الجزائر.. الدولة في مواجهة الجمعيات الأهلية

الجزائر.. الدولة في مواجهة الجمعيات الأهلية

08 أكتوبر 2015
تبرر الدولة عزمهاعلى تشديد الرقابة على الجمعيات بغياب الأنشطة(Getty)
+ الخط -
تبرر الدولة عزمها على تشديد الرقابة على الجمعيات، في ما يتعلق بالدعم المالي، بغياب الأنشطة الجمعوية الفعالة وصرف المبالغ المالية الموجهة إليها خارج البرامج التي يفترض أن تلتزم بها الجمعيات.


وتأتي هذه التعليمة التي شددت على ضرورة احترام قانون الجمعيات المعدل والمتمم لعام 2012، الذي يفرض رقابة صارمة حول مصادر أموالها وطرق إنفاق مبالغ الدعم المقدمة من قبل السلطات، في وقت تسبب فيه ذات القانون في حل المئات من الجمعيات الثقافية، والرياضية، والخيرية، وغيرها، بسبب التعقيدات التي يفرضها على العمل الجمعوي والذي أثار الكثير من الجدل والاستنكار في وسط المجتمع المدني، الذي اعتبر القانون الجديد بمثابة وسيلة جديدة لمحاربة الجمعيات والتضييق على نشاطها وخنقها، باعتبارها أداة فعالة في بناء وخلق مجتمع مدني قوي وفعال يمكنه مواجهة السلطة السياسية.

تضييق قانوني
وكانت الكتلة البرلمانية لتكتل الجزائر الخضراء، في المجلس الشعبي الوطني، قد قامت سنة 2014، أي بعد اعتصام تنظيمات مدنية أمام مقر البرلمان احتجاجا على قانون الجمعيات، بإيداع مقترح لتعديل قانون الجمعيات، يتضمن حذف وإلغاء بعض مواد القانون الجديد للجمعيات، من أجل تخفيف الإجراءات الردعية، لا سيما في ما يتعلق بقرار التجميد، الذي تم إخضاعه الإدارة بدل القضاء، والدعوة إلى الاكتفاء في الرقابة بهيئات التداول والتقارير الأدبية والمالية السنوية، معتبرة أن هذا القانون عبارة عن خطوة للوراء، وتراجع عن المكتسبات السياسية والاجتماعية التي كان يساهم فيها المجتمع المدني بسبب تجميد العديد من الجمعيات الفاعلة نتيجة المبالغة في الإجراءات المرتبطة بالتجديد والتأسيس.

وهذا قبل أن تؤكد الحكومة مجددا تمسكها بالقانون، الذي يساعدها على خنق الكثير من الجمعيات، حيث يفرض في مادته 29، التصريح بالمداخيل المرتبطة بالنشاطات والممتلكات الجمعوية وجمع التبرعات، وكل الهبات النقدية والعينية، بالإضافة إلى الإعانات التي تقدمها السلطات والتي توجه عادة حسب الولاء، وليس حسب قيمة البرامج وفاعليتها. وبالمقابل تمنع المادة 30 من القانون الحصول على أموال من مصادر أجنبية دون الحصول عل موافقة مسبقة من السلطات المختصة، مما يمنح السلطات مساحة أوسع للضغط والتضييق على الجمعيات من أجل تسييسها وإخضاعها للإدارة.

والغريب أن هذا القانون جاء في إطار مشروع تفعيل دور المجتمع المدني والنشاط الجمعوي، التزاما بدعوة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الموجهة في خطابه للأمة يوم 15 أبريل/ نيسان 2011، والذي أفرز إصلاحات تتضمن مشروع قانون للجمعيات إلى جانب مجموعة من القوانين الجديدة أبرزها قانون الإعلام.

وتتفاقم مشاكل الجمعيات، التي تمثل خطرا يجب مواجهته من قبل السلطة الحاكمة عن طريق التشديد في ما يتعلق بالدعم المالي، إلا أن عزوف الشباب الجزائري بصفة عامة عن الانخراط في العمل الجمعوي عمق من أزمة الجمعيات، التي لا يتعدى عدد أعضاء أغلبها العشرات ويقتصر في أخرى على الأعضاء المؤسسين.

