سكّان الخيم: فقراء يطوّقون القاهرة بعدما طردتهم بيوتها

سكّان الخيم: فقراء يطوّقون القاهرة بعدما طردتهم بيوتها

23 فبراير 2015
ريهام وحبيبة ومنى يحاولن التمسك بطفولتهن (العربي الجديد)
+ الخط -
يعمل محمد عبد الرحمن مياوماً (يتلقى أجراً يومياً). يستيقظ مع أول خيط للشمس. ينطلق ‏الى ساحات يتجمع فيها المياومون في انتظار من يشغّلهم. ينتظر مع ‏العشرات بل المئات من المياومين المصريين، أي زبون قادم، في مقابل يراوح ما بين 30 إلى 100 جنيه، وذلك حسب طبيعة العمل الذي سيقوم به، من أعمال النجارة أو البناء أو غيره.
غالباً ‏ينتهي اليوم من دون أن يأتي الزبون، ليعود محمد إلى منزله بعد غياب الشمس من دون تأمينه ثمناً لإطعام أبنائه ‏الأربعة، أو تحقيق حلمهم في السكن بين أربعة جدران تحميهم من برد الشتاء ‏وحر الصيف. فمحمد لم يجعل من بكمه عائقاً أمام دخوله دورة الإنتاج، إلى أن صرف من عمله وأصبح عاجزاً عن سداد إيجارغرفة كان يسكنها مع عائلته في إحدى المناطق ‏العشوائية في القاهرة، فانتقل مع عائلته للعيش في خيمة، لعل الحكومة توفر له سكناً ‏بديلاً... لكن هذه الأمنية، لم تتحقق، والحال لم يتغير منذ خمس سنوات.‏ 

الطعام فول وفلافل
تراقب مصرية علي، وهي زوجة محمد، أطفالها بعيون قلقة. حبيبة وريهام وإسلام ومنى، يحاولون التشبث بما تبقى من طفولتهم، في حين أن مصرية قلقة على مستقبلهم، وتبحث عن طريقة لتخرج وعائلتها من واقع العوز الشديد والفقر.
تقول مصرية لـ "العربي الجديد": "يتقاضى زوجي ‏أسبوعياً ما بين 150 إلى 200 جنيه أي ما يقرب 800 جنيه ‏شهرياً، بما يوزاي 100 دولار. أنفق نصفها على الطعام ‏والشراب، وأصرف الباقي على تعليم اثنين من أبنائي الأربعة، ‏وتأمين بعض الأدوية كوني أعاني من بتر في جزء من القدم بسبب الإهمال الذي تعرضت له ‏في أحد المستشفيات الحكومية". ‏
وتضيف: "تركنا المسكن الذي كان يحميني أنا وأبنائي من برد الشتاء، بعدما ‏أغلقت الشركة الاجنبية بابها أمام آلاف العمال ومنهم زوجي. ‏عجزنا عن سداد الإيجار الذي يتجاوز 400 جنيه". وتشرح: "لا نعرف في طعامنا سوى الفول والفلافل. وأرغفة الخبز المدعوم، الذي لا يصلح للاستهلاك ‏الآدمي ولكنه يسد جوع أبنائي. وفي الغداء نتناول أي شيء قد ‏يكون فولاً ايضاً. والعشاء قليل من الجبن أو البطاطس".
تتابع مصرية: "لا أحلم إلا بعلاجي وتعليم أبنائي، ولا ‏أطمع سوى بغرفة تحمينا من البرد وتحافظ على بناتي الثلاث ‏من التعرض لأي مخاطر أو مشكلات".‏
قصتا محمد ومصرية، تتشابهان مع قصص ملايين المصريين، الذين يعيشون الفقر والتشرد. بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ‏فإن نسبة المصريين الذين هم تحت خط الفقر تقترب من 26.3% من ‏السكان في 2013، ما يعني أن أكثر من ربع المصريين دون خط الفقر، ‏الأمر الذي يوضح المعاناة والمأساة التي يعيشها المواطن البسيط ‏في حياته اليومية.
وقد أظهر تقرير "بحث الدخل والإنفاق ‏والاستهلاك" الذي يصدره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ‏المصري، استمرار ارتفاع نسبة الفقر في مصر كل عام عن سابقه، ‏حيث ارتفعت النسبة في التقرير عن عام ‏‏2013 بحوالي 1.1% عن العام السابق، بينما بلغت نسبة "الفقر المدقع" 4.4% من السكان.‏

سياسات التهميش
يؤكد الخبير الاقتصادي علي عبد التواب أن نسب ‏الأسر الفقيرة في مصر تتزايد بطريقة لافتة للانتباه خاصة مع ‏تزايد سياسات التهميش والإفقار التي تتبعها الحكومات المتتالية. ‏يدلل الباحث الاقتصادي على ذلك بوقف التوظيف في القطاع العام ‏وعدم التزام الشركات بتعيين ذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة إلى قوانين الضرائب التي من ‏شأنها معاقبة صغار المستثمرين وإتاحة الفرصة للمتمولين، ما يؤثر على سوق العمل. يقول عبدالتواب لـ "العربي الجديد" إن الأزمة في مصر هي ‏أزمة توزيع ثروة وليس غيابها كما يدعي البعض، مستشهداً على ‏ذلك بدراسة لجهاز التعبئة والإحصاء أكد فيها عام 2013 أن ‏استهلاك الشريحة العليا من السكان يصل الى 4 أمثال الشريحة ‏الدنيا بنسبة 39.6 % للشريحة العليا مقابل 9.6 % للشريحة ‏الدنيا، ما يعكس التفاوت بين الأغنياء والفقراء في مصر.‏
يتفق منسق "عمال من أجل التغيير" الدكتور محمد ‏حسن مع هذا الرأي، ويؤكد أن التفاوت في مستوى معيشة المصريين غير ‏طبيعي. ويقول: "في الوقت الذي تعيش الآلاف من الأسر في مستوى ‏اجتماعي واقتصادي مرتفع حيث القصور والسيارات ‏الغالية، يأكل ما يزيد عن ثلث الشعب المصري من القمامة ‏تحت مرأى ومسمع الحكومة".
ويؤكد حسن أن ‏الأنظمة التي تعاقبت على مصر لا تمت بصلة لمصالح الفقراء ولا تعرف ‏معاناتهم. ويستدل على ذلك بمشروع إسكان ذوي الدخل ‏المحدود الذي طلبت فيه الحكومة من الراغبين فيه مقدم شقة ‏‏10 آلاف جنيه. ويسأل: "من أين يأتي رب أسرة بهذا المبلغ وهو لا ‏يملك ما يطعم به أبناءه؟".‏

إقرأ أيضاً: "لبنان الأخضر": ملوثات لا تنتهي

المساهمون