بين ذاكرة النكبة وهاجس التهجير: ما تبعات ضمّ الأغوار على الأردن؟

15 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 21:45 (توقيت القدس)
لاجئان فلسطينيان في مخيم البقعة ومفتاح العودة، 14/9/2025 (محمد العرسان/العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التداعيات على الأردن: يعبر أبو يوسف الطوباسي عن مخاوفه من تهجير جديد للفلسطينيين في ظل تحركات إسرائيلية لضم الضفة الغربية والأغوار، مما يهدد الأمن الوطني الأردني ويزيد من تدفق اللاجئين.

- خطط الضم الإسرائيلية وتأثيرها: تعكس تصريحات مسؤولين إسرائيليين نية ضم غور الأردن، مما يفرض واقعًا جديدًا على الأردن ويثير تساؤلات حول أهداف إسرائيل واحتمال تهجير الفلسطينيين.

- التداعيات على الفلسطينيين والمجتمع الدولي: يهدد ضم الأغوار حل الدولتين ويضع الوصاية الهاشمية تحت ضغط، مما يهدد استقرار المنطقة ويعيد شبح النكبة.

في أحد أزقة مخيّم الحصن شمال الأردن، يجلس أبو يوسف الطوباسي (74 عامًا) على مقعد خشبي متواضع، الذي هُجّر مع عائلته من قريته طوباس عام 1967، إثر حرب الأيّام الستة، وما زالت ذكريات الأرض تسكن قلبه، إذ يقول بصوت مملوء بالحزن: "لقد عاش أولادي وأحفادي هنا، لكن قلبي هناك.. في كلّ حجر وكلّ شجرة في الغور. أيّ تهجير جديد للفلسطينيين سيكون كارثةً علينا جميعًا ونكبةً جديدةً".

تداعيات خطيرة على الأردن

تزامنت مخاوف أبو يوسف مع تحركات إسرائيلية متسارعة نحو ضمّ الضفّة الغربية والأغوار، وهو ما يثير قلقًا واسعًا في الأردن والمجتمع الدولي، نظرًا إلى أهمّية غور الأردن الاستراتيجية، الذي يمثّل نحو 30% من مساحة الضفّة، ويُعد العمود الفقري الزراعي والمائي لأيّ دولة فلسطينية مستقبلية.

مسيرة في عمان ترفع صور ثلاثة اردنيين نفذوا عمليات عبر الحدود (محمد العرسان/خاص بالعربي الجديد)

إذ تشير ورقة موقف "الإجراءات الإسرائيلية في الضفة تضع معاهدة السلام مع الأردن على المحك" الصادرة عن معهد السياسة والمجتمع إلى أخطار متعددة ومترابطة على الأردن، فالأردن يُعاين تطورات الضفّة بقلق شديد لما تشكّله من تهديد وجودي سياسيًا وديموغرافيًا عليه. فـ"في حال توسّع ضمّ الأغوار (أو كامل الضفّة)، تنهار السلطة الفلسطينية وينهار معها الوضع السياسي الراهن، وقد تنهار معاهدة السلام الأردني في ظلّ تدفّق كبير للسكان الجديد نحو الأردن، وهو ما ينصّ بإلغاء المعاهدة في حال "تهجير قسري" من أيّ طرف" وفقًا للورقة.

إذ ارتكزت معاهدة وادي عربة (1994) على استقرار الضفّة ووجود شريك فلسطيني، كما ترى عقيدة الأمن الأردنية أن استقرار الضفّة وحقوق الفلسطينيين جزء "لا يتجزأ" من الأمن الوطني، وبالتالي، يُنظر إلى الضمّ على اعتباره تهديدًا استراتيجيًا.

خطط الضمّ الإسرائيلية

جاءت عودة خطط الضم إلى الواجهة مدفوعةً بتصريحات من مسؤولين إسرائيليين مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، اللذين عبّرا عن نية ضمّ غور الأردن خطوةً أولى نحو السيطرة على الضفّة بأكملها.

