تصعيد حرب غزة... تجديد التوافق الأميركي الإسرائيلي

26 مايو 2025   |  آخر تحديث: 09:00 (توقيت القدس)
حصار إسرائيل لغزة يسبب سوء التغذية للأطفال، خانيونس، 17 مايو 2025 (دعاء الباز/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصعيد حكومة نتنياهو في غزة يتزامن مع جولة ترامب الخليجية، مما يعكس توافقًا أميركيًا إسرائيليًا على استمرار الحرب، رغم محاولات واشنطن لاحتواء الغضب الدولي من الوضع الإنساني الكارثي في غزة.
- سياسات ترامب تشير إلى تهميش قضية فلسطين في التسويات الإقليمية، مع تركيز دول الخليج على قضايا أخرى، بينما يتجدد تأثير العامل الإسرائيلي في السياسة الأميركية.
- استمرار إحجام القوى الدولية عن تحدي سياسات واشنطن يعزز منطق "الحل الإقليمي" لقضية فلسطين، مع توظيف أزمات الدول العربية لتحقيق أهداف أميركية.

يكشف تصعيد حكومة بنيامين نتنياهو في حرب الإبادة على قطاع غزّة، بالتزامن مع رسائل التهدئة التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في جولته الخليجية (بين 13-16 من مايو/أيّار 2025)، تجديد التوافق الأميركي الإسرائيلي على استمرار الحرب، على الرغم من "التضخيم الإعلامي" لقصة الخلاف بين الطرفين، وانعكاساته على وقف الحرب، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر، وإبرام صفقة تبادل أسرى بين حماس وإسرائيل، لا سيّما بعد إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأميركي، عيدان ألكسندر (12/ 5/ 2025).

وفي إطار خلق الزخم اللازم لنجاح جولة ترامب الخليجية، واحتواء "الغضب الدولي الخجول" من تداعيات المجاعة في قطاع غزّة، والوضع الإنساني الكارثي، عملت واشنطن على إتمام إطلاق عيدان ألكسندر، بالتوازي مع اتخاذ ثلاث خطوات في إطار "التهدئة الخطابية/الدبلوماسية"؛ أوّلاها تصريح وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو (15/ 5/ 2025) عن انزعاج واشنطن من الوضع الإنساني في قطاع غزّة، إذ لم تُسلم أيّ مساعداتٍ إنسانية منذ الثاني من مارس/آذار الماضي. وثانيتها، تقديم السيناتور الديمقراطي بيتر ويلش (بالإضافة إلى 28 عضوًا في مجلس الشيوخ الأميركي)، مشروع قرار يطالب إدارة ترامب بإنهاء حصار قطاع غزّة فورًا. وثالثتها؛ إشارة الرئيس ترامب في مقابلته مع شبكة فوكس نيوز الأميركية (16/ 5/ 2025) إلى أنّ "الفلسطينيين في قطاع غزّة يتضورون جوعًا"، على الرغم من نفيه أن يكون محبطًا من نتنياهو، وتشديد ترامب على ضرورة تذكر السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، معتبرًا أنّه من أكثر الأيّام عنفًا في تاريخ العالم، وليس الشرق الأوسط فحسب".

لا شك أن استمرار إحجام القوى الدولية والإقليمية عن تحدي سياسات واشنطن، والضغط عليها لوقف حرب غزّة، وتحجيم الوحشية الإسرائيلية المتصاعدة، يمكن أن يؤدي لإحياء منطق "الحلّ الإقليمي" لقضية فلسطين

واستطرادًا في التحليل، تكشف سياسات دونالد ترامب تجاه إقليم الشرق الأوسط، في الأشهر الأربعة الماضية، عن احتمال استثناء قطاع غزّة وفلسطين من التهدئات/التسويات الأميركية الإقليمية، ما قد يعني العودة إلى تهميش قضية فلسطين، واختزالها في ملف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزّة، بالتوازي مع إحجام دول الخليج العربي، باستثناء دولة قطر، عن التركيز على هذه القضية في العلاقات الأميركية الخليجية، وتقدّم قضايا أخرى (مثل وضع سورية الجديدة، والملف النووي الإيراني، وتحجيم الدور التخريبي الإسرائيلي في المنطقة إجمالًا).

