شلال كدو: "الاتحاد الديمقراطي" يحاول تحييدنا عن المشهد الكردي في سورية
استمع إلى الملخص
- يواجه المجلس الوطني الكردي تحديات في تفعيل دوره بسبب حساسية السلطات الجديدة ورفضها التعامل مع الأحزاب القائمة. رغم بوادر الانفتاح، تتعارض رؤيته اللامركزية مع توجهات السلطات.
- يشهد التنسيق بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي ضغوطًا شعبية رغم اعتراض السلطات السورية وتركيا. يواجه التعاون تحديات بسبب الخلافات الأيديولوجية، لكن الحوار يظل السبيل لتحقيق الاستقرار.
قال شلال كدو، القيادي البارز في "المجلس الوطني"، أكبر التشكيلات السياسية الكردية في سورية، إن الرؤية السياسية التي يطرحها المجلس حيال مستقبل البلاد "على تضاد واضح مع التوجهات الراهنة للسلطات الجديدة"، بيد أنه أكد انفتاح المجلس، للحوار مع هذه السلطة حول القضية الكردية، واعتبر أن "اللامركزية" الضمان لوحدة البلاد، وأن الكرد ليسوا في وارد التنازل عنها. وحاور ملحق سورية الجديدة القيادي الكردي في عدة قضايا، وعلاقة المجلس مع منافسه السياسي الأهم، حزب الاتحاد الديمقراطي، أبرز أحزاب "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية.
* بعد حكم استبدادي دام نحو 60 سنة في سورية، هل كنت تتوقّع هذه النهاية وهذا السيناريو للنظام البائد، في ديسمبر/ كانون الأول العام الفائت؟
نعم، كان سقوط النظام البائد متوقّعاً منذ اللحظات الأولى لانطلاقة الثورة السورية نظراً إلى رفض مختلف أطياف الشعب السوري له ولسياساته القمعية والعنصرية والطائفية، التي امتدت زُهاء ستة عقود. غير أن الدعم الذي تلقّاه من حلفائه الدوليين والإقليميين، إلى جانب تدخّل جيوشهم ومليشياتهم، كان السبب الرئيس في إطالة أمد بقائه ومنع سقوطه. إلا أن ما شهدته المنطقة قبيل انهياره من حروب وصراعات أسفرت عن تفكيك وتدمير مليشيات حزب الله وسواها، فضلاً عن تقويض الوجود العسكري الإيراني في سورية، شكّل تمهيداً حتميّاً لسقوطه. بيد أن الضربة القاصمة تمثّلت في تخلّي حليفه الأقوى، روسيا الاتحادية، عنه، وهو ما عجّل بانهياره بشكل دراماتيكي، إذ تحوّل بشّار الأسد في لحظاتٍ إلى طاغية هاربٍ بصحبة حاشيته.
التنسيق بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي مرشّح للاستمرار، مدفوعاً بضغط شعبي واسع يرى في هذا التقارب ضرورة لتعزيز الموقف الكردي
* نحو 14 سنة من الثورة على النظام البائد، انتهت بسقوطه. هل كان للكرد السوريين دور في هذا السقوط؟
للكُرد دور محوري في إشعال جذوة الثورة السورية، وفي تعبئة طاقات المعارضة في مواجهة نظام البطش والاستبداد، تماماً كما كان لأشقّائهم السوريين من مختلف المكونات. بل لعلّ دورهم، في محطّاتٍ كثيرة، كان أكثر جلاءً وسبقاً، إذ تعود معارضتهم للنظام ومقارعتهم له إلى عقودٍ قبل انطلاقة الثورة في 2011. وفي هذا السياق، تجلّت إرهاصات الرفض الكردي العلني للنظام في انتفاضة عام 2004، التي انطلقت شرارتها من مدينة القامشلي، وسرعان ما امتدت كالنار في الهشيم إلى سائر المناطق الكردية، بل وصلت الى المدن الكبرى كحلب ودمشق. إلا أنّ النظام، كعادته، واجه هذه الانتفاضة بالحديد والنار، فسُفكت دماء مئاتٍ من الشبّان الكُرد وهم في ريعان العمر على يد أجهزته الأمنية. ويزيد الجراح عمقاً أن تلك الانتفاضة قوبلت بصمتٍ مريب، لم يصدُر فيه أي موقف يُذكر، لا من القوى الوطنية السورية المعارضة، ولا من المجتمع الدولي.
