كيف تسيطر الأحزاب اللبنانية على المتضررين منها؟

كيف تسيطر الأحزاب اللبنانية على المتضررين منها؟

29 ديسمبر 2014
+ الخط -
لماذا لا يثور اللبنانيون على واقعهم؟ سؤال يُطرح في كل مرة يتم استعراض ‏الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المواطنون. إلا أن اللبنانيين، ‏فعليّاً، لا يعتبرون أنهم مضطرون للنزول إلى الشارع لتحقيق مطلب ما. أما ‏الأسباب، فعديدة. فلنتحدث أن أبرز الخدمات الضعيفة في لبنان. ‏ 
من المعلوم أن الكهرباء مقطوعة دائماً في لبنان، بفعل تقنين يأكل نصف ساعات ‏النهار، وأحياناً أكثر. أزمة الكهرباء لم تجد أي حل على يد ‏أي طرف من الأطراف المستحكمة بالسلطة العامة في البلاد. الحلول، طبعاً، متوافرة، ‏والمشاريع متكدسة في أدراج الوزراء ورئاسة الحكومة ومجلس النواب. إلا أن لا ‏نيّة فعلية لحل هذه المعضلة. وأيضاً هنا الأسباب عديدة.‏
فقد حوّلت أحزاب السلطة مؤسسة الكهرباء الى مرتع توظيفي وفق محسوبيات ‏حزبية ومذهبية. كذلك، تستفيد الأحزاب من صفقات شراء الفيول، ومن مشاريع ‏الشراكة بين القطاعين العام والخاص، عبر دخول الأحزاب باسم شركات خاصة ‏إلى القطاع للاستيلاء على المال العام... هكذا، تستفيد الأحزاب في غالبيتها من أزمة ‏الكهرباء، وتتمدد استفادتها الى خارج المؤسسة عبر تسليم المحسوبين عليها دفة ‏تقديم الكهرباء البديلة عبر المولدات الى المواطنين بأكلاف مرتفعة. ‏
هنا، يصمت اللبنانيون التابعون لهذه الأحزاب المختلفة، فإذا لم يكن المواطن "أ" ‏موظفاً وفق المحسوبيات، ومديراً لشركة توزيع شركات المولدات، فمن الطبيعي أن ‏يكون أخوه أو ابن عمه أو أحد أقاربه مستفيداً من منظومة الفساد هذه. أما الخارجون ‏من البوتقة الحزبية، فيمارسون الصمت، لعدم إيمانهم بإحداث أي تغيير. ‏
كذا، لا يوجد ضمان شامل في لبنان، وقد تم قتل كل المشاريع المرتبطة بهذه ‏الخدمة في المهد التشريعي. وغياب هذه الخدمة، من المفترض أن يلقي بظلاله ‏الشديدة على حياة اللبنانيين وصحتهم، كونهم غير خاضعين للتغطية الصحية العامة ‏من جهة، في مقابل ارتفاع كلفة التأمين الخاص من جهة أخرى. وهنا أيضاً تبرز ‏المصالح، إذ يسيطر حزب واحد (وحلفاؤه من تحت الطاولة) على توظيفات ‏الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ويعتبر الصندوق "حصّته" المذهبية. ‏
ولكن ألا يتضرر أتباع هذا الحزب، وأتباع حلفائه من غياب هذه الخدمة؟ كلا، فقد ‏اخترع هذا الحزب ما يسمى بالبطاقة الصحية. بطاقة تسمح لأتباع الحزب وأتباع ‏حلفائه بالاستفادة من تغطية صحية شبه كاملة بكلفة تصل الى 7 دولارات شهريّاً. ‏وطبعاً لا يدفع الحزب من جيبه الخاص لتمويل هذه البطاقة، إذ تتم تغطيتها من ‏وزارة الصحة التي يسيطر عليها الحزب نفسه! أمّا أتباع الأحزاب المناوئة، فهم إمّا ‏لا يعرفون شأن هذه البطاقة، أو لا يتحركون لأن أحزابهم لديها، أيضاً، حصتها ‏المذهبية في مؤسسات عامة أخرى. وعلى أي حال، إن تحركوا فسيتم جرف ‏مطالبهم الى خندق السياسة. ‏
لننتقل إلى قضية أخرى، تنتشر في لبنان آلاف الجمعيات ذات الطابع المذهبي، التي ‏تقدم خدمات للمواطنين، خدمات تبدأ بالمساعدات العينية الغذائية وتصل إلى التعليم ‏‏"المجاني"، والطبابة "المجانية". هل فعلاً تقدم هذه الجمعيات المذهبية التي يتبع ‏غالبيتها أحزاباً في السلطة خدمات مجانية؟ من خلال تتبع مستندات وزارة ‏الشؤون الاجتماعية، يمكن وبكل سهولة تبيان أن هذه الجمعيات والمدارس ‏والمستوصفات تحصل على مخصصات كبيرة من الوزارة، أي من الحكومة، أي ‏من المال العام، وذلك من الضرائب التي يدفعها كل اللبنانيين من شتى الاتجاهات ‏والفئات الاجتماعية. ويظهر في هذا الملف، كيف تموّل الأحزاب المذهبية الموجودة ‏في السلطة، وجودها المجتمعي، وتثبت حضورها وتؤمن استمرارية طغيانها ‏القسري. ‏
هي صورة مختصرة لثلاث خدمات فقط، تُظهر آلية سيطرة حزب لبناني على ‏آلاف الأتباع. يتم منع تقديم خدمة عامة وأساسية، في المرحلة الأولى. يتعطش ‏الناس للحصول على هذه الخدمة. يقدم الحزب الخدمة التي منعها في مجلسي ‏النواب أو الوزراء أو كليهما، من جيبة المواطنين، ولكن على شكل خدمة حزبية. ‏يرتبط المواطن بالحزب عبر مصلحة أساسية. يعتاد المواطن على هذا الارتباط ‏ويدافع عنه ليدافع فعليّاً عن وجوده. تتم تغذية هذه المصلحة بأفكار مذهبية. تكتمل ‏معادلة السيطرة – الانصياع. وتستمر الدوّامة. ‏

المساهمون