المخرج الراحل حاتم علي وزوجته الكاتبة دلع الرحبي (حساب دلع الرحبي في إكس)
استمع إلى الملخص
اظهر الملخص
- شهد أدب الرسائل تحولاً كبيراً مع ظهور الإنترنت، حيث انتقل من الورق إلى الشاشة، مما أتاح تواصلاً فورياً عبر البريد الإلكتروني، وأعاد تشكيل العلاقة بين الكاتب والمتلقي بفقدان بعض العناصر الحسية واكتساب سرعة وانتشار أكبر.
- في العالم العربي، تنوعت الرسائل بين الرسمية والصداقية والعائلية والعلمية والنقدية والحب، كما في مراسلات جبران خليل جبران ومي زيادة، وغسان كنفاني وغادة السمان، وزكي مبارك.
- رسائل الحب بين حاتم علي ودلع الرحبي تُظهر تجسيد الحب في الكلمات المكتوبة وتطرح تساؤلات حول مستقبل أدب الرسائل في ظل التكنولوجيا الحديثة.
- في العالم العربي، تنوعت الرسائل بين الرسمية والصداقية والعائلية والعلمية والنقدية والحب، كما في مراسلات جبران خليل جبران ومي زيادة، وغسان كنفاني وغادة السمان، وزكي مبارك.
- رسائل الحب بين حاتم علي ودلع الرحبي تُظهر تجسيد الحب في الكلمات المكتوبة وتطرح تساؤلات حول مستقبل أدب الرسائل في ظل التكنولوجيا الحديثة.
مع بداية عصر الإنترنت في التسعينيات، شهد أدب الرسائل تحوّلاً جذرياً في الشكل والمضمون، حيث انتقل من الورق إلى الشاشة، ومن البريد التقليدي إلى البريد الإلكتروني، ومن الانتظار الطويل إلى التواصل الفوري. هذا التحوّل لم يكن مجرد تغيير تقني، بل كان بداية لمرحلة جديدة من التعبير الإنساني، أعادت تشكيل العلاقة بين الكاتب والمتلقي، وبين اللغة والزمن.
في السابق، كانت الرسائل تُكتب بخط اليد، وتحمل في طيّاتها أثراً شخصياً ملموساً: رائحة الورق، شكل الخط، وحتى الأخطاء الإملائية كانت جزءاً من الحميمية. أما في بدايات الإنترنت، فقد أصبح البريد الإلكتروني الوسيلة الأساسية للتواصل، مما أزال الكثير من العناصر الحسّية، لكنه أتاح سرعة غير مسبوقة في التبادل، وفتح المجال أمام جمهور أوسع.
في السابق، كانت الرسائل تُكتب بخط اليد، وتحمل في طيّاتها أثراً شخصياً ملموساً: رائحة الورق، شكل الخط، وحتى الأخطاء الإملائية كانت جزءاً من الحميمية. أما في بدايات الإنترنت، فقد أصبح البريد الإلكتروني الوسيلة الأساسية للتواصل، مما أزال الكثير من العناصر الحسّية، لكنه أتاح سرعة غير مسبوقة في التبادل، وفتح المجال أمام جمهور أوسع.
ميّ وجبران كانا يدركان أنهما عبر هذه الرسائل يبدعان نصوصاً أدبية خالدة. ومن هنا كان حرصهما على التأنق في وضوح هذه الرسائل
شكّلت ظاهرة تبادل الرسائل بين الأدباء والكتاب والمحبين وجهاً من وجوه الأدب العربي، ويظهر ذلك جلياً في مراسلات طه حسين، وعباس محمود العقاد، ومصطفى صادق الرافعي، وتوفيق الحكيم، وزكي مبارك، ويحيى حقي، وعمر الفاخوري، وشوقي جلول، وأحمد أمين، والبدوي الملثم، وجبران جبران إلى مي زيادة، ونازك الملائكة، وغسّان كنفاني إلى غادة السمّان، ويوسف سامي اليوسف، ومنها رسائل حاتم علي إلى دلع الرحبي.