داخليًا، تحتاج الأردن إلى خطاب وطني موحّد حول اعتبار استقرار الضفة جزءًا من الأمن القومي، وحملة تواصلية شاملة تشرح أن مواجهة الضمّ ليست مسألة تضامن فلسطيني فقط

يرى أستاذ العلوم السياسية جمال الشلبي أن هذه الخطط تعكس "نيةً استراتيجيةً واضحةً متجذرةً في رؤية إسرائيل منذ 1967، مستغلةً الوضع الإقليمي الحالي، بما في ذلك ضعف سورية وحزب الله واستمرار الحرب في غزّة".

"يخالف الضمّ القانون الدولي حسب الأراضي التي تتحدث إسرائيل عن ضمّها لم تكن ضمن إطار معاهدة وادي عربة الموقعة عام 1994، إنّما كانت خاضعةً للاحتلال وفق القانون الدولي. "يهدف المخطط الإسرائيلي عمليًا إلى ضمّ القدس والمستوطنات في الضفّة الغربية، ما يقضي على أيّ إمكانية لقيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967".

يمثّل غور الأردن وشمال البحر الميت قرابة 30% من مساحة الضفّة الغربية، ويقطنهما نحو 65 ألف فلسطينيًا مقابل نحو 11 ألف مستوطنًا، وفق بيانات حقوقية، وتشمل المنطقة 30 مستوطنة و18 بؤرة استيطانية، إضافةً إلى تجمعات بدوية واسعة. تُعدّ الكتلة الجغرافية هذه في التصوّر الإسرائيلي «حزامًا أمنيًا» يفصل الضفّة عن الأردن، ويمنح عمقًا استراتيجيًا على طول نهر الأردن.

أحد المحلات في مخيم البقعة للاجئين الفلسطنيين، الأردن 14/9/2025(محمد العرسان/خاص بالعربي الجديد)

يعتبر الشلبي إن أيّ "تغيير في الحدود يفرض واقعًا قانونيًا وسياسيًا جديدًا على الأردن، ما يثير تساؤلات حول أهداف إسرائيل الحقيقية، واحتمال أن تكون الخطوة الأولى نحو تهجير الفلسطينيين من الضفّة إلى الأردن، وهو ما يمثّل خطرًا بالغًا، ويضع المملكة في مأزق لا تريده". كما يعتقد أن الولايات المتّحدة لم تعد طرفًا منحازًا لإسرائيل فحسب، "بل أصبحت جزءًا من المشكلة نفسها، إذ لا يمكن الاعتماد على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في كبح التوجهات الإسرائيلية. ودعا الأردن إلى تنويع تحالفاته وعلاقاته الاستراتيجية مع أوروبا، والصين وروسيا، بدلًا من الاعتماد على دولة واحدة".

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

في 24 يوليو/تموز 2025، صادق الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون بفرض السيادة على الضفّة الغربية بما فيها الأغوار، وهي خطوة أثارت تحذيرات أردنية واسعة.

تحذير من التهجير

يكمن الهاجس الأكبر لدى صانع القرار الأردني في سيناريو التهجير، إذ حذر الملك الأردني عبد الله الثاني في خطابه خلال قمة العربية- الإسلامية في الدوحة، التي بحثت الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف مفاوضي حماس في قطر أنه: "لا بدّ أن تخرج القمة بقرارات عملية لمواجهة هذا الخطر، لوقف الحرب على غزّة، لمنع تهجير الشعب الفلسطيني، لحماية القدس ومقدساتها، ولحماية أمننا المشترك، ومصالحنا ومستقبلنا". كما أكّد وزير الاتصال الحكومي في الأردن، محمد المومني، أن بلاده تقف بصلابة ضدّ أيّ محاولات لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، معتبرًا أن هذا الملف يمثّل "خطًا من نار" في وجه أي مشروع للترحيل القسري.

وقال المومني، في منشور عبر منصة "إكس"، إنّ حقّ العودة ثابت وأصيل، ولا يمكن تجاوزه، مضيفًا: "لا الشعب الفلسطيني ولا أي دولة في المنطقة، وفي مقدمتها الأردن، يمكن أن تقبل بالتهجير القسري. فهو حقّ إنساني وقانوني قبل أن يكون سياسيًا".

لاجئ في مخيم البقعة يحمل مفتاح منزله، 14/9/2025 (محمد العرسان/خاص بالعربي الجديد)

وشدد الوزير على أن الدعوات التي تروج لتهجير الفلسطينيين تشكل اعتداءً مباشرًا على سيادة الدول وإعلان حرب، واصفًا إيّاها بأنّها انعكاس لـ"عقلية عنصرية تجاوزهـا الزمن، وخرجت من منظومة الإنسانية".

