"متنيّلين بستين نيلة"

"متنيّلين بستين نيلة"

16 فبراير 2015
+ الخط -
المشهد مؤثر جداً. زعيم الشحاذين يسكب الزيت المغلي في عين طفل لم ‏يتعد عمره العشر سنوات. الوجع كبير، ولكن الطفل سيعتاده. بعد أيام، ‏سيتمكن الطفل من الانطلاق مع الزعيم في جولات الشحاذة. المقتدرون ‏تعاطفوا كثيراً مع طفل جميل فاقد لنعمة النظر. الأخير أصبح كفيفاً، ‏الزعيم كوّن ثروة، والناس يدفعون شفقة. ‏ 
هو مشهد في فيلم أجنبي، لكنه يجسّد واقعنا. نحن مَن أصبح يهرول إلى ‏صناديق الاقتراع لانتخاب زعماء الشحاذين. ونحن الذين لم نعد نرى ولا ‏نسمع ولا نتكلم سوى ما يعاكس مصالحنا. تعرضنا لمجزرة. الزيت المغلي ‏صُبّ في عيوننا وآذاننا وأفواهنا. احترقنا. ‏
ألا تتحدث المنظمات الانسانية والدولية عن الاستثمار بالبشر؟ فهمها ‏حكامنا جيداً. عاثوا بنا استثماراً.‏
كرامتنا أصبحت تحت أقدام العالم. الفقراء يزيدون، أهلاً بالمساعدات، أهلاً ‏بنهش المال العام، أهلاً بالصفقات. لا ننتظر أن ‏يقل الفقراء في المقابل، هل يلغي زعماء الشحاذة مبرر التسوّل على جوعنا؟ ‏
ديون دولتنا ترتفع، ونحن لا نحصل على خدمات وندفع بدل الضريبة ‏ضرائب. خير؟ كل الخير، نحن منبع الخير والخيرات، نحن من يدفع ‏لأقلية الأقليات مليارات دولاراتنا لكي يمارسوا علينا الجَلْد يومياً. في ‏المقابل، نشحذ الضمان الصحي، نشحذ الماء، نشحذ التعليم، نشحذ ‏الوظيفة من زعماء الشحاذة، وهم يحولون تعاستنا إلى استثمار.‏
هاتوا المساعدات، فلتغرق في فساد المحاصصة، بسمة على ثغر زعيم ‏الزعماء تكفينا. هاتوا الارتهان الخارجي، نحن لن ننزعج، سنصفق، سنرفع ‏صور زعماء كل الدول على طرقاتنا، سنزيّن بها بيوتنا. وسنرفع أيضاً ‏شعاراً فيه خليط من كلمات الكرامة والحرية والمقاومة والسيادة، ما الضير ‏في ذلك؟ سيصل لزعيمنا الثمن. وبحسب المقولة الشهيرة لأحد قادة ‏الشحاذة العربية: "شعبنا متنيّل بنيلة، والحياة هات وخد، مش خد وخد، ‏إنما هات وخد هات وخد هات وخد".‏
‏14.4 مليون فقير في اليمن، 1.4 مليون في لبنان، 6 ملايين فقير في ‏العراق، 18 مليون فقير في سورية، 2.7 مليون فقير في تونس، ‏15 مليون فقير في السودان، 22.8 مليوناً في مصر، 1.7 مليون فقير ‏في موريتانيا.‏
تموت قارة أوروبا رعباً، بعد تقرير يشير إلى إمكانية ارتفاع عدد فقرائها ‏إلى 25 مليون فقير في 2025. أما هنا، فيوجد أكثر من 82 مليون "متنيّل" ‏في ثماني دول عربية فقط. أرقامنا ضخمة، نقسم أنها سترتفع، نقسم أن ‏نرفع أرصدتكم. نقسم بكرامتنا. فقط زيدوا من حرقنا، أجسادنا في الخدمة. ‏

المساهمون