تهجير اللبنانيين لدعم النظام الاقتصادي والسياسي المختل

تهجير اللبنانيين لدعم النظام الاقتصادي والسياسي المختل

03 نوفمبر 2014
تصدير الشباب لتحويل الأموال (عمار نعماني/فرنس برس/getty)
+ الخط -
اقتصاد مختل، أو ربما أرادوه مختلاً، لكن الأزمة واقع. كثيرة هي الأمور التي يتغنى بها اللبناني. عبارة "قدرة اللبناني على الإبداع ورفع اسم وطنه في الخارج"، لا تكاد تفارق لسان أي مسؤول. أما التغني بتحويلات المغتربين، فحكاية "مجد" لا تنتهي. قليلون هم الذين يتحدثون عن التهجير القسري، وعن فاتورة الهجرة التي يدفعها الاقتصاد اللبناني. 
فقد رسمت السياسة اللبنانية معادلتها وفق نمط التهجير مقابل التحويل المالي، للحفاظ على الاستقرار المعيشي، واستمرارية النظام السياسي. وقد نجحت هذه السياسة بعدما وصلت أرقام التحويلات إلى 7.5 مليار دولار، أي ما يعادل 30% من الناتج القومي. وبعدما حوّلت الشباب إلى سلع ذات مردود مالي، يبيعون قوى عملهم لاقتصادات أخرى، بهدف إسكات الداخل.
هذه النتيجة عززت رضا الجمهور بالسياسات الاقتصادية المتبعة منذ انتهاء الحرب الأهلية. لا بل ساهمت في غياب أي ملامح للربيع العربي في أكثر البلدان حاجة للتغيير.

هجرة مهولة 


ووفق الخبير الاقتصادي كمال حمدان، فإن الدراسات تشير إلى أنه منذ عام 1975 إلى اليوم، هاجر ما بين 800 ألف ومليون شاب إلى الخارج، فيما لم يصل معدل النشاط العملي للبنانيين داخل لبنان إلى هذا الرقم.
ويقول حمدان لـ"العربي الجديد": "وفق هذه المعادلة، فهناك أسرة من بين 3 أسر تعيش على تحويلات الخارج. فيما تصل النسبة إلى أسرة من أصل أسرتين فقط تعمل داخل لبنان. هذا الأمر يساهم في تشجيع اللبنانيين على تصدير أبنائهم إلى الخارج". ويضيف: "ساهمت التحويلات المالية بلا شك في إضعاف الحراك الشعبي المطلبي. لا بل ساهمت أيضاً في إضعاف الحركة الديمقراطية في لبنان، والرضوخ للنمط السائد في إدارة البلاد".
ويعتبر حمدان أن التغني بحجم الأموال المرسلة ودورها في تعزيز الاقتصاد، "يعزز حلقة مفرغة يدور حولها ما يسمى اقتصاد لبنان، كونها لا تخدم سوى تعزيز قلة تتحكم في إدارة دفة البلاد". وأن "سياسة التهجير ألهت اللبنانيين عن الالتفاف حول مشاكل الفقر والعوز".
وتشير دراسة عن "المساهمة المالية للمغتربين وأثرها على الأوضاع المعيشية في لبنان"، أعدتها جامعة القديس يوسف، إلى أن المساعدات المالية التي يرسلها الشباب لعائلاتهم في لبنان هي بمثابة الرئة التي تضخ الأكسجين لاستمرارية حياة ذويهم.
وأوضحت معدة الدراسة الدكتورة شوغيك كاسباريان أن العدد الأكبر من 70.9% من الشباب يرسلون مساعدات مالية لعائلاتهم في لبنان. بينهم 44,2% يقومون بذلك بشكل منتظم.
وبحسب بيانات البنك الدولي، احتل لبنان المراكز الأولى لجهة حركة التدفقات المالية من الخارج، بعد ما سجّل سابع أعلى ‏نسبة نمو بين الاقتصادات النامية الـ15 الأكثر تلقياً لتحويلات المغتربين في عام 2013. وحل في المرتبة 18 عالمياً و12 بين الاقتصادات النامية حيال حجم التحويلات. ما يعني أن لبنان احتل المركز الأول في تراجع كافة النشاطات التي تولد النمو الحقيقي.
ولا يتردد الخبير المصرفي نسيب غبريل في إظهار دور التحويلات المالية في تعزيز الوضع النقدي، ويقول لـ"العربي الجديد": "ساهمت التحويلات الخارجية‏ بشكل رئيسي في تأمين الاستقرار النقدي، وأتاحت للقطاع المصرفي أن يلعب دوراً محورياً في الاقتصاد، الذي يساهم بدوره في تأمين الاستقرار الاجتماعي". ويضيف: "بالرغم من الدور الذي تلعبه التحويلات، إلا أنها ما زالت محل نقاش حول دورها في ضبط التحركات الاجتماعية، ‏إذ تشير بعض النظريات إلى أن ارتفاع نسب التحويلات يساهم في تأمين الاستقرار، حيث يشعر المواطنون الذين يتلقون مساعدات من ذويهم بالطمأنينة والرضا عن واقعهم".
أما رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، الذي لم يدع لأي تحرك مطلبي فعلي منذ سنوات طويلة، فلا يرى أي علاقة بين التحويلات الخارجية واستمرار النظام، ودليله وفق حديثه مع الـ"العربي الجديد": "شهد لبنان إضرابات ‏عمالية، في قطاعات عديدة، منها الكهرباء، وتحرك القطاع العام".

المساهمون