التزييف الإعلامي الروسي

التزييف الإعلامي الروسي

17 ديسمبر 2015
تظهر وسائل الإعلام الروسية بوتين أباً حنوناً (فرانس برس)
+ الخط -

يعتبر الإعلام في عالمنا هذا من أهم الوسائل التي يحتاجها الإنسان في كل مكان وزمان. وتوجد في العالم عشرات الآلاف من المؤسسات الإعلامية من قنوات تلفزة، وراديو، ومجلات وصحف عالمية ومحلية. وأغلب وسائل الإعلام لديها رسائل معينة تريد أن توصلها إلى المتابع والمهتم بالقضايا العالمية، سواء السياسية منها أو غيرها من الأمور التي تخص المجتمع، الاقتصاد والرياضة، فهذه المؤسسات لها طريقة معينة تقنع فيها المشاهد بالحدث الذي يجري في المكان المعني.

 

"
تظهر وسائل الإعلام الروسي بوتين بالأب الحنون بنفس الوقت تظهر لنا الفخامة والعظمة عندما يخطب بالشعب

"

لكن أغلب هذه المؤسسات مغلوب على أمره، ومسيطر عليها من قبل الحكومات أو مؤسسات لها أجندتها الخاصة، إذن هنا سوف يختلف المفهوم الإعلامي عند بعضهم بين مؤيد ومعارض، وبالنهاية سوف تقوم هذه المؤسسة بإيصال ما تريد، سواء كانت بالصوت أو الصورة، ولا تخفى علينا حادثة الطائرة الروسية التي أسقطتها تركيا. وبينما كانت القنوات الروسية تدعو مواطنيها للسفر إلى تركيا بغرض السياحة والاستجمام هنا تغيرت سياسة هذه القنوات المرئية والصوتية إلى أن تركيا أصبحت عدو روسيا الأول، وبدأت بإعلانات عسكرية استعراضية تحاول منها إخافة عدوها الأول تركيا، حتى إنها نست أنها كانت تروج لها قبل بضع ساعات وأن "داعش" هو الأولية.

الإعلام الروسي طوى صفحة "داعش" وبدأت فقرة عن أقوى جيوش العالم  والعمل على "إنفوغرافيك" بمعلومات غير صحيحة في إشارة أن روسيا أقوى من تركيا من حيث العدة والعدد هذا من الناحية العسكرية، أما الناحية السياسية فيقوم موقع الكرملين على الإنترنت بإرسال تقارير يومية عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تغطي وقائع من مثل، أين يذهب وبمن يلتقي، ونشر نسخ خطية أو مسجلة لخطابه يلقيها أمام حاشيته من الوزراء ونوابهم وباقي أعضاء الحكومة، فهنا تظهر وسائل الإعلام الروسية بوتين بطلا والقائد المنقذ الذي تحولت حربه على الإرهاب إلى الحرب على تركيا ومقاطعتهم الاقتصادية والعسكرية لها، لذا انعكس ذلك سلبياً على المواطنين وخططهم المستقبلية التي تجعل من تركيا البلد الأول الذي يقصده السواح الروس. ولا يخفى علينا أن الشعب الروسي أغلبه لا يتكلم اللغة الإنجليزية، خاصة الجيل الذي عاش تحت نظام الاتحاد السوفييتي، فالمواطن الروسي يعتمد على الوسائل الإعلامية المحدودة في بلده والناطقة باللغة الروسية.

من خلال زيارتي إلى روسيا لأكثر من مرة اكتشفت أن هناك سجناء سياسيين لا يعرف مصيرهم إلى الآن، وعندما بحثت عن الموضوع بشكل أعمق وجدت أن هؤلاء السياسيين ليسوا ضد الحكومة أو عملاء لدول أخرى، إنما كان توجههم الإعلامي يختلف عن المسار الحكومي الروسي وصدمت بقصة البنات الأربع الذين غنوا أغنية راب ساخرة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء آنذاك، عندما قامت السلطات الروسية باعتقالهن وزجهن في السجن، لم تتمكن وسائل الإعلام العالمية من تسليط الضوء على القضية بشكل مفصل بسبب التعتيم الذي اتخذه الروس في تلك القضية. أما وسائل الإعلام المحلية الروسية فاكتفت بنقل بيانات رسمية عن أن الأمن القومي الروسي كان مهدداً! من دون ذكر التفاصيل بشكل دقيق.

وتظهر وسائل الإعلام الروسية، بوتين بالأب الحنون بنفس الوقت تظهر لنا الفخامة والعظمة عندما يخطب الشعب. فهل يأبه هذا الشعب بخطابته؟.. لا استطيع أن أجيب بلا أو نعم، فهنا الشارع الروسي ينقسم نصفان غني جدا أو فقير، فالطبقة الوسطى معدومة في روسيا الفيدرالية، وهنا قد يقول قائل لماذا أعطت الحكومة الروسية حكماً ذاتيا لجميع جمهورياتها؟ الجواب بسيط جدا.

هو الصبغة الاقتصادية للبلد معدومة من الداخل، فدخل المواطن الروسي لا يتجاوز 12 ألف روبل في الشهر، أو ما يعادل 380 دولارا أميركيا، وهذا يعتمد على تداول العملات اليومي فربما يكون اقل أو أكثر فالإعلام الروسي هنا يظهر أن الغرب يحاول ضرب الاقتصاد الروسي، والرئيس فلاديمير بوتين هو المنقذ، وأن روسيا قائمة بفضل هذا القائد المقدام بحسب إعلامهم فالتعتيم الإعلامي لهذه القضايا مستمر على مدار الساعة.

إن الإعلام الروسي يعتمد على أربعة محاور في إقناع شعبه بأن الغرب يحاربه اقتصادياً وسياسيا، أولها حربه ضد الشيشان، فرغم الخسارة الكبيرة التي تكبدها الجيش الروسي على يد خطّاب والمقاتلين الشيشانيين الساعين إلى جمهورية مستقلة عن الروس آنذاك، فإن الإعلام الروسي ما زال يحتفل بالنصر على شاشات التلفزة لإخماد روح الهزيمة لدى الشعب الروسي، والمحور الثاني مساندتهم لصربيا في مجازرها في البوسنة والهرسك هنا يطبل الإعلام الروسي ليلا نهارا بشكل طائفي على أن هذه الحرب قد أعادت للأرثوذكس هيبتها، أما المحور الثالث فهو يتنافى مع المحور الثاني فروسيا احتلت جورجيا ذات الأغلبية المسيحية، وعاثت فيها قتلا ودمارا بحجة أن ساكشفيلي الرئيس الجورجي قد أهانهم عندما ضم أوسيتيا له، أما المحور الرابع حربهم ضد أوكرانيا فهنا يظهر التعتيم الإعلامي لهذه القضية التي تعتبر واضحة للبعض، لكنها في غاية السرية إذ يظهر الإعلام الروسي أن أبناء جزيرة القرم طلبوا من فلاديمير بوتين بضمهم إلى روسيا وهذا ما يراه الشعب الروسي من خلال الأخبار المزيفة التي تصلهم.

أما اليوم، فهناك محور في غاية الكتمان والسرية داخل الأراضي الروسية، ألا وهو الحرب المقدسة في سورية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، فهل سوف يكون هذا هو المحور الخامس أم أن الكيل سيطفح عند الشعب الروسي وتظهر حقيقة هذا الإعلام المزيف الذي استطاع خلال هذه السنين أن يتلاعب بعقول شعوبه، بما فيها الجمهوريات ذات الحكم الذاتي.

(العراق)

 

المساهمون