ودائع الضحايا المعلّقة... نظام الأسد حجز أموالهم في أثناء الاعتقال

04 نوفمبر 2025   |  آخر تحديث: 08:42 (توقيت القدس)
الصحافي محمد درويش يصوّر زنزانة في فرع فلسطين في دمشق اعتقل فيها (13/12/2024 فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- قضية الودائع المالية للمعتقلين في سوريا تتعلق بممتلكات وأموال محتجزة من قبل النظام السوري السابق، حيث لم يتمكن العديد من المعتقلين السابقين من استعادتها بعد سقوط النظام في 2024، مما يثير تساؤلات حول العدالة والحقوق المالية.

- يواجه المعتقلون السابقون تحديات قانونية وإجرائية في استعادة ودائعهم بسبب غياب الوثائق، كما أن بعض الودائع تظل على لوائح العقوبات الدولية، مما يعقد عملية استردادها.

- رغم بعض المحاولات الفردية الناجحة، يتطلب الحل الشامل إجراءات قانونية وتشريعات تضمن استعادة جميع الودائع المحتجزة، مع العودة إلى ضبوط الأفرع الأمنية وأمانات الشرطة المدنية.

أين ذهبت ودائع المعتقلين؟ سيبقى هذا السؤال معلّقاً، مثل الودائع نفسها. واسمها ودائع، لأنها ليست مصادرات، ولا مفقودات، بل هي أموال وذهب وممتلكات عينية كانت مع أشخاص حين اعتقلهم النظام، إما في سياراتهم التي اعتقلوا فيها، أو بيوتهم التي أخذوا منها. وحين وجهنا هذا السؤال للمركزي السوري، رفض الرد وأبقى الجواب والأموال معلّقة. 

عندما سقطت جدران النظام السوري السابق، بقيت أموال نبيل عالقة في ذلك الحساب البنكي التابع لفرع فلسطين في البنك المركزي السوري. أربعون ألف دولار لم تُسترد حتى الآن وسط غموض مسار استردادها جراء عدم امتلاك نبيل لما يثبت استيلاء الفرع على ذاك المبلغ. 
وكان نبيل الذي يعمل في الإكساءات العمرانية، قد اعتقل في عام 2021 بتهمة تمويل تنظيم إرهابي (التهمة التي وجهها النظام المخلوع لمئات آلاف السوريين)، وكُتب في الضبط الذي نظمه فرع فلسطين "قبض وبحوزته 40 ألف دولار وشحنة سلاح"، ومن ثم جرى تحويله إلى فرع الخطيب وبينما كُتب في ضبط فرع فلسطين قيمة المبلغ، لم يذكر ضبط فرع الخطيب المبلغ الذي كان بحوزته وفق ما قال لـ "سوريا الجديدة".

"المصاري في البنك المركزي وديعة"، أجاب ضابط التحقيق بفرع فلسطين عن سؤال نبيل حول المبلغ الذي كان يحمله حينذاك.

خرج نبيل يوم سقوط النظام، لكنه لا يملك أية ورقة أو وثيقة تثبت احتجاز فرع فلسطين ذاك لمبلغ الذي كان بحوزته

وتثير قضية الودائع المالية لأشخاص اعتقلوا خلال فترة حكم النظام السوري السابق مع عدم قدرتهم على استعادتها مشاكل تتعلق بالحقوق المالية والعدالة، ومدى إمكانية وصول هؤلاء المتضررين إلى مواردهم المالية وسط تحديات قانونية وإجرائية تعيق استعادة تلك الودائع. وبعد سقوط النظام السوري السابق أواخر 2024، برزت مشكلة جديدة تتعلق بأموال تجار وأشخاص عاديين تعرضوا للاعتقال وخرجوا بعد السقوط ليجدوا أموالهم وودائعهم ما تزال محجوزة لدى البنك المركزي الذي رفض التعليق على تلك القضية. 

