"بشرة لبنانية، أقنعة بيضاء"

"بشرة لبنانية، أقنعة بيضاء"

24 ديسمبر 2014
يلجأ أصحاب العمل إلى تفضيل الجنسية اللبنانية!! (Getty)
+ الخط -

أنا لبنانية.. كلمتان سحريتان يكفي أن تتفوه بهما أي فتاة حتى تخطف الأنظار إليها. كلمتان كفيلتان بإشعارها بأن جنسيتها تلك هي إنجاز عظيم. كلمتان تضمنان لها دفعة قوية في سوق العمل العربي، مخترقة بذلك كافة المعايير العلمية المفترض اتباعها عند التوظيف. فالجنسية اللبنانية في العالم العربي هي وثيقة العبور التي تكفل لصاحبتها، في الكثير من الأحيان، التفوق على الميزات، الأساسية منها والإضافية، لدى غيرها من الفتيات العربيات.

من المعلوم والمتداول في العديد من الدول العربية أنه قد يكفي أن تكون الفتاة لبنانية لكي تحصل على وظيفة ما، بحيث يلجأ أصحاب العمل إلى تفضيل الجنسية اللبنانية على غيرها من الجنسيات العربية، ما يعني أن الوثيقة التي تحملها تلك الفتاة تخولها الحصول على نوع من الامتيازات.

لكن ما هو التصنيف الفعلي لجواز السفر اللبناني؟ بحسب دليل "هينلي أند بارتنرز" لعام 2014، فقد حل جواز السفر اللبناني في المركز 17 عربيا، و182 عالميا، متساوياً بذلك مع الجواز السوداني. ومع ذلك، لماذا لا يتم التعامل مع اللبنانيات والسودانيات مثلا على حد سواء؟ لماذا ينظر إلى اللبنانيات على أنهن أكثر (أو الأكثر) تفوقا؟

بالطبع، الأمر لا علاقة له بالعلم أو الخبرة أو الذكاء أو المهارات، المكتسبة منها وغير المكتسبة، حيث إن هكذا تصنيف لا يمكن بالضرورة أن ينطوي على جنسية معينة. إذاً "تفوق" الفتاة اللبنانية يعود إلى أسباب وضعية مختلفة، والدليل على ذلك أن الفتاة اللبنانية ذاتها التي تعامل بفوقية في العالم العربي، لا تلقى نفس المعاملة في الغرب.

لكن لماذا هذا الاختلاف في التعامل بين عربية وأخرى؟ وعلى أي أساس؟ يقول فرانتز فانون في كتابه "بشرة سوداء، أقنعة بيضاء": "جميع الشعوب المستعمَرة التي خُلقت في نفسها عقدة النقص جراء وفاة أو دفن ثقافتها المحلية الأصلية، تجد نفسها في مواجهة لغة أو ثقافة البلد المستعمِر. المستعمَر يترفّع عن الوضعية الهمجية التي ينتمي إليها بقدر تبنيه للمعايير الثقافية للمستعمِر. وإنه يصبح أكثر بياضا بقدر ما ينبذ سواده".

الأمر لا يتوقف عند أصحاب البشرة السوداء، بل ينطبق على ذوي البشرة الملونة جميعا، بمن فيهم نحن العرب. ذلك الشعور بالدونية يكمن في النظرة إلى العرق الأبيض على أنه الأكثر تحضرا وحداثة وتطورا. وفي نفس الإطار، يقول فانون إن توق الرجل ذي البشرة الملونة لإقامة علاقة مع فتاة بيضاء هو توق لأن يصبح هو نفسه أبيض. لقد نجح الإعلام اللبناني في تعزيز، أو ربما إسقاط، الصورة النمطية للفتاة اللبنانية "الغربية"، أي تلك الأكثر قربا من النموذج "الأمثل" للفتاة الذي علّمنا المستعمِر أن تحتذي به، وذلك اعتمادا على المعايير الاستعمارية البيضاء للجمال والتفوق والتميز.

ومن هذا المنطلق، كلما اقتربت الفتاة من صفات المرأة البيضاء، ارتفعت عن "الدونية" التي يوصم بها العرق غير الأبيض. وبهذه الطريقة، أصبحت الفتاة اللبنانية هي الفتاة العربية "البيضاء". الأكيد في الأمر أن الفتاة اللبنانية لا تنتمي إلى العرق الأبيض، إلا أنها تتمتع بالامتيازات التي تحصل عليها من تشبه أو تتشبه بالمرأة البيضاء.

إن نظرة الشباب العربي إلى الفتاة اللبنانية تعود أسبابها إلى ما يعرف بالعنصرية المنضوية (internalized racism)، حين يلجأ الأشخاص الذين ينتمون للعرق نفسه إلى تصنيف أفراد من جماعتهم العرقية، أي بنات جلدتهم، على أساس تشابههن مع المرأة البيضاء. وبذلك فإنهم يكرسون، عن وعي أو دونه، مفهوم التسلسل العرقي الذي يضع العرق الأبيض بالمطلق، أو من يشبهه، في المراتب المتفوقة.

وبهذه الطريقة، يتعامل الشباب العربي مع الفتاة اللبنانية على أنها الأجمل والأذكى والأكثر تفوقا، فمجرد تماهيها مع المرأة البيضاء يضعها في مكانة متقدمة على غيرها من الفتيات العربيات. هذه العنصرية المنضوية تقف حاجزا أمام تحقيق المساواة داخل العرق الواحد، حيث إن التسلسل الهرمي العرقي يخترق العرق الواحد ليعطي امتيازا لذوي البشرة الفاتحة على ذوي البشرة الداكنة، أي في هذه الحالة، الفتيات اللبنانيات اللواتي يمثلن، في نظر الشباب العربي، المرأة البيضاء.


*لبنان

المساهمون