غريتا تونبرغ... من الدفاع عن الكوكب إلى وجدان فلسطين

27 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 28 أكتوبر 2025 - 21:05 (توقيت القدس)
435
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في عام 2025، شاركت الناشطة غريتا تونبرغ في "أسطول الصمود" لكسر الحصار عن غزة، مؤكدةً أن العدالة لا تتجزأ وأن حماية الكوكب تبدأ من حماية الإنسان.
- اعتُقلت تونبرغ من قبل البحرية الإسرائيلية وتعرضت لسوء معاملة، لكنها دافعت عن موقفها بربط العدالة المناخية والاجتماعية والسياسية، معتبرةً أن الاحتلال والتدمير البيئي ينبعان من نفس منطق السيطرة.
- أثارت رحلتها اهتمامًا عالميًا، حيث منحت القضية الفلسطينية بعدًا إنسانيًا وفتحت نقاشًا حول النضال في عصر الأزمات المتعددة.

في عالمٍ يشهد تفاقم الانقسام بين قوىً تدّعي الدفاع عن الإنسان وأخرى تمارس أبشع الانتهاكات بحقّ البشرية، برزت الناشطة السويدية غريتا تونبرغ وجهً جديدًا يعبر عن الضمير الأممي، فبعد أن اشتهرت باعتبارها مدافعةً عن البيئة، ومكافحة التغير المناخي، قررت أن تبحر نحو قطاع غزّة المحاصر في مارس/آذار 2025، حاملةً رسالةً واضحةً مفادها أن العدالة لا تتجزأ، كما أنّ حماية الكوكب تبدأ من حماية الإنسان (صحيفة سفينسكا داغبلادت السويدية، 2025).

مشاركتها في أسطول الصمود الذي انطلق من إيطاليا في يونيو/حزيران 2025 لكسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزّة لم تكن مجرد خطوةٍ رمزيةٍ، بل كانت فعلًا سياسيًا جريئًا يتحدى الصمت الدولي، ويعيد تعريف معنى التضامن في القرن الحادي والعشرين (وكالة الأنباء الأميركية أسوشييتد برس، 2025).

مواقف أخلاقية تتجاوز البيئة

منذ بدايات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، عبّرت تونبرغ بوضوح عن رفضها لما وصفته بـ«التطبيع الأخلاقي مع الجريمة»، مؤكّدةً أنً ما يجري ليس صراعًا متكافئًا بين طرفين، بل احتلالٌ ممنهج لشعب يُحرم من حقّه في الحياة والحرية. كما تجلى في كلمة ألقتها قبيل إبحار الأسطول من برشلونة، بقولها: "حين نتوقف عن السعي من أجل العدالة، نفقد إنسانيتنا".

رغم الانتقادات التي وُجّهت إليها بأنّها خرجت عن نطاق اختصاصها "ناشطةً مناخيةً"، ردت تونبرغ في مقابلة متلفزة قائلةً: "كيف يمكن أن أدافع عن الكوكب وأصمت على قتل البشر؟"

لاحظت صحيفة دير شبيغل الألمانية أن تونبرغ تجاوزت الخطاب البيئي الكلاسيكي، بربطها بين العدالة المناخية والعدالة الاجتماعية والسياسية، معتبرةً أن الاستعمار العسكري والتدمير البيئي يصدران عن المنطق ذاته: منطق السيطرة والاستغلال.

أسطول الصمود... جبهة المقاومة البحرية

في يونيو 2025، أبحرت السفينة مادلين باتجاه قطاع غزّة ضمن تحالف دولي يضم نشطاء من أكثر من عشرين دولةً. بهدف معلن هو كسر الحصار البحري المفروض على القطاع منذ عام 2007. لم تكن الرحلة مجرد مغامرة إنسانية، بل تحديًا مباشرًا لهيمنة القوة الاستعمارية على القانون الدولي، فقد أكّدت تونبرغ في تصريحاتها أن «الحصار جريمة يجب أن تُكسر»، مشددةً على أنّ الصمت الدولي مشاركةٌ في الجريمة ذاتها.

وبحسب تقارير وكالة الأنباء الفرنسية، اعترضت البحرية الإسرائيلية السفينة واعتقلت المشاركين، ومن بينهم تونبرغ. بينما وصفت تل أبيب الرحلة بأنّها "استفزاز متعمد"، ردّت الناشطة السويدية قائلةً إنّ تلك التصريحات «محاولة يائسة لتبرير القمع».

