الإمبراطور ميجي.. و"زايباتسو"!

الإمبراطور ميجي.. و"زايباتسو"!

22 ابريل 2015
اليابانيون هم أول شعوب آسيا في تحقيق النهضة الصناعية(Getty)
+ الخط -
اليابانيون هم أول شعوب آسيا في تحقيق النهضة الصناعية، إذ تعتبر اليابان ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وخامس أكبر مصدر في العالم، مع ناتج محلي إجمالي تجاوز عتبة الخمسة تريليونات دولار، إضافة إلى أنها واحدة من الدول القليلة التي تحقق فائضاً في ميزان المدفوعات، حيث سجلت ثاني أكبر فائض في العالم في عام 2010، بقيمة تجاوزت مائتي مليار دولار.

جزء كبير من النجاح الاقتصادي الحديث في اليابان يُعزى إلى مرحلتين هامتين من مراحل التاريخ الياباني، والتي تشمل عصر الإمبراطور "ميجي" ما قبل الحرب العالمية الأولى، والمعجزة الاقتصادية اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية.

خلال فترة إصلاحات الإمبراطور "ميجي"، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، شهدت اليابان فترة انتقالية هامة، عَرفت فيها البلاد تحولات واسعة، بعد أكثر من قرنين من حكم سلالة التوكوغاوا. اتبعت حكومة ميجي، في البداية، النمط الغربي في الإصلاحات والتنمية، فقامت باستقدام أكثر من ثلاثة آلاف خبير غربي إلى اليابان، لتوظيفهم في حقول العلوم الحديثة والتكنولوجيا والرياضيات.

وتم إعادة تنظيم عملية الحكم بطريقة ديمقراطية. كما خلقت حكومة ميجي بيئة أعمال مواتية للشركات الخاصة؛ كي تساعدها على النمو والتطور، فقامت بإلغاء المعاقل الإقطاعية، وأنشأت أحواضا لبناء السفن. والأهم من ذلك، شيدت المصانع، لتبيعها، بعد ذلك، لأصحاب المشاريع بأسعار منخفضة للغاية.

قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، بدأ أصحاب هذه المشاريع في التوسع السريع، وباتوا يهيمنون، تدريجياً، على الاقتصاد الياباني، ثم ما لبثوا أن شكلوا تجمعات تضم شركات تجارية كبرى، اًطلق عليها اسم "زايباتسو"، والتي كانت تشمل الأربعة الكبار: ميتسوبيشي، ميتسوي، سوزوكي، وفوجيتا. ومع مرور الوقت، طورت شركات "زايباتسو" شبكة من العلاقات المعقدة مع صناع السياسة اليابانية، ما أسهم في إحكام سيطرتهم على جزء كبير من النشاط الاقتصادي والصناعي في اليابان، ليستحوذوا على أكثر من ثلث الصناعات التعدينية والكيماوية في اليابان، ونصف سوق الآلات والمعدات، ونحو ثلثي سوق الأسهم التجارية.

ورغم أن الحرب العالمية الثانية دمرت معظم الاقتصاد الياباني، إلا أنه كانت للأساسات الاقتصادية والاجتماعية، التي تم إرساؤها، خلال عصر ميجي، دور هام في تحقيق المعجزة الاقتصادية اليابانية بعد الحرب، حيث امتدت من ستينيات القرن الماضي إلى نهاية الثمانينيات. علاوة على ذلك، تمكنت "زايباتسو" من تطوير نفسها، رغم محاولات الإطاحة بها، وذلك لضمان استمراريتها، فحملت معها مبادئ العمل الجماعي، وقيم التقاليد العائلية التي يتوجب السير عليها.

وقد كان إنشاء وزارة التجارة الدولية والصناعة، في عام 1949، عاملاً مساهماً في تحقيق المعجزة الاقتصادية اليابانية، حيث نفذت الوزارة سياسات إصلاحية عديدة، أدت، في نهاية المطاف، إلى تحقيق تنمية صناعية، بأبعادها المختلفة، في معظم أرجاء اليابان.

فقد كانت الوزارة ترسم أروع صور التعاون بين الحكومة اليابانية والقطاع الخاص، لدرجة أنها لو وضعت خططا لمضاعفة إنتاج الصلب، مثلا، كان لدى شركات "زايباتسو" ما يكفي من رأس المال، والمعدات، وصانعي المعدات، وأغلب العوامل الضرورية الأخرى، من أجل تنفيذ هذه الخطط.

شهدت اليابان نمواً اقتصادياً هائلاً في فترة ما بعد الحرب، وبمتوسط 10% سنوياً في الستينيات، و5% في السبعينيات، و4% في الثمانينيات. لكنها شهدت تباطؤاً واضحاً في معدلات النمو، بسبب فقاعة أسعار الأصول التي تشكلت أواخر الثمانينيات، إضافة إلى انهيار بورصة طوكيو للأوراق المالية مطلع التسعينيات، حيث يطلق اليابانيون على هذه الفترة "العقد الضائع".وفي عام 2012، سجل الناتج المحلي الإجمالي الياباني معدل نمو بواقع 2%.

وعلى الصعيد الصناعي، تعتبر اليابان أكبر منتج للإلكترونيات في العالم، حيث تبرز شركات عملاقة مثل سوني، وكاسيو، وباناسونيك، وكانون، وفوجيتسو، ونيكون، وياماها، وغيرها من المنتجات الإلكترونية اليابانية التي ذاع صيتها، لما تملكه من جودة فائقة وذكاء الابتكار. ولا تزال شركات تصنيع السيارات اليابانية من بين الأكثر قيمة وتقدماً من الناحية التكنولوجية في العالم، حيث تعد اليابان موطنا لستة من أكبر عشرين شركة مصنعة للسيارات في العالم، تأتي تويوتا اليابانية في طليعتها. وتنتج صناعة السيارات في اليابان ثاني أكبر عدد من المركبات في العالم بعد الصين، فقد تمكنت هذه الصناعة، رغم الأزمة المالية العالمية، من تسجيل نمو هائل، بواقع 11% في عام 2009.

وعلى الرغم من الأهمية التاريخية للصناعات اليابانية، إلا أن قطاع الخدمات، مثل المصارف والتأمين وتجارة التجزئة والنقل والاتصالات، يعتبر العنصر المهيمن على الاقتصاد الياباني حالياً، إذ يشكل نحو ثلاثة أرباع الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014.

إقرأ أيضا: المشاريع الصغرى والمتوسطة: استثمارات لتنمية مستدامة (ملف)

دلالات

المساهمون