لا وثائق تثبت الودائع

خرج نبيل يوم سقوط النظام، لكنه لا يملك أية ورقة أو وثيقة تثبت احتجاز فرع فلسطين ذاك لمبلغ الذي كان بحوزته. "لجأت إلى محامي كي استرد وديعتي"، كما قال، معبراً بحزن وألم في حديثه عن أن محاميه لم يتمكن من القيام بأية إجراءات قانونية لعدم وجود أية وثيقة تثبت احتجاز المبلغ ومكان وجوده. 
حاول محامي نبيل مساعدته من خلال التواصل مع موظف في البنك المركزي، لكنه لم يتمكن من الوصول إلى أية معلومات تساعد نبيل في استرداد وديعته، "حل المشكلة يبدأ في البنك المركزي عبر الكشف عن الودائع المالية سواء كانت بمبالغ كبيرة أو صغيرة، وفق ما قال محامي نبيل.
وفي محاولة منها لمعرفة كيفية استعادة تلك الودائع، تواصلت "سورية الجديدة" مع المسؤول عن المكتب الإعلامي في البنك المركزي السوري علي المحمود، لكنه امتنع عن الإجابة على أسئلة التقرير بعد وصولها إليه ومنحه الوقت الكافي للرد. 

ودائع على لوائح العقوبات

بينما تعرض سوريون كثيرون لخسارة أموالهم وممتلكاتهم واحتجزها القضاء السوري قبل سقوط النظام السابق يبقى لديهم أمل في استعادتها بعد صدور مرسوم بإلغاء جميع قرارات الحجز الاحتياطي الصادرة بين عامي 2012 و2024، وطالت ممتلكات آلاف السوريين. أصدره الرئيس أحمد الشرع ويحمل الرقم 16 لعام 2025. 
تعليقاً على ذلك، أوضح الخبير المصرفي علي محمّد أن هناك أيضاً ودائع بنكية لأشخاص ما تزال على لوائح العقوبات الأميركية والأوروبية. وهو ما يمنع إزالة ودائعهم من الحجز، كما قال لـ "سورية الجديدة". ولكن لا أمل لدى نبيل في استعادة وديعته لعدم وجود ما يثبت احتجازها قانونياً. وهو ليس حالة فريدة، إذ كان سوريون كثر يعملون في مهنة الصرافة بلا ترخيص خلال حكم النظام السابق، ومنهم فهد الذي اعتقل وبحوزته عشرة آلاف دولار من قبل فرع المخابرات الجوية عام 2020. 
يقول في حديثه لـ "سورية الجديدة": "بقيت معتقلاً بتهمة تمويل الإرهاب خمس سنوات"، خرج بسقوط النظام السابق، ولا يعلم  إن كان قادراً على استعادة ما خسره من أموال.

أعيد أخيراً مصاغ ذهبي لسيدة معتقلة سابقة ومبلغ لشخص آخر، وانتشر خبر على وسائل التواصل الاجتماعي عن إعادة الأموال لثلاثة أشخاص

حسابات بنكية أمنية

توضح مصادر عدلية بدمشق أن أغلب أفرع الأمن السابقة كان لديها حسابات بنكية يجري إيداع أموال من يعتقل في حساب الفرع لدى البنك المركزي، "يجري إيداعها لصالح الشخص المعتقل في حساب الفرع". وعندما يخرج يسترد أمانته ومنها المبلغ ولكن ذلك لم يحصل في الواقع. 
ويعاني كثيرون من المعتقلين سابقاً من عدم قدرتهم على استرداد أموالهم بحجة أنه لا دليل لديهم على حجز أموالهم، "لا دليل على وجود تلك الإيداعات من قبل أفرع الأمن بعد سقوط النظام"، كما قالت المصادر العدلية لـ "سورية الجديدة"، والتي أفادت بأن الحل يكمن في العودة إلى ضبوط الأفرع الأمنية لمعرفة مصير تلك الودائع البنكية، موضحةً أن من خرج قبل سقوط النظام ولديه وديعة بنكية ولم يتمكن من استعادتها يمكنه الرجوع إلى أمانات الشرطة المدنية التي تُحوّل لها "ورقة الأمانات" لكل معتقل خرج من دون حصوله على أماناته، وخصوصاً في حال كانت تلك الأمانات مبالغ كبيرة. 
عاش نبيل فرحة خروجه من الاعتقال، لكنه في المقابل يريد استعادة أمواله التي ما تزال "محتجزة في البنك المركزي"، وفق تعبيره، يقول: "معقول انحبس أربع سنين واخسر مبلغ كبير أكثر من نصفه يعود لأشخاص آخرين كانوا يعملون معي". 
أعيد أخيراً مصاغ ذهبي لسيدة معتقلة سابقة ومبلغ لشخص آخر، وانتشر خبر على وسائل التواصل الاجتماعي عن إعادة الأموال لثلاثة أشخاص، لكن الحل الكامل والعادل الذي يعيد حقوق الناس يتطلب إجراءً قانونياً يشمل كل حالات الحجز في أثناء الاعتقال.

المساهمون