ويمكن تصنيف أدب الرسائل إلى أكثر من نوع، منها: الرسائل الرسمية والصداقية كما هي عند طه حسين، ورسائل الآباء إلى الأبناء والأهل والأسرة في رسائل أحمد أمين ويحيى حقي، وعمر الفاخوري.
ورسائل الأبناء إلى الآباء عند شوقي جلول، ورسائل أدبية علمية ونقدية عند شبلي الشميل، ويعقوب صروف لمي زيادة، وسميرة عزّام لألفة الأدلبي، ورسائل الحبّ بين عاشقين مثلما كان في رسائل جبران إلى ميّ زيادّة، وغسّان كنفاني إلى غادة السمّان، وحاتم علي إلى دلع الرحبي.
ويمكن تصنيف أدب الرسائل إلى أكثر من نوع، منها: الرسائل الرسمية والصداقية كما هي عند طه حسين، ورسائل الآباء إلى الأبناء والأهل والأسرة في رسائل أحمد أمين ويحيى حقي، وعمر الفاخوري.
ورسائل الأبناء إلى الآباء عند شوقي جلول، ورسائل أدبية علمية ونقدية عند شبلي الشميل، ويعقوب صروف لمي زيادة، وسميرة عزّام لألفة الأدلبي، ورسائل الحبّ بين عاشقين مثلما كان في رسائل جبران إلى ميّ زيادّة، وغسّان كنفاني إلى غادة السمّان، وحاتم علي إلى دلع الرحبي.
أدب رسائل الحبّ
من خيرة أدب رسائل الحب الشهيرة في الأدب العربي ما كتبه زكي مبارك في كتابه "مجنون سعاد" الذي كتبه من بغداد التي كان يعمل فيها مستشاراً في وزارة التربية، ويضم 62 رسالة نشرها في مجلة الصباح التي كانت تصدر في القاهرة، وباسم مستعار، هو الدكتور بديع الزمان، ويعبّر فيها عن مشاعره الذاتية من شوق وحنين وألم بسبب الفراق أو القطيعة والصدود، وبعض الوقائع الحياتية، وأخباره وعلاقاته الإنسانية وبعض آرائه وتأملاته في المرأة والناس والحياة.
ومن الرسائل المعروفة "رسائل جبران خليل جبران إلى مي زيادّة" إذ تعد نصوصاً إبداعية في فن الرسالة الرومانسية، واتجاهاً جديداً في الأدب العربي، ولم تكن المراسلة بين الأديبين مستمرّة، فقد تخللتها فترات انقطاع، فتجاوز أحياناً السنتين، وكان الحبّ المتبادل بينهما صوفياً سامياً وعميقاً، بل بدا كل منهما يبحث عن الحبّ في قلب الآخر، وفي رسالة مؤرّخة في 25 يوليو/ تموز 1919، يصارحها جبران برابطة الحب التي يكنها تجاهها: "في هذا التفاهم بين روحين يا"مي" أغنية عميقة هادئة نسمعها في سكينة الليل، فتنتقل إلى ما وراء الزمن، إلى ما وراء الأبدية، لقد حاولت في ما تقدم إبلاغك ما لا ولن يبلغك إياه إلا ما شابهه في نفسك، فإن كنت أتيت سراً معروفاً لديك، كنت من أولئك الذين قد حبتهم الحياة، وأوقفتهم أمام العرش الأبيض". وكانت تتردد في إظهار مشاعرها وتخشى الانطلاق على سجيتها في مراسلته، وهذا ما يؤكد أن ميّ وجبران كانا يدركان أنهما عبر هذه الرسائل يبدعان نصوصاً أدبية خالدة. ومن هنا كان حرصهما على التأنق في وضوح هذه الرسائل، وكتابتها بصيغة عربية أدبية مع أنهما يجيدان أكثر من لغة.
أما رسائل الشاعرة والناقدة والناثرة نازك الملائكة، النقدية والإنسانية، إلى الأديب الأردني عيسى الناعوري، قالت فيها: "إنها آراء عابرة وغير منسقة، إنها كلامٌ أو جزء من حوار بيني وبينك، وليست مقالاً يستأهل النشر، وإذا أردت أن تحتفظ برسائلي فافعل، فقد يتاح لك نشرها بعد عشرين سنة، وإذا كان الجمهور سيهتم بشيء مثلها، إن انعدام الزمن وحده الذي يجعل الرسائل الشخصية قيّمة".