على الرغم من استمرار جهود الوساطة القطرية المصرية في ملف حرب غزّة، يبدو أنّ تأثير الإطار الرسمي العربي (جامعة الدول العربية) في مسار قضية فلسطين، يتآكل تدريجيًا، في مقابل تجدّد تأثير العامل الإسرائيلي في السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية؛ إذ تعمل واشنطن على مسارين متوازيين؛ أحدهما إيجاد مخارج/حلول لأزمات حليفها الإسرائيلي تسمح بتخفيف، وليس إنهاء، وطأة المعاناة الإنسانية الهائلة لأهالي قطاع غزّة. والآخر التغاضي الأميركي عن المسعى الفرنسي السعودي لتعزيز الاعتراف الدبلوماسي الدولي بدولة فلسطين عبر عقد مؤتمر دولي في نيويورك (17-20/ 6/ 2025)، أملًا في أن يؤدي ذلك إلى تنازل المقاومة الفلسطينية واستسلامها للاشتراطات الإسرائيلية، ورفع الراية البيضاء، أو تطبيع العالم مع مشاهد حرب الإبادة واستئناف مسار الحلّ الإقليمي، وبالتالي العودة إلى منطق تهميش قضية فلسطين.

وعلى الرغم من تآكل مكانة إسرائيل الإقليمية، وتقلّص قدراتها الردعية، بعد "طوفان الأقصى"، فإن محدودية، لكي لا أقول غياب، الضغوط الخليجية والعربية والإقليمية والدولية على واشنطن من أجل وقف حرب غزّة، أدّى في المحصلة النهائية إلى تجدّد تأثير العامل الإسرائيلي على السياسة الأميركية، بالتوازي مع إطلاق يد إسرائيل للقضاء على أعدائهما المشتركين (حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله وجماعة أنصار الله الحوثي).

ولا شك أن استمرار إحجام القوى الدولية والإقليمية عن تحدي سياسات واشنطن، والضغط عليها لوقف حرب غزّة، وتحجيم الوحشية الإسرائيلية المتصاعدة، يمكن أن يؤدي لإحياء منطق "الحلّ الإقليمي" لقضية فلسطين، بمركباته الثلاثة: دبلوماسية "الصفقات والاستثمارات الأميركية"، مقاربات "السلام الاقتصادي" و"ثقافة السلام الإبراهيمي" (أي تقديم الاقتصادي على السياسي، والبراغماتية على مبادئ/ قيم المقاومة والتمسك بالحقوق والعدالة)، إعادة إنتاج/اختراع "إطار انتقالي" لعملية تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بعد فشل إطار مدريد/أوسلو، وتآكل فرص حلّ الدولتين بسبب الممارسات الاستعمارية الإسرائيلية.

تكشف سياسات دونالد ترامب تجاه إقليم الشرق الأوسط، في الأشهر الأربعة الماضية، عن احتمال استثناء قطاع غزّة وفلسطين من التهدئات/التسويات الأميركية الإقليمية

يبقى القول إن توظيف واشنطن أزمات الدول العربية لتحقيق هدف تهجير الغزيين، على نحو ما كشفه تقرير شبكة "إن بي سي نيوز" عن عمل إدارة ترامب على خطة لنقل مليون فلسطيني نقلًا دائمًا من غزّة إلى ليبيا، يؤكّد حقيقة استمرار السياسة الأميركية منذ عام 1967، على الأقلّ، في "إدارة" الصراع العربي الإسرائيلي، واحتكارها وظيفة "صانع السلام الأوحد" في المنطقة، بالتوازي مع عرقلة أيّة جهودٍ أمميةٍ أو دوليةٍ أو إقليميةٍ أخرى "لحلّه".

المساهمون