فنون الشارع الثائر.. قبس من ذكريات الميدان

فنون الشارع الثائر.. قبس من ذكريات الميدان

22 يناير 2015
لم يكن الفنانون المحترفون المساهمين الوحيدين(العربي الجديد)
+ الخط -

عرائس متحركة عملاقة ولوحات فنية على الحوائط.. مسرح شارع وأغنيات تحريضية.. هذا بعض من نتاج أربعة أعوام من اندماج الفن مع الموجات الثورية التي بدأت في مصر في الخامس والعشرين من يناير 2011.

وخلال الأعوام الأربعة الماضية انضم مئات الفنانين المصريين إلى الحراك السياسي الذي شهدته البلاد، شارك كثير منهم في المظاهرات والاشتباكات وانضم بعضهم لقوافل الشهداء مثل الفنان، زياد بكير، الذي سقط في جمعة الغضب (28 يناير 2011)، ولكن أغلبهم شارك في الأحداث بفنه كذلك.

من الفنانين الشبان من حمل جيتاره للميدان مثل رامي عصام، الذي رأيته لأول مرة في ميدان التحرير مساء يوم الثلاثاء 1 فبراير/شباط 2011، عندما غنى لأول مرة "إرحل"، ورحل مبارك بالفعل واستمر رامي يغني ويتظاهر على خط المواجهة خلال الموجات الثورية، حتى أجبره نظام الحكم الحالي على الاختفاء عن المشهد مؤقتا عبر السفر خارج البلاد.

ولم يكن الفنانون المحترفون المساهمين الوحيدين في موجة الفن الثوري التي أطلقتها ثورة يناير، فجموع الناس في الميادين استخدمت مختلف وسائل التعبير لتقديم رؤيتها للوضع أو لإعلان دعمها للموجات الثورية أو حتى للسخرية من النظام ورموزه.


فنون المليونيات

انتشرت في مصر خلال التظاهرات المليونية عام 2011 استخدام صور "معدلة فنيا" للرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، والعديد من رجاله تسخر منهم أو تصورهم في زي السجن أو لباس اللصوص أو حتى معلقين على حبال المشانق، وتكرر الأمر مع رجال المجلس العسكري الذي حكم البلاد حتى الانتخابات الراسية التي أجريت منتصف 2012.

وبالإضافة إلى الفن المدعم بالتكنولوجيا، الذي انتشر استخدامه طوال سنوات الثورة، فإن مساهمات فنية غير تقليدية ظهرت في ميدان التحرير خلال 2011، ومنها مثلا الأسرة التي اشتهرت بعشقها للخط العربي.

وخلال العشرات من التجمعات الثورية والمليونيات كانت أسرة عبد المجيد إبراهيم الدسوقي مشاركة، بدءا من الأب والأم وحتى بناتهما الأربع، لم يكونوا يهتفون أو يقودون مسيرات بل فقط يحملون لافتات تقول جملا ثورية ولكن بخطوط عربية جميلة تكاد تكون لوحات فنية.

وتحدث الدسوقي لقناة الجزيرة ذات مرة في مطلع عام 2012 وقال إنه وأسرته سيستمرون على هذه الحال، حتى تتحقق مطالب الثورة، ويتم القصاص للشهداء والمصابين، وإزاحة كل الخونة والفاسدين، وبر الرجل بوعده حيث ما زال يظهر في فعاليات مختلفة بلوحات الخط العربي ذات الجمل الثورية حتى بعد أن أصبحت هذه المشاركات غالية الثمن.


أسوار مبهجة

أحد أكثر فنون الشارع ازدهارا منذ ثورة يناير في مصر هو "الجرافيتي" الذي يتضمن مدارس مختلفة تتفق في تحويل الأسوار من حدود وسجون إلى لوحات فنية مبهجة في أغلب الأحيان، وتحمل رسائل قوية في كل الأحيان.

كانت هذه الرسائل منذ الثورة سياسية على الأغلب ومعظمها مباشر بدرجة كبيرة، إلا أن الكثير منها كان يحمل أيضا روحا فنية محلقة قادرة على تحويل السياسي الآني إلى عمل فني يرنو للخلود.

ورغم أن استخدام الجرافيتي اتسع نطاقه في مصر جدا، ليصبح أداة تعبيرية في يد مجموعات متنوعة من الالتراس وحتى السلفيين، إلا أن تطويره إلى لوحات فنية ضخمة تقترب من الجداريات كان متركزا في وسط القاهرة ومحيط ميدان التحرير، وهي المنطقة المعروفة بـ"وسط البلد".

وحتى اليوم يمكنك وأنت تمشي في شارع محمد محمود، وسط ذكريات القنص والاشتباكات، أن تشاهد رسما لأحمد دومة باسما على سور الجامعة الأميركية وتحته مكتوب "متفائل"، أو تشاهد جدارا كبيرا وعليه رسمت وجوه شهداء للثورة وبجوارهم صور أمهات ثكلى كأنهن يبكين ضياع حقوق أبنائهن.

وبجانب هذه اللوحات السياسية المباشرة، تجد لوحة مرسومة بدقة لشاب وجهه تغطيه ألوان المهرجين، وفي يده صولجان الفراعنة ولوحات أخرى تسخر من الشرطة والداخلية المصرية، وإذا حملتك قدماك إلى شارع البستان، شارع آخر متصل بالميدان، ستجد لوحة حديثة تصور سناء سيف، الناشطة المحبوسة بسبب قانون التظاهر، مرسومة كجزء من لوحة فرعونية.

ويحملنا فنانون آخرون في شارع قصر النيل إلى آفاق فنية مختلفة، ففي لوحة ضخمة تجد قطا يرتدي عمامة، وفأرا يحمل لافتة، ورجالا برؤوس غريبة؛ وتجد حذاءً مرة وقرداً مرة أخرى؛ مكونات مختلفة لجدارية سريالية ضخمة تضم وجوها ترتدي أقنعة الغاز، ووجوها بعين واحدة، ويداً تحمل الإسبراي لرسم الجرافيتي.

تحاول هذه الجدارية الضخمة أن تمسك بلحظات الثورة وأن تسخر من وتهين أعداءها بصورة فنية، وكذلك أن تعبر عن العديد من الأفكار عبر عبارات موزعة هنا وهناك، مثل "التفكير في الميتافيزيقا مضيعة للوقت".

وكان للجرافيتي معاركه العديدة خلال الثورة فقد دأبت قوات الأمن على مسحه ودأب النشطاء والفنانون على رسم لوحات جديدة مكان تلك الممحوّة في مطاردة ملّتها أجهزة الأمن أولا، وكان للجرافيتي لمساته على الأسوار التي حاصرت الميدان طويلا، فمرة رسم الفنانون أشخاصا يبولون على السور تعبيرا عن احتقاره، وهي الصورة التي حولتها فنانة شابة (يسرا الهواري) إلى أغنية قصيرة.

وفي مرة أخرى رسم شبان على أحد الأسوار التي حاصرت الميدان صورة لطريق، وكأنهم حولوا هذا السور إلى لا شيء وأعلنوا أنه لن يحاصر خيالهم كما حاصر أجسادهم.

*مصر

المساهمون