وفي رسائلها اهتمام بالغ بالقضية الفلسطينية تعزّز بموقف والدتها التي خصصت أكثر شعرها لخدمة فلسطين. فتقول في رسالة: "وما يهمك ولا شكّ أن أكثر شعرها" والدتها" في فلسطين، وأن الحيرة تتملكني وأنا أقلد مجموعاتها الشعرية المكدّسة أمامي، فهي كانت شاعرة فلسطين بحق".
أما رسائل غسّان كنفاني إلى الروائية السورية غادّة السّمان التي شغلت الأوساط الثقافية والأدبية، وإثارة جدل كبير تقول السّمان في مقدمتها إن غسّان قد أشهر هذه الرسائل في خواطر وجدانية عنوانها "أوراق خاصة" في صحيفة المحرّر، وأن الأوساط الثقافية والأدبية، والصداقية باتت تعرف علاقة غسّان بغادة قبل أن تنشر غادة رسائل غسّان إليها، بعد ربع قرن من استشهاده، وقد رأت أن نشر هذه الرسائل يسهم في إحياء ذكرى المناضل والأديب الراحل. وترى أن نشر هذه الحقائق من شأنه يعدّل من صورة البطل في مفاهيم المجتمعات العربية، فهو أقرب إلى أبطال الأساطير، أو التماثيل التي لا تنبض بالحياة بفعل الضوضاء الخطابية وتخطيط الكواليس المسرحية السياسية، فالرسائل تجسّده إنساناً حيّاً، وقلباً ينبض وهي في نظرها لا تسيء إلى الشهيد الذي كان وفياً لوطنه وأصدقائه، نقياً في حبّه وعطائه وتضيف: "لا أستطيع الادّعاء دون أن أكذب أن غسّان كان أحبّ رجالي إلى قلبي كامرأة"، وكي لا أخون حقيقتي الداخلية مع آخرين سيأتي دور الاعتراف بهم بعد الموت، وبالنار التي أوقدوها مع زمني وحرفي، ولكنه أحد الأنقياء القلائل بينهم. ولا تُنكر غادة أن من دوافع نشرها الرسائل دافعا نرجسيّا لا تخفيه، فهي إذ تشهر حبّها، إنما يدفعها الاعتزاز إلى ذلك، بأن تكون محبوبة رجل عظيم مثل غسان كنفاني، الذي أهدى روحه إلى وطنه، تقول: "فكلّ أنثى تزهو ولو سرّاً بعاطفة تدغدغ كبرياءها، وأنا بالتأكيد لا أستطيع تبرئة نفسي من ذلك جزئياً".
وكانت غادة قد أجرت استطلاعاً لآراء 160 كاتبة وكاتبا أسهموا في آرائهم، أما المعارضون فقد رأوا في نشر هذه الرسائل بما فيها من انكسار وخضوع برزا في شخصية غسّان كنفاني تشويهاً لصورته، وهو الوطني الذي بدا ضعيفاً أمام سلطان الحبّ.
ومن الرسائل المعروفة "رسائل جبران خليل جبران إلى مي زيادّة" إذ تعد نصوصاً إبداعية في فن الرسالة الرومانسية، واتجاهاً جديداً في الأدب العربي، ولم تكن المراسلة بين الأديبين مستمرّة، فقد تخللتها فترات انقطاع، فتجاوز أحياناً السنتين، وكان الحبّ المتبادل بينهما صوفياً سامياً وعميقاً، بل بدا كل منهما يبحث عن الحبّ في قلب الآخر، وفي رسالة مؤرّخة في 25 يوليو/ تموز 1919، يصارحها جبران برابطة الحب التي يكنها تجاهها: "في هذا التفاهم بين روحين يا"مي" أغنية عميقة هادئة نسمعها في سكينة الليل، فتنتقل إلى ما وراء الزمن، إلى ما وراء الأبدية، لقد حاولت في ما تقدم إبلاغك ما لا ولن يبلغك إياه إلا ما شابهه في نفسك، فإن كنت أتيت سراً معروفاً لديك، كنت من أولئك الذين قد حبتهم الحياة، وأوقفتهم أمام العرش الأبيض". وكانت تتردد في إظهار مشاعرها وتخشى الانطلاق على سجيتها في مراسلته، وهذا ما يؤكد أن ميّ وجبران كانا يدركان أنهما عبر هذه الرسائل يبدعان نصوصاً أدبية خالدة. ومن هنا كان حرصهما على التأنق في وضوح هذه الرسائل، وكتابتها بصيغة عربية أدبية مع أنهما يجيدان أكثر من لغة.
