اللاجئ السوري في لبنان.. ثَقَبَ الأوزون!

اللاجئ السوري في لبنان.. ثَقَبَ الأوزون!

01 يناير 2015
عمليات الإخلاء التعسفي تشكل قلقا متزايدا بالنسبة للاجئين (Getty)
+ الخط -

"نيال من له مرقد عنزة في لبنان"، لكن يبدو أنه حتى مرقد العنزة لم يعد متاحا في هذا البلد. قد يظن البعض، عن سوء النية أو حسنها، أن المشكلة بدأت مع توافد اللاجئين السوريين إلى لبنان، إلا أن الواقع يؤكد عكس ذلك. نسي اللبنانيون، أو فضلوا أن يتناسوا، أن الأزمات المتوالية على البلاد عمرها من عمر الحرب الأهلية، وأكثر، واستسهلوا لصق السوريين بكل ما ينغصّ عليهم عيشهم.

ولقد تم حل وزارة الإسكان في لبنان والاستعاضة عنها في عام 1996 بالمؤسسة العامة للإسكان، التي تركت الباب مشرعا أمام الاحتكارات والمضاربات العقارية غير المقيدة، عوضا عن غياب التخطيط والمراقبة والسياسات الإسكانية العامة والمشاريع اللازمة للإسكان، ما سمح بتحديد أسعار الإيجارات من قبل السوق. ومنذ عقود يعاني لبنان من نقص كبير في توفر المساكن وارتفاع حاد في أسعار الشقق السكنية والإيجارات. إذن فأزمة السكن في لبنان مزمنة سابقة للثورة السورية وموجات لجوء السوريين.

الشباب اللبناني الذي لا قدرة له أصلا على تحمل الأعباء الاقتصادية في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة وتفاقم أزمة البطالة وتدني الأجور، وجد نفسه أمام أزمة مستفحلة بفعل غياب أي دور فعلي للدولة اللبنانية. إذ يتلخص موقف الحكومة اللبنانية من مسألة تأمين أو تنظيم المساكن والمأوى للاجئين السوريين بحظر إقامة مخيمات رسمية لهم، دون التدخل للحد من الارتفاع الجنوني في أسعار العقارات.

فأصحاب الأملاك والعقارات يتاجرون بقضية اللاجئين، ولا من حسيب أو رقيب، ويستغلونها على حساب المستضعفين الذين لا ذنب لهم ولا قوة. وقد أفادت دراسة حديثة حول أسعار العقارات، صادرة عن مؤسسة رامكو للاستشارات العقارية، بأن متوسط سعر الشقة في قلب العاصمة بيروت يصل حاليا إلى مليون دولار أميركي، في حين أن الحد الأدنى للأجور لا يتخطى 350 دولارا أميركيا. وهذا الأمر بالطبع لا علاقة له بتدفق اللاجئين السوريين إلى البلاد، إذ إن معظمهم لا يملك كلفة استئجار غرفة واحدة تؤويه وعائلاته.

ومع ذلك ليس بالإمكان التغاضي عن تفاقم أزمة السكن في لبنان بعد تدفق اللاجئين السوريين إليه، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن واحدا من كل خمسة أشخاص مقيمين في لبنان هو لاجئ سوري. وبفعل الحدود الجغرافية المشتركة بين البلدين، فقد وصل إلى لبنان أكبر عدد من اللاجئين السوريين على مستوى الدول المجاورة، إذ تخطى اليوم عدد اللاجئين السوريين المسجلين رسميا في لبنان عتبة المليون لاجئ.

يشير تقرير صادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في شهر أغسطس/آب المنصرم إلى أن الحاجة الملحة للحصول على مأوى أساسي دفعت العديد من الأسر السورية إلى العيش في ظروف سيئة، حيث يقطن أفرادها في كثير من الأحيان في أماكن غير مخصصة للسكن أصلا. ويضيف التقرير نفسه أن المأوى غير متيسر بالنسبة إلى 41٪ من اللاجئين السوريين في لبنان. كما يؤكد على الظروف المعيشية المزرية التي تواجه هؤلاء اللاجئين، الذين ينتمون أصلا في غالبيتهم إلى الفئات المعدومة. كما أفاد التقرير بأن ظروف المأوى تزداد سوءا عوض أن تتحسن، نظرا لمحدودية المساكن الموضوعة برسم الإيجار بأسعار مقبولة. وفي المحصلة، بات اللاجئون السوريون يعانون من رداءة المأوى والاكتظاظ ومحدودية فرص الحصول على المياه وخدمات الصرف الصحي.

يقول دستور لبنان، البلد الذي يتغنى بالحريات وباحترام حقوق الإنسان، إن لكل مواطن مقيم على الأراضي اللبنانية الحق في السكن اللائق، حتى إن القانون اللبناني، ناهيك عن القانون الدولي لحقوق الإنسان، ينص على مواد تتعلق بالمسكن والمأوى تضمن حقوق اللاجئين. إلا أن معظم اللاجئين السوريين في لبنان لا يعون أن مواد القانون اللبناني المتعلقة بعقود الإيجارات للأملاك المبنية توفر ضمان إشغال المأجور لمدة ثلاث سنوات وليس لفترة سنة واحدة كما هو الاعتقاد السائد، إضافة إلى أن أي أمر بالإخلاء يجب أن يكون مشفوعا بقرار من المحكمة، وهو ما لا يحصل أبدا.

ومع ذلك، باتت عمليات الإخلاء التعسفي تشكل قلقا متزايدا بالنسبة للاجئين، إذ تحدث هذه الحالات في معظمها، بسبب عدم قدرة اللاجئين على تسديد دفعات الإيجار، جراء استنفاذ مدخراتهم. وقد وصل الأمر في العديد من المناطق اللبنانية إلى توزيع المناشير التي تدعو اللاجئين السوريين إلى المغادرة، إضافة إلى حظر تجوالهم أو الاعتداء عليهم لذرائع أمنية.

والواضح أن أزمة اللاجئين السوريين في لبنان وغيره من الدول المستضيفة لهم لن تحل تلقائيا بمجرد وضع الحرب السورية أوزارها، حيث إن العديد من اللاجئين فقدوا بيوتهم ومصادر رزقهم في سورية، لذلك سيتعذر عليهم العودة إلى وطنهم فور انتهاء الحرب، الأمر الذي يحتم على الدولة اللبنانية وضع خطة متكاملة للتعامل مع هذا الواقع، وإلا فإن الأوضاع لن تزداد إلا سوءاً.

المساهمون