أحمد زكريا... يحيا المغادرون بشرف

أحمد زكريا... يحيا المغادرون بشرف

29 أكتوبر 2015
يستمر القتل في مصر بلا سبب (العربي الجديد)
+ الخط -
أحمد زكريا شهيد الاستهداف المباشر في وطن لم يعد كذلك، فله علينا حق الاعتذار العلني عن حفظ الاسم كاملاً، وعن الواقع السياسي الأكثر من مهترئ في مصر، ولكن بداية وهل معرفة أمثالنا لاسمه يمثل تكريماً له.. وأي تكريم أفضل مما ناله؟ وأي تقصير وخذلان أكثر من أن نبقى بعده.. نحيا في أوطاننا غرباء نخاف إن ارتفع صوتنا أن يلحق بنا مصيره، فيما لم يخف هو، أو نرحل عن وجه الوطن فنحيا مشردي الشعور، على الاقل في بلدان أخرى، حتى إن أتت مواعيد إجازاتنا لزمنا بيوتنا في الغربة لأننا لا نستحق أن ننزل رحب وطننا فقد كانت لدينا ثورة، أو حتى شبه ثورة، من أسفٍ تخاذلنا وضيعناها، من لم يضيعها بالغباء الشديد ضيعها بالخيانة الأشد.


أما أحمد زكريا، فله الأولوية هنا لأنه الشهيد الأخير للتصفية الجسدية المستمرة في مصر، والتي ينال عصر الغاب جائزة كبرى إن نجا من مثل هذه المهاترات، التي يروح ضحيتها أثمن ما تمتلك الشعوب، الإنسان من أسف شديد.

أحمد زكريا ضحية التصفية البشرية حتى ظهر الأربعاء 21 أكتوبر/تشرين الأول ونتمنى أن يظل كذلك.. بحق ألمه وعذابه رحمه الله.. ولم يكن أحد منا إلى جواره دقائق الاستهداف والقتل "غيلة" من ظهر هذا اليوم. فحتى وهم يقتلونك.. وأنت وحيد مطارد في "أبنوب". وكانت قد أجريت لك جراحة الأحد.. وأتتك الشهادة على أيديهم الأربعاء من نفس الأسبوع.. 
المعلومات المتوافرة عن "أحمد" نشرتها إنسانة مخلصة على "الفيسبوك" أولاً، فأخبار التصفية البشرية صارت عادية لا تتسابق إليها الجرائد اليوم.

باختصار.. شاب لديه 28 عاماً، خريج كلية تجارة، أنهى الخدمة العسكرية منذ عام فقط، وتم اتهامه بالانضمام إلى جماعة إرهابية.. وتم رفع قضية ضده، وقال له الأصدقاء إن عليه الهجرة أو السفر فقال إنه لم يفعل شيئاً، وبالعقل لو أنه فعل أو فكر في الفعل لهرب، ولكنهم انتهزوا نبل تفكيره.. وتخلصوا منه.. لأنه أحب بلده.

الأنكى والأكثر دموية البيان الصادر عن وزارة الداخلية المصرية يوم الخميس التالي لتصفية الشهيد، وفيه قصة بالغة الركاكة والكذب مفتتحها كمفتتح قصيدة الكفر المعروفة في المثل الدارج، بأن الرجل الشهيد عنصر إخواني مطلوب.

أما البيان وحجم الإجرام "اللفظي" فيه فيغطي الكون كله على مدار تاريخه، لا مصر في يوم من أيام الدهر فقط. أسلحة وذخائر وعبوات بل مصنع متفجرات لدى شاب أُجريت له جراحة منذ ساعات، بما في الأمر ريموت كنترول للتفجيرات، وعدد آخر من المستلزمات الحربية الحديثة، وإن السؤال البالغ المرارة.. هل قاتل الشهيد أحمد أكثر خيانة أم كاتب هذا البيان الفاجر؟!

إن الذي ضغط الزناد مجرم فاجر قاتل شرّير، لكنه كان في مكان منزوٍ مختفياً فيه، أما من صاغ البيان فمجرم من طراز نادر، لفق اتهامات فاجرة لمغادر للحياة لا يستطيع دفاعاً عن نفسه بحال من الأحوال، هذا غير أنه تم اغتياله خيانة وغدراً برصاص من الخلف، وهو مريض لم يتعاف بعد. إن حيوانات الغابة تتورع عن صيد حيوان مثلها وهو مجروح، ولا تأكل حيواناً آخر إلا وهي جائعة، ونحن نفعل هذا ببعضنا البعض كبشر بلا سبب إلا لكوننا أشد ضراوة من الحيوانات في الغابة، وإن هذا البلد الذي يمرح القتل فيه بلا سبب سوى لوجود فجرة يحكمونه، ولا يتورعون عن نهش أي ضعيف أمامهم، وإن مجموعة من عديمي احتراف السياسة تصدوا للحكم في مصر دون أن يعدوا لذلك عدة حقيقية.. والنتيجة الأفق الأكثر من مسدود، واستمرار القتل بلا سبب.

كنتُ أنوي الكتابة عن مُعتقل، فخجلتُ لما علمتُ بالشهيد، وكنتُ أنوي الكتابة عن مطاردة مهاجرة فخجلتُ لما علمتُ بالشهيد والمعتقل.. ألا لنا الله جميعاً حتى يفكر الشرفاء الحقيقيون في حل ينجي مصر مما هي فيه.. ومن موقفنا اليوم والموت أكرم لنا وأفضل من رؤية "البشر" الحقيقيين يغادرون الحياة إلى حياة أفضل بمراحل لأنهم يستحقون .. فيما "نحن" من أسف نموت هنا ملايين المرات .. ونظل نتنفس رغم هذا!

(مصر)

دلالات

المساهمون