فيراري الصحابة!

فيراري الصحابة!

04 فبراير 2016
من أين نبدأ (مواقع التواصل)
+ الخط -
أزمة المفاهيم والتصورات المرتبطة بها ومحاولة البحث عن مرجعية دينية في كل نقاش تشكل أبرز التحديات التي تواجه الكاتب مع محاوريه، وربما استدل أحدهم بآيات وأحاديث في محاولة لتأكيد تلك المرجعية حتى لو أدى ذلك إلى تفريغ النصوص المقدسة من محتواها، أو حولها باتجاه آخر تماماً، وهذا كله من أجل تأكيد أن تطورات اليوم في العلوم والإنسانيات ليس شيئاً جديداً وإنما "لدينا" نحن المسلمين أساس لهذا الجديد منذ 14 قرناً!


ولعل هذا الاتجاه يعطي المحاور راحة نفسية من ارتباك يتمثل في التهرب من سؤال لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا، أو قلق من أين نبدأ وكيف نقلل من البون الشاسع بيننا وبين أولئك الآخرين.

أحد الأمثلة الفاقعة في هذا السياق الحديث الدائم في أدبيات إدارة الأعمال الـ management، واستخدام حزمة مفاهيم مرتبطة بها مثل التخطيط، والقيادة، والجودة، والوقت، والاستراتيجيات، والمشاريع. وعلم إدارة الأعمال في الأساس هو من العلوم الحداثية أو ما بعد الحداثية التي ترتبط بالقيم المسيحية البروتستانتية، وهي منظومة بحد ذاتها لا يمكن فصلها عن سياقها الحضاري، حتى لو كانت لا تتصادم بشكل فج مع القيم الحضارية الإسلامية.

ومنذ التسعينيات كانت هناك العديد من الإصدارات التي حاولت أسلمة تلك المفاهيم وما تحمله من تصورات للحياة وقيم حاكمة عليها مثل قيم الفردانية، والثروة، والنجاح، والاستهلاكية. وحاولت عمليات الأسلمة إعادة قراءة المرجعية الدينية لمفاهيم تقع في سياق خارج عنها. من الأمثلة على ذلك كتاب أسرار التميز الإداري والمهاري في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، والبرامج التلفزيونية لدعاة عن كتاب ستيفن كوفي الأبرز وهو العادات السبع لأكثر الناس فعالية، والتي أشار أحدهم إلى أنها - أي العادات - موجودة أصلاً في الإسلام قبل أن يكتبها كوفي!

وبهذا يتحول الإسلام كما يقول الباحث السويسري باتريك هايني إلى أداة في عملية عولمة ثقافية، ويقود قطيعة مزدوجة مع الموقف الإسلامي التقليدي؛ فمن جهة، هو يقلب العلاقات ما بين الإسلام والهوية بوضعه المرجعية الدينية في خدمة الانفتاح على الآخر. ومن جهة ثانية، فهو ينتقل من وضعية المضمون الخاص إلى صيغة الحاوي. إذاً فكل شيء لا يتعارض مع الإسلام فهو إسلامي!

وبما أن ثمة تقارباً بين أدبيات الإدارة والخطاب الإسلامي لذا تسهل عملية المقارنة والربط واستغلال النصوص المقدسة، واستحضار النماذج من خلال الأحداث التاريخية والمواقف والعبر الإنسانية التي حدثت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، فعلى سبيل المثال يسهل الربط بين التخطيط الاستراتيجي الذي يعبر عن النظرة المسقبلية بعيدة المدى للمنظمة وله مجموعة من العناصر مثل الرؤية والرسالة والأهداف وتحليل البيئة الداخلية والخارجية.. إلخ، وبين ما كان يقوم به الرسول أو الصحابة الكرام، دون فهم أبعاد الخطأ في المقارنة، وأقرب مثال يمكن أن يبين خطأ المقارنة السابقة الشبه الذي من الممكن ملاحظته بين سيارة فيراري كمفهوم واضح الدلالة في عصرنا الحالي بالخيول التي كان يركبها الصحابة في القرن الهجري الأول، من باب أنهم سبقونا إلى الفيراري قبل 14 قرناً ماضية لأنهم ركبوا الخيول واستخدموها في التنقل السريع! وهذه المقاربة وإن كانت ساذجة تثير الضحك إلا أنها لا تقل سذاجة عن محاولة استخدام مفاهيم إدارية لها دلالتها اليوم بممارسات كانت تحدث في تلك القرون الماضية وفق رؤية مختلفة تماماً.

(البحرين)