ويضمّ الأردن اليوم أكثر من 2.5 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين لدى "أونروا" إلى جانب الآلاف من غير المسجلين، ما يجعل المملكة من أكثر الدول استضافةً للاجئين الفلسطينيين على مستوى العالم. لذا فإنّ أيّ تدفق جديد للاجئين، ناجم عن ضمّ الأغوار، أو عمليات تهجير قسري، سيزيد هذا العدد زيادةً كبيرةً، ويشكل ضغطًا هائلاً على البنية التحتية، والخدمات العامة، وفرص العمل، ويهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

أيّ تغيير في الوضع القانوني أو الجغرافي للضفّة يحد من قدرة الأردن على حماية الأماكن المقدسة، ويجعلها عرضة لسياسات إسرائيلية أحادية، ما يقلل من نفوذ المملكة

يصف أمين عام الحزب الوطني الدستوري، أحمد الشناق، أيّ محاولة لضمّ الأغوار، أو فرض تهجيرٍ جماعيٍ بأنّها إعلان حربٍ. "الاتّفاقيات السابقة، بما فيها وادي عربة، تفقد معناها إذا جرى تغيير أحادي للحدود، كما أن أيّ تهجير جماعي ينتهك المادة السادسة من الاتّفاقية التي تحظر التهجير القسري".

"تسعى إسرائيل إلى تقسيم الضفّة إلى تجمعات سكانية منفصلة، ما يزيد من تشتيت الفلسطينيين جغرافيًا وسياسيًا، ويضاعف فرص التهجير من قطاع غزّة والضفّة الغربية على حدٍّ سواء. مشاريع الاستيطان الجديدة قرب شرق الخليل ليست سوى جزء من خطة أوسع لقطع أوصال الضفّة، وربط المستوطنات بما يخدم التوسع الاستيطاني، ويحد من التواصل بين المدن والقرى الفلسطينية".

كما يؤكّد الشناق أن أي تهجير قسري أو ضمّ رسمي للأغوار سيُعتبر إعلان حرب على الأردن والمنطقة، لأن الضفّة الغربية جزء من الأمن القومي الأردني، ما يجعل أي محاولة لتغيير الحدود تواجه بموقف أردني حازم لا تقبل التراجع.

أيضًا، هذا ما حذرت منه ورقة الموقف الصادرة عن معهد السياسة والمجتمع، التي أشارت إلى أخطار أمنية جسيمة: انهيار السلطة الفلسطينية، أو اندلاع انتفاضة جديدة قد تؤدي إلى انتقال الفوضى عبر الحدود. "رغم قدرة الأجهزة الأمنية الأردنية على ضبط الداخل، تشمل السيناريوهات المحتملة تدفق اللاجئين، محاولات تسلل مسلحين، أو ضغوط سياسية داخلية متصاعدة".

استنادًا إلى الورقة، يرى صناع القرار في عمان أن أيّ ضمٍّ محتمل للضفّة سيُعيد طرح فرضيات قديمة مفادها أن «الأردن هو فلسطين»، وهو ما يرفضه الأردن رفضًا قاطعًا.

المعطى الديموغرافي وحده، كما يشير تقرير «كوينسي» الأمني، ينذر بأزمة إذا تدفق ملايين الفلسطينيين، سواء من حملة الجواز الأردني أو اللاجئين، إلى المملكة.

كذلك؛ يرى نائب رئيس الدراسات في مؤسسة كارنيجي، ونائب رئيس الوزراء الأسبق مروان المعشر أن إسرائيل تسعى إلى السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الضفّة، مع التركيز على القدس والأغوار والخليل، بهدف ضمّ الأرض من دون ضمّ السكان، لتغيير التركيبة الجغرافية والسياسية، ومن دون مواجهة مباشرة مع الفلسطينيين. لن تجد أيّ محاولة إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين قبولًا لدى الأردنيين أو الفلسطينيين أنفسهم، مع التأكيد على أن التهجير غير مستحيل، لكن فرصه ضئيلة جدًا، نظرًا إلى الموقف الأردني الراسخ، والموقف المصري الصارم الذي يغلق حدوده أمام أيّ تهجير محتمل.

