاح كثيراً من الغموض عن المؤسسة العسكرية، خصوصاً أن مواد التخصّص أشرف على تدريسها وزراء وجنرالات متقاعدون.


بوتفليقة في الجامعة
لمعرفة إن كان لرقابة السلطة أثرٌ على المجالس العلمية التي تشرف على المصادقة على مواضيع الدكتوراه والماجستير، تصفّحنا موقع "البوابة الوطنية للإشعار عن الأطروحات". بمجرّد كتابة كلمة بوتفليقة (لقب الرئيس الجزائري)، تظهر عشرات الدراسات التي تناولته، ليس كلّها من باب المجاملة والمدح؛ إذ اهتمّ بعضها بنقد خطاباته وصورته في وسائل الإعلام على ضوء المناهج الأكاديمية.

من بين تلك الأطروحات، واحدة للطالبة حمودي لطيفة بعنوان "دلالة التمثيلات الموظّفة لأيقونة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أثناء الحراك العربي الديمقراطي -  دراسة سيميولوجية لعيّنة من كاريكاتور ليبرتي والخبر". تتناول الدراسة، بالتحليل السيميولوجي، الرسوم الكاريكاتورية التي تجسّد بوتفليقة، والصادرة في الصحافة المكتوبة، على صفحات صحيفتين معروفتين بنقدهما اللاذع للرئيس.

تقول الباحثة، في الصفحة 154، تعليقاً على رسمٍ كاريكاتوري صدر في صحفة "ليبرتي"، يُظهر صورة بوتفليقة خلف جنرال يقلّد حركات يديه "فهو يقدّم الرئيس بوتفليقة هنا في موقف يستصغر من قيمته أمام العسكري، كونه مسؤولا لا يستطيع أخذ القرارات والحسم في أمور البلاد، فهو يقلّد حركات العسكري وابتسامته، وكأن كل تصرفاته ما هي إلا أوامر تُملى عليه من طرف جهةٍ أخرى. الصورة، وحسب ما أراد ديلام (رسّام كاريكاتور) إيصاله، عبارة عن مرآة تعكس تصرّفات المسؤولين الذين يتجاهلون مطالب الشعب. فما كان بدايةً لنهوض واحتجاج وطني، سُمَّي بأحداث الشغب، وكأن مجموعات من الشباب الطائش قام بتفجيرها، ولا تُعبّر فعلاً عن المطالب الشرعية للشعب الذي يريد تحسين ظروفه المعيشية. أما الصحن الذي يحتوي على عظمة وهو على شاكلة الصحون التي يُقدَّم فيها الطعام للكلاب يوحي بما تركته السلطة من فتاتٍ للشعب، بعد أن استحوذت على الخيرات".

يحمل الموقع العديد من المذكّرات التي وضعت صورة رئيس الجمهورية على المحك، مثل رسالة ماجستير للطالبة وهيبة حمودي بعنوان "انعكاسات الخطاب الرئاسي لعبد العزیز بوتفليقة على الممارسة الإعلامية في الجزائر"، وأُخرى بعنوان "العولمة في الخطاب السياسي لرئيس الجمهورية" للطالب يوسف بوفيجلين، وهي مواضيع لا تُناقش، ربّما، في كثير من جامعات الدول العربية اليوم.

(الجزائر)


المساهمون