* عشرة أشهر على بدء التغيير الكبير في سورية وعدة أشهر على المرحلة الانتقالية، وما زال المجلس الوطني الكردي غير فاعل في المشهد السوري، لماذا؟
عقبة رئيسية تحول دون تفعيل دور المجلس الوطني الكردي، تتمثّل في حساسية السلطات السورية الجديدة تجاه المعارضة السورية السابقة، بما في ذلك المجلس نفسه، إضافة إلى رفضها التعاطي مع الأحزاب والتنظيمات السياسية القائمة في البلاد متذرعةً بغياب قانون ينظّم الحياة الحزبية، وإن كان هناك غضّ طرف عن بعض النشاطات. ولأنّ الشعب الكردي في سورية يتمتع بتاريخ طويل من التنظيم السياسي، تعود جذوره إلى عام 1957 مع تأسيس أول تنظيم سياسي كردي، فإن هذا الحضور المنظّم يُقابل غالباً بنوعٍ من الإقصاء، حيث تتجه السلطات إلى استدعاء شخصيات كردية لا تحظى بتمثيل حقيقي، ولا تعكس الإرادة الجمعية للكُرد السوريين، في محاولة لتفريغ القضية الكردية من مضمونها السياسي. وعلى الرغم من أنّ الأسابيع الأخيرة شهدت بوادر انفتاح خجول تجاه المجلس الوطني الكردي، إلا أنّ هذا الانفتاح يراه كثيرون في طور التجريب والمناورة أكثر منه اعترافاً جدّيّاً. وتبقى الرؤية السياسية اللامركزية التي يطرحها المجلس الوطني الكردي بشأن مستقبل سورية، لا سيما ما يتعلق بحقوق المكونات القومية، وفي مقدّمتها المكوّن الكردي، على تضادّ واضح مع التوجّهات الراهنة للسلطات الجديدة.
* هل نتوقّع أن يكون مصير المجلس كمصير الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الذي كان جزءاً منه، أم أنه تشكيل سياسي له فعالية وديمومة في المشهد؟
كان "الائتلاف الوطني" حالة إقليمية ودولية أوجدتها دول أصدقاء الشعب السوري إبّان انطلاقة الثورة، ليكون ممثلاً لقوى الثورة والمعارضة. وحين سقط النظام، رأت غالبية مكوّناته أن الحاجة إلى استمراره انتفت، نظراً إلى تحقيق الهدف الذي تأسّس من أجله، وهو إسقاط النظام. إلا أن وضع المجلس الوطني الكردي يختلف تماماً؛ فهو إطار نضالي يضم أحزاباً كردية سورية عريقة، يمتد تاريخ بعضها إلى ما يقارب سبعين عاماً. وقد تأسّس مع انطلاقة الثورة السورية بهدف تأطير نضالات هذه الأحزاب، لا إلغائها، وبمثابة محاولة جادّة لتوحيد الصف الكردي، وتعزيز انخراطه في الثورة السورية بشكل فعّال. وبينما شهدت الخريطة السياسية السورية تحولات حادة، بقي المجلس الوطني الكردي حاضراً بوصفه الممثل الأبرز للقضية الكردية في سورية. وفي الوقت الذي تفكّكت فيه كيانات سياسية أُنشئت لأهداف آنية مرتبطة بإسقاط النظام، حافظ المجلس على استمراريته إطاراً نضالياً له جذور تاريخية عميقة، وتوجّهات استراتيجية ترتبط بمستقبل سورية وهويتها التعدّدية.
