رنا الدجاني

رنا الدجاني

30 ديسمبر 2014
د. رنا الدجاني ، مؤسِّسة منظمة "نحن نحب القراءة"
+ الخط -
نحن نعيش في مجتمع عربي إسلامي بامتياز، تميز من قبل بعلمائه الأجلاء في كافة المجالات، ومعروف أن "علماء" تعني قراءة واطلاعا واسعا في مختلف أمور العلم. إلا أننا أصبحنا نعتبر القراءة في مجتمعنا العربي الآن شيئا مملا وإضاعة للوقت، ما دامت ستكون خارج إطار التعليم والأمور الدينية. فقد وجد أحد البحوث أن معدل عدد الصفحات التي يقرؤها الشخص في الشرق الأوسط، هو نصف صفحة سنويا، في مقابل 11 كتابا سنويا لكل فرد في أماكن أخرى من العالم.
من هنا جاءت مبادرة "نحن نحب القراءة"، من أجل تغيير هذه النظرة السلبية نحو القراءة في الوطن العربي، وكي تظهر للناس مدى أهمية النتائج القائمة على جعل القراءة شيئا ممتعا للأطفال.

في حوارنا مع صاحبة فكرة ومؤسسة مبادرة "نحن نحب القراءة"، تقول د. رنا الدجاني أستاذ مساعد في الجامعة الهاشمية واستشارية إصلاح التعليم العالي في الأردن وخبيرة استشاري التعليم للبنك الإسلامي للتنمية في السعودية إنه تم تأسيس المبادرة منذ ثماني سنوات كاملة، أي في عام 2006، وذلك بهدف رئيسي وهو السعي نحو مجتمع يحب أن يقرأ في كل وقت ومكان، وإيجاد جيل يحب أن يقرأ من أجل المتعة، من خلال تأسيس مكتبة في كل حي في الوطن العربي تخدم الأطفال بين 4 و10 سنوات، وذلك عن طريق تدريب "حكواتية" من نفس الحي على قراءة القصص بأسلوب جذاب وبصوت عال للأطفال، وتنظيمهم في شبكة للاستمرارية، وتوفير الكتب المناسبة لعمر الأطفال.

* ولكن هل من السهولة توفير مكتبة في كل حي وفي كل مكان؟
تجيب الدجاني قائلة، إن المكتبة المقصودة هنا هي مكتبة مختلفة، هي أي مكان في الحي كالمسجد أو مراكز خدمة المجتمع، ويتم إدارته من قبل أشخاص في الحي نفسه لتوفير وقراءة الكتب للأطفال بشكل منتظم، مما يساهم في استفادة المجتمع المحيط وضمان الديمومة. وتضيف الدجاني قائلة إن إيجاد مكتبة في كل حي هو المفتاح لنجاح زراعة بذرة حب القراءة؛ وذلك لسهولة الوصول إليها من قبل الأطفال بأنفسهم، من دون حاجة إلى إجهاد الأهل، وهذا يعلمهم أيضا الاعتماد على النفس.

من هنا كانت سهولة تطبيق وانتشار مبادرة "نحن نحب القراءة" في كل مكان، فهي تعتمد على استغلال أماكن عامة موجودة مثل المساجد أو المراكز المجتمعية. ولا يحتاج البرنامج إلى رفوف للكتب؛ لأنه يتضمن مجموعة من الكتب المحددة التي تعار للأطفال في نهاية الجلسة وتعاد قراءتها على عدة مرات. كما أنه ليس على "الحكواتية" أن تكون ذات مستوى عال من التعليم أو التدريب، وعلى النساء اللائي تم تدريبهن أن يكملن حلقة التدريب من خلال مشاركة التدريب الذي حصلن عليه مع نساء أخريات، ليفتحن بدورهن مكتبات في حيّهن، مكونات بذلك ظاهرة تأثير الدومينو.

