إلى "ثورية" مغادرة!

إلى "ثورية" مغادرة!

28 مايو 2015
كما "الحُلم" هببتِ "نفحة" علوية
+ الخط -
كما "الحُلم" هببتِ "نفحة" علوية هبطت فضاءً كان قد قارب الانمحاء قبل خطوك إليه، ستبقين "حلو أفق" أحال العالم من حولي إلى رونق نفحة علوية لمن نفخ الحياة.. وأذن بها.. في أرجائك.. وفيّ.. ولئن جئتِ، ملهمتي، قبيل المواعيد أو بعدها فإن ذلك لا يمنع أنكِ، محبوبة وأفقاً تألق في الصحو.. كما المنام، وافقتِ عالم الأوهام بواقع موغل في الإيهام، جئتِ في أوان محنة.. فكنتِ في حد ذاتكِ البشارة والنعمة.. ورونقاً لـ "رؤيا ثورية".. وإن لم يكن لها "عميق" فكرة أو حتى فكرة عوضاً عن رؤية من الأساس، جئتِ وملايين من مسام التكوين تعاني دهاليز الحنين إلى دماء جديدة.. ومسيرة حرية لم تكن لتزدهر في غير عدم استوائك هنا، جئتِ وأقسام الشرطة تتمدد في الخلايا تطيح بمؤسسات الدولة قبل أعضاء جسد.. كنتِ لي مرفأ لما عز تكوين الدولة في بلدي، بعدما استشعرتُ تيه النفس عن الجسد، وفراق الروح للأعضاء، بعدما لاقيتُ الموت طيفاً يتمادى، لا ضيفاً يتهادى موقناً بأنه في لحظة بعيدة أو قريبة حاضني، كنتُ أعاني مع و.. في "الأمة" الشتات، تطاول مأساويتها روحي في "الهرم" كما في "بني مزار".. حتى على قدر جئتِ.
 

عرفت العرب "المعنى" براقاً على مدار تاريخها.. وعرفته معانداً يفيد المعنى ونقيضه في آنٍ واحد.. أعترف اليوم بأني إذ أودع مسيرة كنت أنتِ فيها أعاني مع كلمة وداع.. إذ أظنها لقاء، كما أنتِ التقيتكِ في الحلم كما الحقيقية.. الوهم كما الواقع. المحال كما الأحياء.. كما أنت.. كنتِ وما زلتِ ثمرة شجرة.. وإن لم يكن الفرع أو الغصن من الأساس موجوداً، إنني لأظنني فيكِ روحاً ملتبسة، فيما تبدي الأيام عدم وجود لكِ من الأساس، كنتِ في غابة مقفرة ضوءا لما استيأستُ من إمكانية نشر روح صدق في خضم عالم تلعب "القوة" به.. وتأتي الفكرة مساندة للعب بشعوب لكم تاقت مثلي إليكِ.

إنك إذ تغادرين وترحلين بموافقتي.. إذ أسحب جنودي.. آمر "طابيتي" بالتراجع عن أفق "بحار" أنت فيها.. إنك إذ تفعلين لا تسألي عن رد الفعل، فإني لموافقك، تماماً، على أن الفعل لي وليس لك، فإنني من ترك ساحة ميدان "حب وحرب" أنتِ بهما.. لأنك رأيتِ أن حجم "الراء" بين الأمرين لا يستحق المعاناة.. ما حرف بين حب وحرب؟.. وما مساحة ليست موجودة ولو افتراضياً بين عُمّرٍ وعُمّرْ؟!

أردتِ، حالمة، اختصار تواريخ تفاصيل الحياة وعناوين أيام لتأتي بعمر قبل آخر.. كان المدى في البداية ثم جئتِ على موعد مع ثورات لم تأتِ، حقيقة بعد، واستحييتُ من خداع نفسي وخداعكِ بإنشاء تفاصيل بديلة عن حياة عادية أو ثورة لم تزهر لتلألأ بعد.

استحييتُ من عمر لم تكوني فيه معي، وواقع لم يستحق وجودك إلى جواري، وحدود دول عبرتها لتناقشيني في ما لم أرَ له فائدة، استحييتُ من أفقٍ لم يكن ليحتويكِ، واستئثاري بك.. فيما واقع الشعوب من حولي يقول إنه غير مؤهل لخطب ودكِ، كنتِ البرعمة الناضجة النابتة من رحم الأرض في سهولة ويسر.. وكانت أرضنا جميعاً مجدبة، استحييتُ من يوم تقولين لي فيه: "متى جار شيخ على طفلة؟!".

أستحي أن يجيء عمر من حياتي تتحداني مسام جسد فانٍ.. وترهات الدولة العميقة الصدئة المتحجرة.. فأصير معتوهاً بعينيكِ.. حاول احتوائكِ فدفعتُ بك نحو المحال غير الكائن إلا في فكرة.. وأطاح الواقع بواقعي، والذي ارتأيته فيك حقيقة.. فجعله افتراضياً.. استحييتُ، أيا صغيرتي، من أن أستحي من عينيك ذات يوم.. لما ترين حال البلاد على المعتاد من حاله في مصر كما اليمن وليبيا أو سورية، استحييتُ من حيائي ساعة تتساءل عيناك.. لماذا أبقيتُكِ، إذن، والحال هو الحال.


على أنك إذ تبتعدين لا أكتم الله شهادة أنك رقراقة.. تبقين في القلب.. كما الشرايين والبنايات.. والدواوين.. والمحال التجارية.. الأقبية.. المآذن.. أجراس الكنائس.. أضواء الشوارع.. الطرق المتلوية والمعتادة.. الرئيسية والقابعة بين الحقول.. تبقين أزهاراً في حياة كانت قد قاربت الإغفاءة الدائمة.

أعد نفسي أنك إذ عن حدودي وبلادي تنسحبين أني في كل وقت سأجدك وألتقيك.. في كل لمحة عذاب.. ويقين باستحالة الثورات في بلاد كبلتها الاعتصامات والمسيرات السلمية لما أفضت بها إلى "التقييد والتكبيل التام" فيما مدن عربية أخرى.. لم تحتوِ ألق عينيك بعد ما تزال تنتظر.

لدى كل بائع حلم أو ورود.. جرائد أو مسابح.. ندى أو توهم صباح محباً سألتقيكِ.. ألمس تجاويف الفراق بيدي.. وأقتل الفراغ.. وأتغنى بك.. وأسامح أرضاً طردتني.. وأقصتني عنكِ.

على أني أعرف أن مسيرة فراقكِ اليوم.. مخيراً منتهية قبيل موعد جديد للقاء.. مزهر أتمنى أن يكون بحياتي!

(مصر)

المساهمون