محمود رمضان.. أن تكون ضحية الـ"زياطة"

محمود رمضان.. أن تكون ضحية الـ"زياطة"

10 مارس 2015
+ الخط -

(1)

"الخوف الجماعي يحفز غريزة القطيع، وينحو إلى إنتاج العنف تجاه من لايعدون أعضاء في ذلك القطيع".. برتراند راسل

 

(2)

اليوم 2 يوليو/تموز 2013، الساعة السادسة مساء، أثناء توجهي إلى ميدان النهضة ومن بعده التحرير لمراقبة الوضع عن كثب بعيداً عن الإعلام الموجه، شاب غاضب آخذاً بالدبدبة على الأرض بعصا كان يحملها، وسط مسيرة إخوانية انطلقت من شارع الهرم باتجاه ميدان النهضة، الجو مستعر ومشحون بالغضب، بين شخص باكٍ أو على وشك البكاء، بين مستشيط غضباً بعد أن ضاع حلمه ومجهوده الذي ذهب هباء بعد سنة طويلة من العمل الشاق لإيصال محمد مرسي إلى الرئاسة، وبين آخر متحسراً على ملك على وشك الزوال، وبين آخر مغتاظاً مردداً "انت فاكرها سهلة كده يا سيسي؟!"، فجأة ألقي بالحجارة من على أسطح إحدى العمارات، أسرعت المسيرة إلى الأمام محاولة تجاهل مصدر الحجارة، لكن يبدو أن التجاهل لم يكن الحل، حيث استقبلهم بعد حوالى 300 متر، بلطجية أو كما يسمون حالياً بالمواطنين الشرفاء، حاملين البنادق لإمطار المسيرة بالخرطوش، من أجل الاحتفال و"التوجيب" في هذا اليوم الميمون، وبين كر وفر وصراخ الأطفال والنساء في المسيرة، لم يجد المعتَدى عليهم مفراً إلا باستخدام نفس أسلوب البادئ بالاعتداء حتى يرتدع، أكملت المسيرة طريقها، واستقليت إحدى العربات المتجهة إلى التحرير.

 

(3)

 "هندبح الخرفان، هندبحهم!!"

رددها السائق أكثر من مرة لزملائه السائقين في العربات الأخرى على الطريق، وسط احتفاء وإشادة وتوعد أيضاً للإخوان من جانب الركاب. وصلتُ إلى ميدان الثورة، لأجد المشهد مختلفاً، حيث تجسدت أمامي الجملة الشهيرة "ناس بترقص وناس بتموت"، رأيت ميدان الثورة مملوءاً بأعداد غفيرة، محمية من الشرطة والجيش، ظابط محمول على الأكتاف وسط هتافات "الجيش والشرطة والشعب إيد واحدة" في كل مكان، ظابط آخر يلقي بزجاجات المياة والعصير إلى الجماهير التي تسابقت على تلقفها، رغم أنها كانت تشتكي بالأمس من معاملته الخشنة، فتاة ترفع صورة الأسد الشهيرة وبجانبه وجه الجنرال السيسي، وأخرى تخرج لسانها إلى الكاميرات، فرحاً وغيظاً في الإخوان وفي المستقبل المظلم الذي ينتظرهم، بعد أن أمهلهم السيسي حينها ساعات معدودة لإيجاد حل وأيضاً حتى يضع الرتوش الأخيرة على انقلابه العسكري، وسيدة ربة منزل تهتف بـ"يسقط حكم المرشد"، كان المشهد أشبه بكرنفال.

 

(4)

وصلت إلى ميدان النهضة ليلاً، لأجد المحتشدين بين كر وفر، ماذا حدث؟ مجموعة جديدة من المواطنين الشرفاء أرادت هي الأخرى التوجيب وإطلاق شحنة العنف والهمجية التي بداخلها، بعد أن انحازت دولة القانون إلى جزء من الشعب ضد جزء آخر، وبعد أن شملت جزءاً منه بحمايتها واستثنت الباقي، وفي ظل هذا الجو الذي أشبه ما يكون بالغابة، لم يجد البلطجية ما يخيفهم أو يردعهم، فالدولة التي انتهكت القانون والدستور منذ ساعات، على الأرجح لن تحاسبهم على ما سيفعلونه في هذا الفصيل المغضوب عليه والمطرود من رحمة الدولة، بل والشعب.

5 قتلى، بعد 20 دقيقة كانوا 10، لم يجد المحتشدون سبيلاً لإيقاف الاعتداء وردع المعتدين، إلا بالرد بمثله، وبعد ساعة تقريباً، انتهت الاشتباكات، بوقوع حوالى 15 ضحية من جانب المحتشدين في ميدان النهضة بالإضافة إلى إصابة العشرات.