* هل يتقاضى الحكواتية أي أجر، وإن لم يكن هناك أجر، فهل يوجد التزام من قبلهم تجاه المشروع وتجاه الأطفال الذين يحكون لهم القصص؟
الأفراد الذين ينشئون مكتبات في أحيائهم، هم متطوعون، وبالتالي لا يتقاضون أي تعويض مادي، ويلتزمون بالتطوع لمدة عام على الأقل. نموذج "نحن نحب القراءة" ليس نموذجا تقليديا. والمتطوع الذي ينشئ المكتبة يمتلكها. إذن فالمكتبة للمتطوعة، وهي تتحمل مسؤولية استمرارها. وإذا لم يستمر عمل المكتبة، فنحن لا نتدخل، لأن إنشاء المكتبة تم بالأساس لشعور المتطوعة بالمسؤولية، وليس لأن لديها أي التزام تجاه المبادرة، وإلا كان هذا قمعا، وليس عملا تطوعيا وتغييرا.

وتستطرد الدجاني، مؤكدة وجهة نظرها من خلال قصص النجاح الكثيرة لمتطوعي "نحن نحب القراءة"، فهناك على سبيل المثال قصة "رنا صدقة" التي انضمت إلى فريق المتطوعين في عام 2013، عندما حضرت دورة تدريبية عن فن القراءة بصوت عال للأطفال، وتعلمت كيفية فتح مكتبة في حيها بمدينة العقبة الأردنية.

وبالرغم من أن رنا أم لأربعة أطفال وتحمل شهادة البكالوريوس في علم النفس، إلا أن ظروفها أعاقتها لفترة من الزمن عن تحقيق ذاتها. ولكن بفضل "نحن نحب القراءة"، أصبح مسجد "الرمال" حاضنة لنشر حب القراءة؛ حيث يجتمع فيه ما يقارب السبعين طفلاً للاستماع إلى القصص التي تحكيها رنا. وتعلق رنا على ذلك قائلة إنه "لأول مرة في حياتي، أشعر بأهمية ما أقدمه للمجتمع". ومع تزايد عدد الأطفال الذين يحضرون جلسات القراءة التي تقوم بها رنا، أصبح مصلى النساء في المسجد مكتظاً، لدرجة أزعجت من يذهبن للصلاة، فقامت رنا بحل المشكلة، عن طريق بناء توسعة للمسجد بمساعدة عائلتها والمجتمع، لتصبح هذه التوسعة هي المكتبة.

* هل يمكن القول الآن إن أطفال الأردن جميعهم أصبح لديهم منفذ يذهبون إليه للاستمتاع بحكي القصص لهم؟
ليس بعد، ولكننا نخطط لحدوث هذا الأمر في السنوات الخمس القادمة، إن شاء الله.

* ما هي أبرز التحديات التي واجهتكم أثناء تنفيذ المشروع في البداية، وهل ما زالت تواجهكم حتى الآن؟
تتذكر الدجاني تلك التحديات قائلة، إن التحدي الأكبر الذي واجه المبادرة في بداياتها، هو الحصول على المصداقية من الناس، وإيمان المجتمع بنجاح النموذج كحل حقيقي. والتحدي الثاني كان الحصول على التمويل. أما التحديات الحالية، فيتمثل التحدي الأول في إمكانية معرفة تتبع انتشار نموذج "نحن نحب القراءة" في دولة الأردن والعالم، والنجاح في ابتكار شبكة لربط كل المتطوعين ببعضهم البعض. التحدي الثاني هو كيفية قياس التأثير على حياة الأطفال بشكل دقيق؛ حيث إن التأثير سيظهر على المدى الطويل، وليس على المدى القصير.

*وماذا عن إنجازات المبادرة؟
تعدد الدجاني إنجازات مبادرة "نحن نحب القراءة" منذ بدايتها، قائلة إنه تم تدريب 750 امرأة حكاواتية، وتكوين 350 مكتبة، والتأثير في 10000 طفل مباشرة (60% إناثا) و50000 طفل بطريقة غير مباشرة في الأردن. كما أنه تم تطوير 10 كتب للأطفال تتحدث عن الحفاظ على الطاقة والمياه، ورمي النفايات.