أما رسائل الشاعرة والناقدة والناثرة نازك الملائكة، النقدية والإنسانية، إلى الأديب الأردني عيسى الناعوري، قالت فيها: "إنها آراء عابرة وغير منسقة، إنها كلامٌ أو جزء من حوار بيني وبينك، وليست مقالاً يستأهل النشر، وإذا أردت أن تحتفظ برسائلي فافعل، فقد يتاح لك نشرها بعد عشرين سنة، وإذا كان الجمهور سيهتم بشيء مثلها، إن انعدام الزمن وحده الذي يجعل الرسائل الشخصية قيّمة".
وفي رسائلها اهتمام بالغ بالقضية الفلسطينية تعزّز بموقف والدتها التي خصصت أكثر شعرها لخدمة فلسطين. فتقول في رسالة: "وما يهمك ولا شكّ أن أكثر شعرها" والدتها" في فلسطين، وأن الحيرة تتملكني وأنا أقلد مجموعاتها الشعرية المكدّسة أمامي، فهي كانت شاعرة فلسطين بحق".
أما رسائل غسّان كنفاني إلى الروائية السورية غادّة السّمان التي شغلت الأوساط الثقافية والأدبية، وإثارة جدل كبير تقول السّمان في مقدمتها إن غسّان قد أشهر هذه الرسائل في خواطر وجدانية عنوانها "أوراق خاصة" في صحيفة المحرّر، وأن الأوساط الثقافية والأدبية، والصداقية باتت تعرف علاقة غسّان بغادة قبل أن تنشر غادة رسائل غسّان إليها، بعد ربع قرن من استشهاده، وقد رأت أن نشر هذه الرسائل يسهم في إحياء ذكرى المناضل والأديب الراحل. وترى أن نشر هذه الحقائق من شأنه يعدّل من صورة البطل في مفاهيم المجتمعات العربية، فهو أقرب إلى أبطال الأساطير، أو التماثيل التي لا تنبض بالحياة بفعل الضوضاء الخطابية وتخطيط الكواليس المسرحية السياسية، فالرسائل تجسّده إنساناً حيّاً، وقلباً ينبض وهي في نظرها لا تسيء إلى الشهيد الذي كان وفياً لوطنه وأصدقائه، نقياً في حبّه وعطائه وتضيف: "لا أستطيع الادّعاء دون أن أكذب أن غسّان كان أحبّ رجالي إلى قلبي كامرأة"، وكي لا أخون حقيقتي الداخلية مع آخرين سيأتي دور الاعتراف بهم بعد الموت، وبالنار التي أوقدوها مع زمني وحرفي، ولكنه أحد الأنقياء القلائل بينهم. ولا تُنكر غادة أن من دوافع نشرها الرسائل دافعا نرجسيّا لا تخفيه، فهي إذ تشهر حبّها، إنما يدفعها الاعتزاز إلى ذلك، بأن تكون محبوبة رجل عظيم مثل غسان كنفاني، الذي أهدى روحه إلى وطنه، تقول: "فكلّ أنثى تزهو ولو سرّاً بعاطفة تدغدغ كبرياءها، وأنا بالتأكيد لا أستطيع تبرئة نفسي من ذلك جزئياً".
وكانت غادة قد أجرت استطلاعاً لآراء 160 كاتبة وكاتبا أسهموا في آرائهم، أما المعارضون فقد رأوا في نشر هذه الرسائل بما فيها من انكسار وخضوع برزا في شخصية غسّان كنفاني تشويهاً لصورته، وهو الوطني الذي بدا ضعيفاً أمام سلطان الحبّ.