 

(5)

بعد أيام قليلة، جلست خارج إحدى المقاهي، وفجأة سمعت صوتاً عالياً صادراً من الداخل، دخلت لأتحقق من الأمر، لأجد مرتادي المقهى بين جالس وواقف يشاهدون مقطعاً على التلفزيون، أخذت القناة تعيده مراراً وتكراراً، لرجل يلقي آخر من أعلى إحدى البنايات في الإسكندرية، وسط تعتيم على بقية التفاصيل وبدون إظهار حقيقة المعتدَى عليهم في هذا المقطع، حاولت أن أقنع من حولي بانتظار التفاصيل ومعرفة ملابسات القضية كاملة قبل إصدار الحكم، لكنني بسبب ما رأيته إنصافاً، والحق يجب أن يقال، تعرضت لوابل من الاتهامات، ومع الوقت تأكدت من أن صوت العقل لا مكان له عند اهتياج القطيع.

ظننت أن الأحكام المتسرعة هي سمة الغوغاء فقط، لكنني وجدت إعلاميين وصحافيين ونخباً كما يطلقون عليهم، جرت في نفس المسار، بدون تحقق وبدون معرفة من المعتدِي ومن المعتَدى عليه أو حتى الإحاطة بالمشهد كاملاً، وفي ظل هذا لم أطلق حكماً فيما يخص هذه القضية، مع قناعتي الداخلية النابعة من مراقبة وملاحظة الواقع الذي عايشته ورأيته بأم عيني، أن ما شاهدته في المقطع هو بالتأكيد رد فعل على اعتداء سابق لم يتم توثيقه.

تدور الأيام، ووسط "زياطة" شعب وتشويش وتزوير للحقائق من جانب صحافيين وإعلاميين هم أشبه بالمخبرين وقضاء تدور حوله الكثير من الشكوك والشبهات، ظهرت أبعاد وزوايا جديدة للقضية، فمحمود رمضان الذي تم إعدامه بعد ما اتهم بإلقائه أحد الأطفال من أعلى إحدى العمارات، هو في الحقيقة لم يكن طفلاً كما ادعوا، بل أحد البلطجية الذين كانوا يلقون الحجارة على المسيرة التي كانت تسير أسفل العمارة، يشبه الأطفال أيضاً أو البلطجية الذين كانوا يلقون الحجارة من فوق العمارات أثناء موقعة الجمل في ميدان التحرير خلال الثورة الحقيقية في 2011، وأن أول شخص قد ألقي من فوق البناية الصغيرة أعلى العمارة هو أحد المتظاهرين الذي صعدوا مع محمود رمضان إلى أعلى في محاولة لإنزال البلطجية من أعلى هذه البناية الصغيرة، بعد أن قام هؤلاء البلطجية بإيقاع وفيات وإحداث إصابات من جانب المتظاهرين لم يتم ذكرهم على الإطلاق من جانب الإعلام الموجه، بعد ذلك تم إلقاء البلطجي الذي قام بإلقاء المتظاهر، لكن لم يوثق المقطع الشهير حقيقة من قام برميه، لكن الظاهر في المقطع أن محمود رمضان كان أسفل البناية عندما تم رمي البلطجي.

(6)

الحق أقول لكم، لست هنا بمعرض تبرئة محمود رمضان أو إدانته، لكن ما أستطيع قوله وما أنا متأكد منه حقاً، أن محمود تم التضحية به بمنتهى السهولة، ككبش فداء لإرضاء الجماهير الهائجة والمتعطشة للانتقام بعد أن تم شحنها بالكراهية وإغشاء أبصارها على يد الإعلام المزوِّر، وأن محاكمته تفتقد الكثير من الإجراءات حتى يتم اعتبارها عادلة، وأن حكم الإعدام أصدر لأهداف سياسية ولبث الرعب في قلوب رافضي انقلاب 3 يوليو ومتزعمي هذا الرفض سواء من كانوا في السجن أو خارجه، كما أنني متأكد أن الناس قد تكلمت في حق محمود مبكراً وهم لا يمتلكون دليلاً قوياً وواضحاً لإدانته، وأن الإعلام الموجه والمخبرين سواء في الصحافة أو التلفزيون هم مجرد ظل للسلطة الحالية ولا يؤمل منهم أن يقفوا بجانب حق على الإطلاق، ولكنني على يقين، أن هؤلاء إلى زوال وأن إرهاصات وعلامات الثورة القادمة آخذة في الظهور، وأنها أقرب مما نتوقع.

المساهمون