كما تطور نموذج "نحن نحب القراءة" ليشمل النواحي الاجتماعية والريادية لدى الأفراد العاملين على هذا النموذج، حيث اكتشف الشباب إمكانية كونهم روادا للتغيير في مجتمعاتهم من خلال المكتبات التي ينشئونها في أحيائهم. وقد بدأوا مبادراتهم الخاصة من خلال تحديد المشاكل التي تؤثر عليهم وتزعجهم، والعمل على إيجاد حلول جذرية لها لتطوير بلدهم.
كما كبر هذا النموذج ليشمل جميع أفراد المجتمع، فالرجال في أحياء مخيمات اللاجئين- على سبيل المثال- أصبحوا يشجعون النساء الحكواتيات، وشيوخ المساجد يفتحون أبوابها بفخر للنساء، لإدارة جلسات القراءة، ويقومون بالتبرع لشراء المزيد من الكتب.
كما طور الأطفال ثقافة تتضمن مناقشة الكتب وتوصية الكتب لأصدقائهم. ويخبرنا الأهل باستمرار بأن أولادهم قد أصبحوا أكثر ثقة بأنفسهم، وأكثر محافظة على تطورهم الأكاديمي، وقد أصبحوا يشترون الكتب أكثر من شرائهم للألعاب.
وقد امتدت فوائد نموذج "نحن نحب القراءة" لتشمل إحياء المساجد، ليس فقط كون المسجد مكانا للعبادة، وإنما كمركز مجتمعي، وذلك بتأسيس مكتبة داخل كل مسجد.

* ما هي الأمور الجديدة في مبادرة "نحن نحب القراءة" في عام 2014؟
- قمنا بالتعاون مع جامعة شيكاغو بتطبيق دراسة عن تأثير القراءة على الإحساس بمشاعر الآخرين. وتقوم الفرضية التي نقوم بدراستها حول كون القراءة بصوت عال للأطفال تعمل على زيادة إحساسهم بمشاعر الآخرين.
- قمنا أيضا بطرح مسابقة بين العلماء للإتيان بأفكار لمبادرات اجتماعية، وتشجيعهم على أن يكونوا روادا للتغيير.
- انتشرت "نحن نحب القراءة" في 20 دولة حول العالم: الجزائر، تونس، مصر، ألمانيا، تركيا، فلسطين، لبنان، الأردن، السعودية، الإمارات، أذربيجان، ماليزيا، الولايات المتحدة، أوغندا، قطر، المكسيك، الكونغو، أثيوبيا، بوليفيا، الأرجنتين، وكندا.
- حصلنا على جائزة القمة العالمية للإبداع في التعليم (وايز) من مؤسسة قطر.
- قمنا بتطبيق نموذج "نحن نحب القراءة" بنجاح في مخيم "الزعتري" للاجئين السوريين.

* هل يمكن أن يستفيد اللاجئون المحاصرون بالحرب والأزمات من مثل هذه المبادرات؟
من أبرز النجاحات التي قمنا بها في مبادرة "نحن نحب القراءة" ما تم في "مخيم الزعتري"، فقد أصبح الكبار أنفسهم يطلبون من الحكواتية أن يقرؤوا لهم. كما ارتفع عدد الأطفال في جلسة قراءة واحدة من 15 إلى 56، في غضون أسابيع قليلة. وأصبح الأطفال يستعيرون من المكتبات العامة في المخيم.
ومن التأثيرات النفسية الإيجابية على أطفال اللاجئين من خلال القراءة بصوت مرتفع لهم، أن هؤلاء الأطفال أصبحوا أكثر ثقة بأنفسهم، وتغلبوا على خجلهم، وأصبح الأطفال أكثر تعاوناً مع المجتمع.

كان من الملاحظ أيضا، قبل جلسات القراءة، أن كثيرا من الأطفال لا يذهبون إلى المدرسة، ولكن بعد ذلك أصبحوا متحمسين للذهاب لتعلم القراءة والكتابة.
ويحكي لنا أحد المتطوعين داخل المخيم، واسمه "فادي" قصة فتاة كان يفقدها أهلها في أوقات معينة من الأسبوع، ليعرفوا فيما بعد أن الفتاة كانت تنتقل من قطاع إلى آخر داخل المخيم (وهي مسافة بعيدة) لتستمع إلى قصص فادي، وعندما علم الأب بذلك أصبح يمشي مع ابنته ليوصلها إلى جلسة قراءة فادي.