الإستمرار رغم كل شيء
وإذا كان العديد من الشباب قد توجهوا إلى العمل التطوعي في إطار مجموعات حرة، دون تأسيس جمعيات نتيجة التعقيدات الكبيرة التي تعرفها ومحاولات التضييق والتسييس التي تتعرض لها، فإن الجمعيات الخيرية التي تهتم بالفقراء والمساكين، وتلك التي تختص باليتيم وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها، تستقطب عددا أكبر من المنخرطين مقارنة بباقي الجمعيات الثقافية والاجتماعية، التي تعرف عددا محدودا.

وهو التحدي الذي تواجهه الجمعيات باعتبارها إحدى موازين القوى في أية دولة مثلها مثل الأحزاب السياسية، تسعى إلى جلب أكبر عدد من المنخرطين والتأثير فيهم والنهوض بالمجتمع، ومن هذا المنطلق كان من الضروري للسلطة الحاكمة، بالرغم من أنها تتغنى بالديمقراطية، التضييق عليها وحصر تأثيرها وانتشارها وجعل العمل الجمعوي امتداداً لها.

هذا الواقع لم يمنع الشباب من إطلاق مبادراتهم الجمعوية وفقا لاهتماماتهم وتخصصاتهم، ونذكر هنا جمعية "أقلام سياحية" الوطنية، التي تضم الإعلاميين والصحافيين المختصين في السياحة والتي تم إطلاقها في شهر يناير/كانون الثاني 2014، من قبل مجموعة من الشباب، الذين يؤمنون بضرورة تفعيل العمل الجمعوي على جميع الأصعدة، بالرغم من كل الصعوبات التي تفرضها الدولة. ويقول يونس شلابي، أمينها العام: "تأسست من قِبل 36 صحافيا وإعلاميا على مستوى 13 ولاية، ونحن نضم اليوم 36 عضوا مؤسسا، و20 عضوا منخرطا، و15 عضوا متابعا وعضوين شرفيين". هذه الجمعية، التي يقدر معدل أعمار أعضائها بـ29 سنة، يرتبط عملها بمجموعة من اللجان، التي تتعلق بالتكوين في الصحافة المتخصصة، والإعلام والاتصال، من أجل التواصل وتشجيع الصحافيين على المساهمة في تنمية السياحة والقطاع، بالإضافة إلى النشاطات السياحية للتعريف بمؤهلات الجزائر فيها، وفي غيرها.

من جهتها تمكنت الشبكة الجزائرية للإعلام الثقافي، التي تأسست يوم 13 مارس/ آذار 2014 ولم تتحصل على الاعتماد الرسمي إلا في يونيو/ حزيران 2015 ، من استقطاب 1500 منخرط حتى الآن، وفتح مكاتب في جميع الولايات الجزائرية (48 ولاية)، وذلك حسب رئيس الشبكة، السيد محمد بغداد.

ويؤكد المتحدث ذاته أن هذا العدد المعتبر من المنخرطين يضاف إليه المتفاعلون مع الشبكة، التي تعتمد استراتيجية خاصة من أجل استقطاب أكبر عدد ممكن من الجمهور والخروج عن الطريقة التقليدية في العمل الجمعوي.

وتتمحور هذه الاستراتيجية، حسبه، في الاعتماد على المتفاعل بدل المنخرط، بمعني الاستثمار في الإنسان وكل مبدع له الحق في المشاركة في مشاريع الشبكة دون شرط الانخراط، بالإضافة إلى اعتماد مبدأ المشاريع بدل النشاطات. ويؤكد محمد بغداد: "نعتقد أن الجزائر بحاجة إلى مشروع ثقافي جديد".

وهذا ما يجعلنا نتساءل عن مدى قدرة صمود هذه المبادرات الجمعوية الفتية، والاستمرار في الساحة الوطنية، في ظل تمسك الحكومة الجزائرية بقانون الجمعيات الجديد، وعزمها على إخضاعها لسياسة التقشف وتشديد الرقابة على مصادر الدعم المالي.

(الجزائر)

المساهمون