حاتم ودلع... قصة شخصين استثنائيين، لا بموهبتهما وثقافتهما فقط، بل أيضا بقصة حبهما التي شهدت بوادرها
رسائل حاتم علي إلى دلع الرحبي
يعيد كتاب رسائل "من حاتم علي إلى دلع الرحبي"، (دار كنعان، دمشق، 2025) رسم علاقة الحبّ بينهما وفق واقع التسلسل الزمني للرسائل، بينما مقدّمة جمال سليمان المعيد في دفعتهم تقول: "عندما كانا طالبين في المعهد العالي للفنون المسرحية، في بيت جميل محاذي نهر بردى، وهو في طريقه مسرعاً وسط مسار حفره عبر آلاف السنين بين جبلين من دمر نحو دمشق، يقول عنهم كثيرة قصص الحبّ التي كتبت فصلا واحدا أو ربما فصلين، إلا أن قصة حاتم ودلع كتبت فصولها الأربعة.
قصة شخصين استثنائيين، لا بموهبتهما وثقافتهما فقط، بل أيضا بقصة حبهما التي شهدت بوادرها لأنني كنت وقت دخولهما المعهد قد تخرجت وأصبحت معيدا في دفعتهما، حكايا مضى عليها حتى تاريخ كتابة هذه الذكريات حوالي أربعين عاما. إلا أن نظرات دلع وحاتم وأصواتهما ما زالت حية في ذاكرتي".
وترسم دلع لوحات الحب بينهما "ابتدأ الحب بالرسائل. وابتدأ الزمن ينتظم بيننا على إيقاع استلامها وتسليمها، فقد كتبت لك بدوري، وان لم يكن بتلك الغزارة التي لم أستطع مجاراتك بها أبدا، فضلا عن أن رسائلي لا ترقى إلى شفافية لغتك وجمالية أسلوبك وحساسية عباراتك وصياغتك للأفكار، والقدرة على سبكها وسكبها فوق الأوراق التي لو فرشت صفحاتها لغطت شوارع الشام من أول "أبو رمانة إلى آخر حدود الحجر الأسود".
يمكن تصنيف الرسائل بالعام إلى ثلاثة عناوين: الأول حب حاتم علي دلع الرحبي، والثاني الشأن المسرحي، واهتمامات حاتم به، والكتابة المسرحية والقصصية عنده، بغض النظر عن الأماكن التي كتبت فيها هذه الرسائل، ورسائل الحب أهم جوانب هذه الرسائل، لأنه لولا الحب لم يكن هذا الكتاب والرسائل موجودة، وإذ كانت بداية الرسائل مؤرّخة في 27/7/1983، قبل سفر دلع الرحبي لحضور مهرجان أفينيون المسرحي في صيف 1983، يقول فيها: "الحب ليس تماهيا في الآخر إلا لأنه في خاتمة المطاف شدّة عالية ترفعنا لنطل على أنانا مزهراً كربيع. هكذا يحملنا الحب من العطالة إلى الفعل، من الكينونة إلى السيرورة، فهل نكون أو لا نكون؟ وهل نقدر على الاغتسال؟ وهل يمكن للمطر أن يغسل آثار الجريمة؟ وهل يمكن (للعدالة) أن تقبل رغبة المتهم في الحياة؟، لكني سأخرج عن السطر وعن القانون مجرماً بحب الحياة ويكره ممارسة الندم، وها أنا ذا أخرج (اللاعادي) وأمد يدي. دلع أليق بك: تليقين بي، وكلانا يليق بهذه المغامرة".
قصة شخصين استثنائيين، لا بموهبتهما وثقافتهما فقط، بل أيضا بقصة حبهما التي شهدت بوادرها لأنني كنت وقت دخولهما المعهد قد تخرجت وأصبحت معيدا في دفعتهما، حكايا مضى عليها حتى تاريخ كتابة هذه الذكريات حوالي أربعين عاما. إلا أن نظرات دلع وحاتم وأصواتهما ما زالت حية في ذاكرتي".