* يبدو أن التطورات الكبيرة دفعتكم دفعاً إلى الجلوس مع حزب الاتحاد الديمقراطي، المنافس الرئيسي للمجلس، واعتماد وثيقة واحدة وتشكيل وفد مفاوض مشترك معه للتفاهم مع دمشق. هل نتوقّع استمرار هذا التنسيق أم أن اختلاف الرؤى سوف يفرّقكم مجدّداً؟
لا تزال الرؤى السياسية المتعلّقة بمستقبل سورية وحقوق مكوّناتها، وفي صدارتها الحقوق القومية للكُرد ثابتة. وتفيد المعطيات الراهنة بأن التنسيق بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي مرشّح للاستمرار، مدفوعاً بضغط شعبي واسع يرى في هذا التقارب ضرورة لتعزيز الموقف الكردي ضمن المعادلة السورية الجديدة. ورغم ما قد يشكّله هذا التعاون من فرصة لبناء موقف كردي موحّد، إلا أنه يواجه اعتراضاً واضحاً من السلطات السورية الجديدة وتركيا، اللتين أبدتا رفضاً مبكّراً لهذا التقارب، وحرصتا على تقويضه منذ اللحظة التي أعقبت انعقاد مؤتمر القامشلي. وقد جاء هذا المؤتمر نتيجة جهود دبلوماسية مكثفة بذلتها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، إلى جانب حكومة إقليم كردستان العراق، في محاولة لرأب الصدع داخل الصفّ الكردي السوري وتعزيز وحدة خطابه السياسي.
* هل ترون أن "الاتحاد الديمقراطي" يحاول تحييدكم للاستفراد بالقرار بحيث يبقى الجهة المهيمنة على المشهد الكردي في البلاد؟
لا شك في ذلك، ويُعدّ تاريخ الحزب منذ السنوات الأولى للثورة السورية خير شاهد على تلك المحاولات، فقد أبرم "الاتحاد الديمقراطي" أكثر من اتفاق مع المجلس الوطني الكردي، إلا أنها فشلت كلها بسبب عدم التزام الحزب بها. ومع ذلك، لا يمكن لأي جهة أن تختزل القضية الكردية العادلة في قضايا أذرع هذا الحزب، مثل مسألة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) واندماجها في وزارة الدفاع السورية، أو في قضايا المعابر، أو النفط والغاز، أو الإدارة الذاتية، وما شابهها من ملفات. وعليه، سيبقى المجلس الوطني الكردي حاملاً همّ القضية الكردية، إلى جانب التزامه بالهمّ الوطني السوري العام، وسيواصل حضوره في المشهد السياسي بوصفه أحد أبرز الفاعلين فيه.
الكرد السوريون ليسوا في وارد التنازل عن اللامركزية، باعتبارها الضامن الحقيقي لوحدة البلاد
* ما هي بالضبط الخلافات السياسية بين المجلس الوطني و"الاتحاد الديمقراطي" صاحب الكلمة الأولى في قوات "سوريا الديمقراطية"، والإدارة الذاتية، حيال القضية الكردية في سورية؟
* وُجّهت إليكم في المجلس دعوة لزيارة دمشق والتحاور مع الحكومة ولكنها عُرقلت. ما الأسباب؟
كانت هناك جهود من الجانبين لتوجيه دعوة إلى المجلس الوطني الكردي لزيارة دمشق ولقاء السلطات السورية الجديدة. وإنْ استمر وجود مثل هذه الجهود، فإن المجلس الوطني الكردي لم يرفض فكرة التوجّه إلى العاصمة دمشق واللقاء مع كبار المسؤولين في الدولة.
* تصرّون على مبدأ "اللامركزية السياسية" في سورية، ولكن دمشق ترفض هذا المبدأ فهي تراها خطوة نحو الانفصال. هل يمكن التنازل عن هذا المطلب للتوصّل إلى اتفاقٍ يرضي الجانبين؟
اللامركزية لا تعني الانفصال إطلاقاً، ولم تُسجَّل في التاريخ حالة واحدة لدولة لامركزية انقسمت إلى دويلات. بل تعود معظم حالات الانقسام في العصر الراهن إلى دولٍ تتبنّى أنظمة مركزية صارمة، كالتي يروّجها، مع الأسف، بعض الأشقاء السوريين. توضح تجارب الآخرين، كما تؤكّد الوقائع أن المركزية غالباً ما تؤدّي إلى أزماتٍ عميقة، أو حروبٍ مدمّرة، أو حتى إلى تقسيم الدول. ومن هذا المنطلق، أعتقد أن المجلس الوطني الكردي، والكرد السوريين عموما، ليسوا في وارد التنازل عن مطلب اللامركزية، بل سيواصلون المطالبة بإقامة دولة سورية لامركزية، باعتبارها الضامن الحقيقي لوحدة البلاد، ولحقوق جميع مكوّناتها في إطار دستوري عادل.
