أسيرات القهر في رحلة العذاب

أسيرات القهر في رحلة العذاب

09 يوليو 2015
عاشت الثورة أنثى رغم الظلم والخذلان (Getty)
+ الخط -
أنين الفراق وصيحات الألم خلف القضبان، لا تسمعها إلا جدران الزنزانات وأذان السجان.. هي أصوات المعتقلات السوريات في سجون النظام السوري، يبدأن رحلتهن القاسية في أحد الأفرع الأمنية لتنتهي في سجن عدرا المركزي بانتظار أمل خجول بالخروج للحرية مرة أخرى.


بدأت رحلة اعتقالي في فرع الأمن العسكري بمدينة اللاذقية، الذي تعرضت فيه لأقبح كلمات الذم والشتم والتهديد بالاغتصاب لأعترف بكل ما يقرونه من تهم، أكملت الترحال إلى فرع الـ "215" بدمشق الملقب بفرع الموت، لأتعرض وأشاهد فيه أبشع أنواع الانتهاكات الجسدية والنفسية بحق المعتقلات.. حيث كان التعذيب النفسي أشد ألما عندما يعذب الرجال أمام عيني بشكل وحشي لا يوصف وأرى الدماء تسيل على الأرض، ثم أشاهد جثث المعتلقين التي كانت ترحل، إلى أن ينتهي المطاف بي لسجن عدرا المركزي الذي كان يجمع المئات من المعتقلات السوريات من كافة المحافظات في جناحين خاصين يسميان جناح الإرهاب، حينها أيقنت أنني رهينة إحدى المبادلات كما أغلب النساء، فحاولت العمل بشكل سري على توثيق انتهاكات النظام التي مورست بحق المعتقلات السوريات داخل الأفرع الأمنية، لأبقى تسعة أشهر كنت بعدها على موعد مع الحرية، وأخرج بإحدى صفقات التبادل التي أقامتها كتائب الثوار مع النظام السوري.

قصص عناء المعتقلة داخل أقبية الأفرع الأمنية كانت كثيرة ومؤلمة وأحيانا دامية، فالشابة هبة ابنة العشرين عاما تعرضت للاغتصاب في فرع الدفاع الوطني بدمشق لتفقد عذريتها، وتعيش في هاجس مرير بكيفية إخبار أهلها ومواجهة مجتمعها القروي حين تخرج.

وكما اقتلع النظام حنجرة المغني وكسر أصابع الرسام... أيضا عمل على إقصاء النوابغ وتخريب عقول العلماء. الدكتورة فاتن رجب عالمة الفيزياء والتي اعتقلت في مدينتها دوما بدمشق، آواخر عام 2011 مورست بحقها أشد أنواع التعذيب الجسدي والنفسي داخل أفرع الجوية والـ 215 بدمشق كونها لم ترضَ العمل لصالح النظام السوري ضمن مجال بحوثاتها العلمية، لدرجة أنه تم حقنها بإبر في دماغها جعلتها تفقد من ذاكرتها وتتلعثم في الكلام، بقيت في الأفرع حوالي العامين قبل أن تنتقل لسجن عدرا الذي التقيتها فيه، ومن ثم تم تحويلها إلى مكان مجهول أوائل العام الماضي، أشيع بعده أنها أعدمت لصالح المحكمة الميدانية العسكرية. 
وعندما أتحدث عن الحاجة حميدة ابنة مدينة حلب الستينية، أتذكر دموعها المنهمرة من عينيها كلما روت قصتها، تلك السيدة عانت من حرقة القلب على ولدها الشاب الذي اغتصب أمام عينيها من قبل عناصر النظام بفرع الـ 215.

حتى بنات الطائفة، لم يسعفهن الانتماء، ولا حتى اللهجة الجبلية، فالسجون لم تخلُ من بعض أبناء الطائفة الأحرار من الطوائف المختلفة، حيث كانت عقوبة هؤلاء تزيد أضعافاً عن باقي المعتقلات، لا بل وينبذها أهلها ومجتمعها حين تخرج.

ولا أستطيع أن أنسى الشابة الجميلة رحاب العلاوي التي عثر على صورها شهيدة تحت التعذيب في فرع الموت 215 بين صور قيصر الشهيرة، والتي انتشرت منذ مدة لتكون شاهدا وواقعا حيا على جرائم النظام السوري وانتهاكاته التي اقترفها بحق المعتقلين السوريين.

هذه صور لبعض المعتقلات التي تعكس الواقع المرير الذي تعيشه أولئك النسوة، ولا يمكن لأحد أن يتصور حالة اليأس وفقدان الأمل التي تعيشها المعتقلات داخل تلك السجون المظلمة، يتأقلمن مع المهجع البارد والبطانية العسكرية الخشنة، يمضين الوقت في الحديث عن أطفالهن وأخوتهن وأزواجهن، أملهن الوحيد في الخروج هو المبادلات.

لم تزل المرأة السورية مستمرة في عطائها خلال هذه الثورة التي تاهت وابتعدت عن أحلامها في بدايتها،. عاشت الثورة أنثى رغم الظلم والخذلان.

(سورية)

المساهمون