وترسم دلع لوحات الحب بينهما "ابتدأ الحب بالرسائل. وابتدأ الزمن ينتظم بيننا على إيقاع استلامها وتسليمها، فقد كتبت لك بدوري، وان لم يكن بتلك الغزارة التي لم أستطع مجاراتك بها أبدا، فضلا عن أن رسائلي لا ترقى إلى شفافية لغتك وجمالية أسلوبك وحساسية عباراتك وصياغتك للأفكار، والقدرة على سبكها وسكبها فوق الأوراق التي لو فرشت صفحاتها لغطت شوارع الشام من أول "أبو رمانة إلى آخر حدود الحجر الأسود".
يمكن تصنيف الرسائل بالعام إلى ثلاثة عناوين: الأول حب حاتم علي دلع الرحبي، والثاني الشأن المسرحي، واهتمامات حاتم به، والكتابة المسرحية والقصصية عنده، بغض النظر عن الأماكن التي كتبت فيها هذه الرسائل، ورسائل الحب أهم جوانب هذه الرسائل، لأنه لولا الحب لم يكن هذا الكتاب والرسائل موجودة، وإذ كانت بداية الرسائل مؤرّخة في 27/7/1983، قبل سفر دلع الرحبي لحضور مهرجان أفينيون المسرحي في صيف 1983، يقول فيها: "الحب ليس تماهيا في الآخر إلا لأنه في خاتمة المطاف شدّة عالية ترفعنا لنطل على أنانا مزهراً كربيع. هكذا يحملنا الحب من العطالة إلى الفعل، من الكينونة إلى السيرورة، فهل نكون أو لا نكون؟ وهل نقدر على الاغتسال؟ وهل يمكن للمطر أن يغسل آثار الجريمة؟ وهل يمكن (للعدالة) أن تقبل رغبة المتهم في الحياة؟، لكني سأخرج عن السطر وعن القانون مجرماً بحب الحياة ويكره ممارسة الندم، وها أنا ذا أخرج (اللاعادي) وأمد يدي. دلع أليق بك: تليقين بي، وكلانا يليق بهذه المغامرة".
ويكتب رسالة لها في نهاية العام 1985، يقول فيها: "تُرى هل تكفي هذه الكلمة؟ أعتقد أنها تكاد تكفي، فهي الكل، وما عداها من مفردات جزء متضمن.. شيء أقل.. أحبّك.. أحبّك.. فكل عام وأنت (اسمحي لي أن أكمل أنا) حبيبتي، كل عام وأنا حبيبك، كل عام وأنت لي، كل عام ونحن بخير، كل عام لنا".
وتضع دلع الرحبي نهاية الكتاب ونهاية رسائل الحبّ التي كتبها حاتم في ليلة الزفاف بدمشق في 13/5/1990، يقول فيها: "زوجتي العزيزة، لقد كتبت لك كثيراً، كثيراً جداً، كتبت لك رسائل تصلح لكتاب فاشل في تعليم المراسلات بين العشاق، لكنني لم أحس برهبة أمام ذلك كما أحسها الآن، ربما لأن أي رسالة أخرى كان من الممكن أن تتكرر بتكرر المناسبة، أو الفرحة، أو المشكلة، أو المصاب، لكن لحظة كهذه لن تتكرر، ولذا فإن رسالة كهذه لن تتكرر، فكيف يجب أن تكون إذاً؟
ذلك هو السؤال المخيف الذي لن أجد عليه جواباً سوى هذه المحاولة المضطربة القلقة، فليست لدي القدرة على تنظيم أفكاري بشكل جيد، ثمة عاصفة تدور في ذهني ويضطرب قلبي بازدياد، فبوابة الحياة تنتظر أن نعبرها بعد لحظات، والمشي فوق السراط قد بدأ وأرجو ألّا نحيد أو نقع.
الغالية دلع، مبروك لكلينا، مبروك لإرادتنا، مبروك للأحلام التي تخيلناها، للخطط التي رسمناها، للمستقبل الذي سعينا إليه، فلقد حققنا ما كنا نطلب ونشتهي. حبيبتي.. إنني الآن قربك، فكفي عن القراءة، والتفتي إليّ إنني أنتظر؛ التفتي إذن".