بعد أيّام من الضغوط الدولية، أفرج عن تونبرغ في أغسطس/آب 2025، ورُحّلت قسرًا من الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكنها خرجت من التجربة أكثر صلابةً، وقالت في تصريح لصحيفة الغارديان البريطانية: "ما رأيته في الزنازين الإسرائيلية لا يمكن وصفه بالكلمات. لا يمكن للعالم أن يُدير ظهره لغزّة بعد الآن".

وفي تصريحات لاحقة نشرتها وكالة الأناضول التركية، كشفت تونبرغ عن تعرضها خلال الاحتجاز للإهانة وسوء المعاملة، وقالت إنها حُرمت من الماء والنوم، وضُربت على وجهها، وأُجبرت على حمل العلم الإسرائيلي أمام الكاميرات، واصفةً التجربة بأنًها "إهانة متعمدة للكرامة الإنسانية".

إفادات الصحافة العالمية

تناولت وسائل الإعلام العالمية رحلة تونبرغ من زوايا مختلفة، وعبّرت عن تباين في المواقف تجاه ربطها بين النضال البيئي والسياسي. إذ أكّدت وكالة الأنباء الأميركية أسوشييتد برس اعتراض البحرية الإسرائيلية السفينة في المياه الدولية، ومن ثمّ اقتيادها إلى مرفأ أشدود، قبل ترحيل النشطاء. كما ذكرت صحيفة التايم الأميركية أن الاعتراض البحري شكّل سابقةً خطيرةً لأنّه استهدف "أسطولًا إنسانيًا يحمل رموزًا عالمية للسلم". ومن جهتها نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تصريحات تونبرغ التي وصفت ما حدث بأنه "اختطاف" للسفينة، معتبرةً أنّ العملية "تكشف ذعر السلطات الإسرائيلية من أيّ صوت يواجه الحصار".

عبّرت تونبرغ بوضوح عن رفضها لما وصفته بـ«التطبيع الأخلاقي مع الجريمة»، مؤكّدةً أنً ما يجري ليس صراعًا متكافئًا بين طرفين، بل احتلالٌ ممنهج لشعب يُحرم من حقّه في الحياة والحرية

أما دير شبيغل الألمانية؛ فكتبت أن تونبرغ "وسّعت تعريف العدالة البيئية لتشمل ضحايا الاحتلال"، مضيفةً أنّ نشاطها "منح القضية الفلسطينية بعدًا إنسانيًا يتجاوز الأيديولوجيا والسياسة". وفي السويد، أشارت صحيفة سفينسكا داغبلادت إلى أنّ شعبية تونبرغ تضاعفت بعد الحادثة، في حين واجهت وزارة الخارجية السويدية انتقادات حادةً لتأخرها في التدخل للإفراج عنها. كما أوردت صحيفة أفتونبلاديت السويدية شهادة تونبرغ حول تعرضها للركل والإهانة أثناء احتجازها، ما أثار موجة تضامن واسعة في الأوساط الحقوقية الأوروبية.

وفي تقارير جديدة نشرتها الغارديان في أكتوبر/تشرين الأول 2025، وُجّهت إلى إسرائيل اتهامات رسمية بانتهاك المعايير الدولية في معاملة النشطاء، في ما وصف مراقبون الأسطول بأنّه "رمز لولادة حركة تضامن كونية جديدة".

التسلسل الزمني للأحداث

في مارس/آذار 2025؛ أعلنت غريتا تونبرغ دعمها المقاومة المدنية في قطاع غزّة، داعيةً إلى "مناصرة البيئة والإنسان معًا". بعدها، في يونيو 2025: انطلقت السفينة مادلين ضمن أسطول الصمود، في مبادرة إنسانية تهدف إلى كسر الحصار. ثم تم اعتراض الأسطول في يوليو 2025، واعتقلت قوات الاحتلال الصهيوني المشاركين على يد البحرية الإسرائيلية. بعدها أُفرجَ عن تونبرغ في أغسطس 2025: إثر حملة تضامن دولية واسعة. وفي شهر سبتمبر/أيلول 2025؛ ألقت غريتا خطابًا أمام البرلمان الأوروبي بعنوان "العدالة لا تعرف حدودًا"، دعت فيه إلى محاسبة إسرائيل على جرائمها البيئية والإنسانية في قطاع غزّة. وفي شهر أكتوبر 2025: نشر تقارير أوروبية تتهم إسرائيل بإساءة معاملة النشطاء داخل سجونها.