ويقول فادي إنه بدأ القراءة بثلاثة كتب، إلى أن استلم مجموعة كاملة من الكتب، كما أنه عندما بدأ جلسات القراءة كان يحضر عنده 6 أطفال، وأصبحوا الآن 40 طفلا، وتساعده زوجته في القراءة لهؤلاء الأطفال.
تقول الدجاني إنه قبل إنشاء مكتبات "نحن نحب القراءة" في مخيم "الزعتري"، كان عدد الكتب المعارة من المكتبات العامة يصل إلى 36 كتاباً في اليوم، وبعد إنشاء مكتبات "نحن نحب القراءة" ارتفع الرقم إلى 96 كتاباً في اليوم.

* ما هي أهم النتائج التي توصلتم إليها بعد تنفيذ هذا المشروع؟
أهم نتيجة توصلنا إليها من خلال "نحن نحب القراءة" أننا أثبتنا أن الحلول الناجحة تأتي من الأشخاص الذين يعيشون المشكلة. وهذه هي الحلول المستدامة التي لديها تأثير حقيقي وتخلق تغييرا حقيقيا، لا تقتصر فقط على حل المشكلة وحدها، وإنما تكبر لتتعدى نطاق حل المشكلة لتؤثر إيجابيا على المجتمع بأكمله، بآثار غير متوقعة من قبل المبادر والمفكر الأصلي، وبمدى تأثير أعمق وأشمل وأطول من حياة الشخص المبادر بالحل.

* بعد كل هذه الإنجازات ماذا عن المستقبل؟ وما هي خططكم المستقبلية لمبادرة "نحن نحب القراءة"؟
نشر نموذج "نحن نحب القراءة" في دول أخرى، تطوير المزيد من كتب الأطفال التي تتحدث عن الاندماج الاجتماعي، الحد من العنف، احترام ذوي الاحتياجات الخاصة، تطوير شبكة تضم الحكواتية عن طريق هواتف الموبايل، وتطوير مادة تعليمية عن "نحن نحب القراءة"، والريادة الاجتماعية عن طريق تقنية MOOC.

* هل يوجد لديكم أمل في تغير حال الأمة العربية، وأن تكون الأجيال القادمة أفضل حالا، بفضل تحسن التعليم في القرن الواحد والعشرين، وظهور مشاريع تنموية وثقافية وفكرية مثل "نحن نحب القراءة"؟
تؤكد الدجاني أنها تشعر بالتفاؤل والإيجابية فتقول: نحن نؤمن بتغييرات تحدث الآن في كل حي في الوطن العربي من قبل أفراد رائعين يؤمنون بأنهم هم التغيير. نؤمن بأمرين: أولهما أن الأشياء الصغيرة لها قيمتها (انطلاقا من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تحقرنّ من المعروف شيئا) ونظرية الفوضى التي تنص على أنه إذا حركت فراشة جناحيها في الصين يتكون إعصار في المحيط الأطلسي. وثانيهما أن التغيير الحقيقي يأخذ وقتا. لذلك فنحن لا نتوقع ظهور نتائج جهودنا حتى في حياتنا، وإنما على المدى البعيد في الأجيال القادمة.

*متى يمكنك القول إنك حققت كل آمالك المتعلقة بهذا المشروع؟
حينما يحصل كل طفل في العالم على فرصة للاستمتاع بالقراءة، ويشعر بالحماس والقوة والشجاعة، ويرى العالم الجديد الذي يفتح أمامه من خلال القراءة كل الفرص والاحتمالات الممكنة في العالم، والشعور بالتشجيع، وبأنه يستطيع فعل المستحيل من خلال القراءة. حرمان الأطفال من عيش تجربة القراءة هي حتما جريمة، لأن القراءة تطلق العنان للطفل لاكتشاف العوالم داخل نفسه وخارجها، وتشجعه على إحداث التغيير، والمساهمة في بناء المجتمع والعمل على التغيير من الداخل.

المساهمون