من يُجرد من؟ مقاومة الاحتلال بين مشروعية السلاح والضغط السياسي

26 مايو 2025   |  آخر تحديث: 08:51 (توقيت القدس)
محتجون في لاهاي يطالبون بفرض عقوبات على إسرائيل، 18 مايو2025 (بوب رايندرز/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت الأشهر الأخيرة تصاعد الجدل حول نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، حيث اشترطت إسرائيل ذلك كجزء من اتفاق الهدنة، مما أدى إلى انهيار المفاوضات واستئناف العدوان على غزة.
- يتعارض نزع السلاح مع القانون الدولي الذي يكفل حق الشعوب المحتلة في المقاومة، بما في ذلك الكفاح المسلح، مدعوماً بقرارات الأمم المتحدة مثل القرار 3103 لعام 1973.
- تُعتبر الأراضي الفلسطينية محتلة، مما يمنح الفلسطينيين حق المقاومة المسلحة، ويضع إسرائيل في مأزق قانوني وأخلاقي عند محاولتها نزع السلاح.

شهدت الأشهر الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في الجدل السياسي والإعلامي حول مسألة نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، وذلك في ظل المفاوضات المتواصلة بشأن تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة. فقد كشفت تقارير إعلامية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مستعد للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق الهدنة وتبادل الأسرى بشرط نزع سلاح المقاومة، وإبعاد قادتها من القطاع. إذ طُرِحَ هذا الشرط بوصفه بندا جوهريا في هندسة المرحلة التالية من الاتفاق، الأمر الذي قوبلَ برفض صارم من قِبَل فصائل المقاومة الفلسطينية، باعتباره مساسا مباشرا بحق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه ومقاومة الاحتلال. وقد أدى هذا التعثر إلى انهيار المسار التفاوضي، واستئناف العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، وذلك بعد فترة قصيرة من الهدوء النسبي؛ شهدت تنفيذا جزئيا للاتفاق تمثل في تبادل الأسرى، وإدخال مساعدات إنسانية، إلى جانب إجلاء عدد من المصابين والمرضى من القطاع المحاصر.

يتعارض نزع سلاح المقاومة مع المبادئ المستقرة في القانون الدولي، فحق الشعوب الخاضعة للاحتلال في مقاومته، بما في ذلك الكفاح المسلح، هو حق أصيل ومكفول بموجب مختلف الشرائع والاتفاقيات الدولية. وقد ترسخ هذا المبدأ بعد الحرب العالمية الثانية، مع تنامي حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار، وبدأت المنظومة القانونية الدولية في قوننة هذا الحق بوضوح، لا سيما عبر ميثاق الأمم المتحدة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

إن أية محاولات لفرض نزع السلاح في سياق الاحتلال تُعد تجاوزا خطيرا للقانون الدولي، ومساسا جوهريا بالحقوق غير القابلة للتصرف

كما واصلت الشرعية الدولية تعزيز هذا المسار من خلال عدد من قرارات الجمعية العامة للأمم المتّحدة، أبرزها القرار رقم"3103 " لسنة 1973، الذي أرسى مبادئ واضحة بشأن الاعتراف القانوني بمقاتلي حركات التحرر ضد الاحتلال والاستعمار والأنظمة العنصرية، وأكد على ضرورة معاملتهم أسرى حرب، وفقا لقواعد القانون الدولي الإنساني. بل ذهب القرار إلى أبعد من ذلك؛ حين دعا الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى تقديم الدعم السياسي والمادي والمعنوي لحركات المقاومة، التي تناضل من أجل الحرية والاستقلال، وهو ما ينطبق تماما على الحالة الفلسطينية.

كما عززت الجمعية العامة هذا التوجه في قرارها الصادر عام 1978، من خلال النص صراحة على شرعية كفاح الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية، أو الاحتلال الأجنبي من أجل تقرير مصيرها بجميع الوسائل المتاحة، بما فيها الكفاح المسلح، مما يمنح المقاومة الفلسطينية سندا قانونيا دوليا في مواجهة كل محاولات التجريم أو النزع القسري للسلاح.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

على المستوى العملياتي والقانوني، يُصنف وضع الأراضي الفلسطينية في كل من قطاع غزة والضفة الغربية على نحو واضح بأنها أراض محتلة، وفقا لقواعد القانون الدولي، ولا سيما اتفاقيات جنيف الرابعة لعام 1949. ووفقا لهذا التصنيف، فإن الشعب الفلسطيني يُعد شعبا خاضعا لسيطرة احتلال أجنبي، بما يترتب عليه من حق أصيل ومشروع في مقاومة هذا الاحتلال بجميع الوسائل التي كفلتها القوانين والمواثيق الدولية.

وتؤكد المبادئ العامة للقانون الدولي، ومنظومة الشرعة الدولية لحقوق الإنسان أن مقاومة الاحتلال لا تُعد حقا للشعوب فقط، بل في بعض السياقات تُصبح واجبا سياسيا وأخلاقيا دفاعا عن الكرامة الوطنية والسيادة الشعبية. ويشمل هذا الحق المشروع كافة أنماط المقاومة، بما في ذلك الكفاح المسلح، الذي يحظى بحماية قانونية وشرعية دولية، ويُعتبر حمل السلاح ضد الاحتلال في هذا السياق فعلا مقاوما لا يجوز نزع شرعيته أو تجريمه.

على المستوى العملياتي والقانوني، يُصنف وضع الأراضي الفلسطينية في كل من قطاع غزة والضفة الغربية على نحو واضح بأنها أراض محتلة

ومن ثم، فإن أية محاولات لفرض نزع السلاح في سياق الاحتلال تُعد تجاوزا خطيرا للقانون الدولي، ومساسا جوهريا بالحقوق غير القابلة للتصرف، التي يتمتع بها الشعب الفلسطيني في سعيه نحو تقرير المصير والتحرر الوطني.

بناء على الاعتراف الدولي بشرعية مقاومة الاحتلال، تجد إسرائيل ومن يدعمها من القوى الدولية أنفسهم في مأزق قانوني وأخلاقي، إذ يصطدم مشروعهم الرامي إلى نزع سلاح المقاومة بتناقض صارخ مع قواعد القانون الدولي. ولتفادي هذا الإحراج القانوني، تلجأ الأطراف الداعمة للاحتلال إلى تشويه صورة المقاومة عبر وسمها بالإرهاب أو التخريب، في محاولة لتجريم فعل مشروع ومحمي دوليا. غير أن مثل هذه المحاولات تتنافى مع النصوص الصريحة في القانون الدولي، الذي يُقر بوضوح بحق الشعوب الخاضعة للاحتلال في الدفاع عن نفسها بكافة الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح.

إن غياب أي نص قانوني دولي يمنع استخدام السلاح في مواجهة الاحتلال، يُفضي إلى نتيجة قانونية حاسمة مفادها أن المقاومة المسلحة تُعد حقا لا يجوز تقييده أو مصادرته. وتذهب المواثيق الدولية إلى ما هو أبعد من مجرد الاعتراف، إذ تُحمل الشعوب الواقعة تحت الاحتلال مسؤولية مواصلة النضال والكفاح حتى التحرر الكامل. كما تؤكد هذه المواثيق أن الاحتلال لا يستند إلى أي شرعية قانونية أو سيادة مشروعة، بل هو سلطة مفروضة بالقوة والغلبة، ومن ثم فإن إنهاء هذا الوضع القسري لا يمكن إلا بقوة مضادة، بصرف النظر عن طبيعتها أو أدواتها.

المساهمون