"ضمّ الضفّة يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الأردني، حيث سيزيد نحو ثلاثة ملايين فلسطيني في المملكة، ما يغير التركيبة السكانية تغييرًا جذريًا ويهدد الاستقرار. أي حلول مثل الفيدرالية أو الكونفدرالية مع الأردن مرفوضة تمامًا من الفلسطينيين والسلطة الوطنية الفلسطينية. الضفّة والأغوار تمثلان خط الدفاع الأول عن الأمن القومي الأردني، وأي مساس بهما سينعكس مباشرة على المملكة والأمن الإقليمي". حسب المعشر.

جاءت عودة خطط الضم إلى الواجهة مدفوعةً بتصريحات من مسؤولين إسرائيليين مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو

التداعيات على الفلسطينيين

داخليًا، تحتاج الأردن إلى خطاب وطني موحّد حول اعتبار استقرار الضفة جزءًا من الأمن القومي، وحملة تواصلية شاملة تشرح أن مواجهة الضمّ ليست مسألة تضامن فلسطيني فقط، بل شرط لحماية استقرار الدولة والتركيبة الديمغرافية.

يرى الخبراء أن ضمّ الأغوار سيقوض نهائيًا حلّ الدولتين، إذ سيلغي العمق الزراعي والحدودي للدولة الفلسطينية، ويقطع تواصلها مع الأردن، ويُثبت فجوة عدم المساواة في الوصول للموارد المائية والزراعية. كما سيؤدي الضمّ إلى تسريع عمليات النقل القسري والتهجير. كما يضع ضمّ الأغوار والضفّة الغربية الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس تحت ضغط مباشر، ويقوض الدور الشرعي والسياسي للأردن في القدس.

فأيّ تغيير في الوضع القانوني أو الجغرافي للضفّة يحد من قدرة الأردن على حماية الأماكن المقدسة، ويجعلها عرضة لسياسات إسرائيلية أحادية، ما يقلل من نفوذ المملكة في القرارات الإقليمية المتعلقة بالقدس. هذا ما شددت عليها قمة الدوحة في بيانها الختامي، من دعمها الكامل لدور الأردن التاريخي. واعتبار أن أي مساس بوضع الضفّة الغربية القانوني أو الجغرافي، بما في ذلك الأغوار، يُعتبر تهديدًا مباشرًا للوصاية الهاشمية، ويقوض قدرة الأردن على حماية الأماكن المقدسة. كما دعا البيان إلى مراجعة عضوية إسرائيل في الأمم المتّحدة، في ضوء انتهاكاتها المستمرة للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.

يرى الإعلامي المقدسي داوود كتاب، مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي، أن السياسات الإسرائيلية، بما فيها توسيع الاستيطان، لن تغير مواقف الدول تجاه الاعتراف بفلسطين على حدود 1967، واستشهد بتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي أكّدت أن "موقف فرنسا لن يتزحزح". وقال كتاب إن "التصريحات الإسرائيلية المتطرفة، مثل تهديدات الوزير سموتريتش للسلطة الفلسطينية، تأتي في سياق المزايدات السياسية الداخلية مع اقتراب الانتخابات، موضحًا أن مثل هذه التصريحات لا تحمل تأثيرًا حقيقيًا على المسار الدولي، ولن تغيّر موقف الدول تجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية". كما أضاف "ضمّت إسرائيل منذ عام 1967 القدس ووسعت حدودها، في خرق واضح للقانون الدولي، مؤكّدًا أنّ المجتمع الدولي لم يعترف بهذه الإجراءات ولن يتأثر بها".

الأردن أمام اختبار مصيري

يضع قرار الضمّ الإسرائيلي الأردن أمام اختبار مصيري، إذ تتجاوز تداعياته حدود الجغرافيا لتطال الأمن والسياسة والديموغرافيا. فبينما يتمسك الفلسطينيون بحقّهم في دولة مستقلة، ويؤكّد الأردن رفضه لأي تغيير أحادي، يبقى الخطر قائمًا بأن تتحول الأغوار إلى بؤرة مواجهة مفتوحة تُهدد استقرار المنطقة وتعيد شبح النكبة إلى الواجهة.

المساهمون