وتضع دلع الرحبي نهاية الكتاب ونهاية رسائل الحبّ التي كتبها حاتم في ليلة الزفاف بدمشق في 13/5/1990، يقول فيها: "زوجتي العزيزة، لقد كتبت لك كثيراً، كثيراً جداً، كتبت لك رسائل تصلح لكتاب فاشل في تعليم المراسلات بين العشاق، لكنني لم أحس برهبة أمام ذلك كما أحسها الآن، ربما لأن أي رسالة أخرى كان من الممكن أن تتكرر بتكرر المناسبة، أو الفرحة، أو المشكلة، أو المصاب، لكن لحظة كهذه لن تتكرر، ولذا فإن رسالة كهذه لن تتكرر، فكيف يجب أن تكون إذاً؟
ذلك هو السؤال المخيف الذي لن أجد عليه جواباً سوى هذه المحاولة المضطربة القلقة، فليست لدي القدرة على تنظيم أفكاري بشكل جيد، ثمة عاصفة تدور في ذهني ويضطرب قلبي بازدياد، فبوابة الحياة تنتظر أن نعبرها بعد لحظات، والمشي فوق السراط قد بدأ وأرجو ألّا نحيد أو نقع.
الغالية دلع، مبروك لكلينا، مبروك لإرادتنا، مبروك للأحلام التي تخيلناها، للخطط التي رسمناها، للمستقبل الذي سعينا إليه، فلقد حققنا ما كنا نطلب ونشتهي. حبيبتي.. إنني الآن قربك، فكفي عن القراءة، والتفتي إليّ إنني أنتظر؛ التفتي إذن".
أنهى حاتم علي ودلع الرحبي مرحلة من أدب الرسائل امتدت بطريقة واحدة لمئات السنين، وجاءت رسائلهما المتبادلة على حافة التحول الكبير تماماً
أما رسائل الشأن المسرحي ففيها كثير من حضور البروفات والدروس، المخططات لأعمال مسرحية، وحضور ومساهمة في مشاريع تخرج لدفعات مسرحية في المعهد، بالإضافة إلى كتابة أعمال مسرحية وإخراجها في الرسائل، من أهمها رسالة من أفينيون في تاريخ 28/7/1986 التي جاء فيها: اليوم شاهدنا مسرحية" الحياة حلم"، كانت مذهلة بتقنياتها وخدعها، مرايا وسينما (ثلاث شاشات مختلفات) وثلاثة مستويات، لكن العرض لم يعجبني، فكل تقنيات العالم لا يمكنها أن تقدم عرضاً حيّاً ممتلئاً وإنسانياً، ولدي مجموعة أفكار سأعرضها عليك:
1- ستارة شفّافة (منخل) تنزل من الأعلى يتخللها لون أحمر (دم). 2- شمعدان أبيض، شمع أحمر، الشمع يذوب على الأحمر ويأكله (مشهد الليدي آن والجثمان). 3- الإضاءة التاجية على مكبث في مشاهده النهائية حيث يكون قد أصبح تحت سيطرة فكرة السلطة. 4- مرآة الليدي مكبث أمامها (البطن = الحمل وهذه من فكرتك)، ثم يظهر مكبث من المرآة نفسها بعد شقّها بشكل مفاجئ. 5-الألبسة من الألوان المستخدمة فقط: (الأحمر، الأبيض، الأسود، والذهبي). 6- الرعد والبرق المستمران طوال العرض. 7- الأقنعة في مشهد البداية وكذلك مشهد المأدبة بعد تعديل الأقنعة والأشرطة النازلة من فمها.
وكتب حاتم علي أنواع عديدة من الكتابة منها عمل درامي اسمه (القلاع) وذكره في رسالة في 31/8/1989، إذ قال فيها: عندما تنسحب شخصيات المسرحية أو عندما أطردها بعيداً عني، فأجد أن صورتك ما زالت مرتسمة وكأنها خلفية الأشياء، فأسرح معك وأنا أتخيل أشياء كثيرة، وقائع وأحداث وأفعال، وباختصار حياة، فأكتشف أنني من جديد قد عدت إلى عملي نفسه، تأليف المسلسلات، ترى هل حياتنا واحدة من هذه الأفلام؟
عملياً، أنهى حاتم علي ودلع الرحبي مرحلة من أدب الرسائل امتدت بطريقة واحدة لمئات السنين، وجاءت رسائلهما المتبادلة على حافة التحول الكبير تماماً، قبيل عصر الإنترنت، وامتدت قليلاً لبداياته. وبذلك يكون لهذا الكتاب أهمية استثنائية، تضاف إلى أهمية مضمونه ومضمون الرسائل فيه. وهو يشبه آخر أسطوانة سجّلتها أم كلثوم، قبل عصر الشريط الممغنط، وآخر كاسيت سجّله عبد الحليم حافظ.