* ما هي المطالب التي لا يمكن للكرد عموما التفاوض عليها؟
الكُرد حاضرون وجاهزون للتفاوض بشأن كل ما قد تطرحه السلطات السورية الجديدة على مائدة الحوار. ولا تضع الحركة السياسية الكردية أي شروط مسبقة للشروع في حوارٍ جادّ بشأن مستقبل البلاد، ودستورها، ونظام حكمها، وحقوق مكوّناتها. كما تُؤكّد على ضرورة تحصين هذه الحقوق من خلال مواد فوق دستورية، بما يضمن ديمومتها، ويحول دون محاولات تقويضها من قِبل أغلبيات برلمانية مستقبلية محتملة.
* تتعرّض سورية اليوم لتحدّيات جمّة، والدور الكردي الفعّال غائب. على من تقع مسؤولية هذا الغياب؟
تقع المسؤولية على عاتق من يعملون لتهميش الكُرد وتغييبهم عن المشهد الوطني، فالملعب الرئيسي للكُرد، كما لغيرهم من السوريين، هو العاصمة دمشق، التي سيُعاد منها بناء سورية الجديدة. وعليه، يجب أن يكون الحضور الكردي في دمشق فاعلاً، وأن يُمنحوا الفرصة الحقيقية للمساهمة في إعادة بناء وطنهم. ولا يُمكن إغفال أن بصمات الكُرد راسخة في تاريخ سورية وحضارتها، منذ عهد البطل الكردي المقدام صلاح الدين الأيوبي، محرّر القدس.
نراهن على حكمة السلطات السورية كي لا تتكرّر السيناريوهات الدامية في المناطق الكردية
* هل تعتقد أن "الاتحاد الديمقراطي"، وقواته، جادٌّ بالتفاهم مع دمشق، أم أنه يناور ويبتزّ للحصول على مكاسب فئوية وحزبية؟
لا مناص أمام قوات سوريا الديمقراطية (قسد) سوى الحوار مع دمشق حول تطبيق بنود اتفاق 10 مارس (2025) بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي. ولا ريب أن أي مفاوضات حالية أو مستقبلية بين مختلف الأطراف لن تخلو من المناورات ومحاولات تحقيق المكاسب. إلا أن الثابت والمهم هو المضي في خيار التفاوض، وعدم الرضوخ للضغوط التي تسعى إلى نسف الاتفاق، فالتمسّك بخيار الحوار والتفاوض يمثل السبيل الأوحد لتحقيق الاستقرار السياسي وضمان مصالح جميع الأطراف في سورية.
* كيف ترون مستقبل الكرد في سورية؟
نرى أن سورية المستقبل ستشهد عهدا من الازدهار والتنمية المستدامة، مبنيّا على نظام حكم لامركزي وديمقراطي يضمن مشاركة جميع مكوّنات المجتمع السوري. وفي هذا الإطار، ليس مستبعداً أن تتمتّع كل المكوّنات بحقوق دستورية كاملة ومتساوية، مصانة ضمن إطار وحدة التراب الوطني. ومن شأن تحقيق هذا التوازن بين الديمقراطية واللامركزية والتنمية أن يشكل الركيزة الأساسية لسورية قوية متصالحة مع نفسها ومع محيطها الإقليمي والدولي.
* هل لديكم خشية من انزلاق الأوضاع في شمال شرقي سورية إلى اقتتالٍ ذي طابعٍ قومي، بحيث يتكرّر السيناريو الدامي في البلاد؟
لا نتوقّع ذلك أبداً، ونراهن في هذا السياق على حكمة الأطراف كافة، سيما على حكمة السلطات السورية الجديدة، كي لا تتكرّر في المناطق الكردية السيناريوهات الدامية التي حدثت لأهلنا السوريين في الساحل والسويداء.