بين السياسة والعدالة

لا تعبّر مواقف غريتا تونبرغ عن موقف فردي بقدر ما تمثّل تحولًا في وعي جيلٍ عالمي جديد يرى أن النضال من أجل البيئة لا ينفصل عن النضال من أجل الإنسان. ورغم الحملة التّي تتعرض لها من الإعلام الإسرائيلي والغربي، واتهامها بالتحيّز، فإنّها تطرح مفهومًا جديدًا للمواطنة الكونية يقوم على الفعل الأخلاقي المباشر لا على الخطاب المجرد.

كشفت تجربتها في قطاع غزّة هشاشة الخطاب الغربي حول حقوق الإنسان، وفضحت التناقض القائم بين من ينددون بتلوث الغلاف الجوي ويصمتون أمام تلوث الضمير الإنساني. لقد أثبتت أنّ العدالة البيئية ليست ممكنةً في عالمٍ تسوده الحروب والحصارات، وأن الاحتلال نفسه شكل من أشكال التدمير البيئي حين تمنع الشعوب من حقّها في الماء والهواء والعيش الكريم.

كما فتحت مشاركتها في "أسطول الصمود" نقاشًا واسعًا داخل الحركات البيئية حول طبيعة النضال في عصر الأزمات المتعددة، إذ تختلط القضايا البيئية بالاجتماعية والسياسية. وقد وصفت بعض الصحف الغربية الأسطول بأنّه "أول اختبار عالمي لوحدة الضمير بين الشمال والجنوب".

قالت في تصريح لصحيفة الغارديان البريطانية: "ما رأيته في الزنازين الإسرائيلية لا يمكن وصفه بالكلمات. لا يمكن للعالم أن يُدير ظهره لغزّة بعد الآن"

رغم الانتقادات التي وُجّهت إليها بأنّها خرجت عن نطاق اختصاصها "ناشطةً مناخيةً"، ردت تونبرغ في مقابلة متلفزة قائلةً: "كيف يمكن أن أدافع عن الكوكب وأصمت على قتل البشر؟". بهذه العبارة أرست تلك الفتاة المؤمنة بالإنسانية حدًا فاصلاً بين الناشط الملتزم بالعدالة وبين الناشط المحايد الذي يبرر الصمت.

مقاومة من أجل العدالة على هذه الأرض

لقد غيّرت غريتا تونبرغ معادلة النضال العالمي، إذ لم تعد تلك المراهقة التي تصرخ في وجه شركات النفط، بل صارت امرأةً تواجه السجن من أجل العدالة، وقد اختصرت رسالتها الأخيرة المسألة برمتها: "لا عدالة مناخية بلا عدالة إنسانية". بهذا الشعار، أعادت تونبرغ تعريف معنى المقاومة في زمن التواطؤ، لتصبح صوتًا يذكّر العالم بأنّ الدفاع عن فلسطين ليس شأنًا سياسيًا فحسب، بل اختبارٌ أخلاقي للإنسانية.

ذات صلة

الصورة
صور من الفعالية الرياضية في غزة التي أقيمت بعد توقف الحرب (موقع إكس)

رياضة

افتتح الفلسطينيون في قطاع غزة أولى منافساتهم الرياضية بعد عامين بصور غير متوقعة، فقاد حكم مبتور القدم لقاء الديربي الأشهر بين فريقي خدمات رفح وشباب رفح

الصورة
الناشطة لينا الطبال (شمال الصورة) على متن أسطول الصمود (فيسبوك)

سياسة

أكدت الباحثة والأكاديمية اللبنانية لينا الطبال، في مقابلة مع "العربي الجديد"، استعدادها لتكرار تجربة أسطول الصمود لكسر الحصار على غزة رغم الاعتقال والتعذيب
الصورة
حرب غزة شاحنة تعبر ممر صلاح الدين، 24 أكتوبر 2025 (فضل المغاري/الأناضول)

سياسة

تضع القاهرة خطوطاً حمراء بشأن دورها الأمني في ملفات ما بعد حرب غزة. دور لا بد أن يكون بغطاء دولي وأممي ومقابل ضمانات اقتصادية
الصورة
أنتوني أغيلار في مقابلة مع العربي الجديد

سياسة

يكشف الجندي الأميركي السابق أنتوني أغيلار، في حوار مع "العربي الجديد"، تجربته بصفة متعاقد لصالح "مؤسسة غزة الإنسانية"، والانتهاكات التي ارتُكبت بحق المدنيين.
المساهمون