أخيراً، شغل أدب الرسائل حيزاً جيداً من الحياة الثقافية العربية في أزمان مختلفة، وكان له عشّاقه ومحبّوه. ولكن، هل بقي، في الزمن الحاضر، لهذا النوع من الأدب شيء من الحضور في زمن الهواتف المحمولة والكاميرا، والحديث والتراسل المباشر بعيداً عن الأوراق والأقلام، والظروف والطوابع البريدية؟ وهل سنرى في المستقبل القريب كتباً عن رسائل الحبّ المكتوبة في الهواتف المحمولة؟ أو الرسائل الصوتية والبصرية المسجّلة؟ سؤال في رسم المستقبل.
1- ستارة شفّافة (منخل) تنزل من الأعلى يتخللها لون أحمر (دم). 2- شمعدان أبيض، شمع أحمر، الشمع يذوب على الأحمر ويأكله (مشهد الليدي آن والجثمان). 3- الإضاءة التاجية على مكبث في مشاهده النهائية حيث يكون قد أصبح تحت سيطرة فكرة السلطة. 4- مرآة الليدي مكبث أمامها (البطن = الحمل وهذه من فكرتك)، ثم يظهر مكبث من المرآة نفسها بعد شقّها بشكل مفاجئ. 5-الألبسة من الألوان المستخدمة فقط: (الأحمر، الأبيض، الأسود، والذهبي). 6- الرعد والبرق المستمران طوال العرض. 7- الأقنعة في مشهد البداية وكذلك مشهد المأدبة بعد تعديل الأقنعة والأشرطة النازلة من فمها.
وكتب حاتم علي أنواع عديدة من الكتابة منها عمل درامي اسمه (القلاع) وذكره في رسالة في 31/8/1989، إذ قال فيها: عندما تنسحب شخصيات المسرحية أو عندما أطردها بعيداً عني، فأجد أن صورتك ما زالت مرتسمة وكأنها خلفية الأشياء، فأسرح معك وأنا أتخيل أشياء كثيرة، وقائع وأحداث وأفعال، وباختصار حياة، فأكتشف أنني من جديد قد عدت إلى عملي نفسه، تأليف المسلسلات، ترى هل حياتنا واحدة من هذه الأفلام؟
عملياً، أنهى حاتم علي ودلع الرحبي مرحلة من أدب الرسائل امتدت بطريقة واحدة لمئات السنين، وجاءت رسائلهما المتبادلة على حافة التحول الكبير تماماً، قبيل عصر الإنترنت، وامتدت قليلاً لبداياته. وبذلك يكون لهذا الكتاب أهمية استثنائية، تضاف إلى أهمية مضمونه ومضمون الرسائل فيه. وهو يشبه آخر أسطوانة سجّلتها أم كلثوم، قبل عصر الشريط الممغنط، وآخر كاسيت سجّله عبد الحليم حافظ.
أخيراً، شغل أدب الرسائل حيزاً جيداً من الحياة الثقافية العربية في أزمان مختلفة، وكان له عشّاقه ومحبّوه. ولكن، هل بقي، في الزمن الحاضر، لهذا النوع من الأدب شيء من الحضور في زمن الهواتف المحمولة والكاميرا، والحديث والتراسل المباشر بعيداً عن الأوراق والأقلام، والظروف والطوابع البريدية؟ وهل سنرى في المستقبل القريب كتباً عن رسائل الحبّ المكتوبة في الهواتف المحمولة؟ أو الرسائل الصوتية والبصرية المسجّلة؟ سؤال في رسم المستقبل.