برلمان أم غرفة تصفيق؟

07 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 10:42 (توقيت القدس)
قاعة مجلس الشعب (البرلمان) السوري (5/10/2025 فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يُنتظر من البرلمان السوري دور تأسيسي يتجاوز كتابة القوانين إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية، تعكس التعددية السياسية والاجتماعية وتحتضن التنوع الطائفي والديني والإثني.
- يتحمل البرلمان مسؤولية صياغة معايير الدولة الجديدة، من خلال إعداد تشريعات تُرسي العدالة الانتقالية، وتنظم العلاقة بين السلطات، وتضمن استقلال القضاء، وتعيد تعريف دور الجيش، وتشرف على كتابة دستور جديد.
- يتطلب الدور التأسيسي استقلالية ونزاهة الأعضاء، بعيدًا عن الولاءات الضيقة، لتقديم اقتراحات وحلول حقيقية، مما يجعل البرلمان إما بداية لسورية جديدة أو فرصة ضائعة.

في هذه الأيام التي نعيشها، وفي هذه المرحلة من التاريخ السوري، يبرز الدور المنتظر من السلطة التشريعية واحداً من أكثر الأدوار حساسيةً وتأثيراً في رسم ملامح المستقبل، فالبرلمان لم يعد مجرّد مؤسّسة تشريعية تقليدية تؤدّي أدوارها ضمن سياق بيروقراطي مألوف، بل أصبح معنيّاً بتحمّل مسؤولية تأسيسية عميقة، تتجاوز كتابة القوانين إلى المساهمة في بناء الدولة نفسها.
المسار الذي تمرّ به سورية اليوم، بكل تعقيداته وتناقضاته وآماله، يضع على عاتق أعضاء البرلمان مهمة غير مسبوقة: قيادة التحوّل من دولة مدمّرة ومنقسمة إلى دولة قابلة للحياة، مدنية، ديمقراطية، جامعة.
من أبرز السمات التي ينبغي أن تميز البرلمان السوري في هذه المرحلة التعدّدية السياسية والاجتماعية. ليس من الضروري، ولا من الصحيّ، أن يكون أعضاء المجلس على رأي واحد، أو خلفية واحدة، أو رؤية موحّدة. بل على العكس، اختلاف التوجهات، وتنوع المرجعيات، وتباين الأولويات، هو ما يعطي العمل البرلماني قيمته وحيويته، ويُحوله من سلطة صامتة إلى سلطة فاعلة تمثّل الشعب فعلياً.
ليست سورية كتلة واحدة متجانسة، بل مجتمع غني بتنوّعه الطائفي، الديني، الإثني، الجغرافي، والسياسي. والبرلمان، بصفته المعبّر الأرفع عن الإرادة الشعبية، مطالبٌ بأن يعكس هذا التنوّع، لا أن يُقصيه أو يختزله. التمثيل الحقيقي لا يُقاس بعدد المقاعد، بل بمدى قدرة المؤسّسة التشريعية على احتضان كل الهويات ضمن إطار وطني جامع.
اللحظة الراهنة تُحمّل البرلمان السوري مسؤوليات مضاعفة، فالمطلوب منه ليس فقط سنّ قوانين جديدة تلائم واقع ما بعد الحرب، بل الإسهام في صياغة معايير الدولة الجديدة: دولة المؤسسات، والمواطنة، والحريات.
يتعيّن على المجلس أن يعمل على إعداد تشريعات تُرسي أسس العدالة الانتقالية، وتُنظّم العلاقة بين السلطات، وتضمن استقلال القضاء، وتُعيد تعريف دور الجيش والأجهزة الأمنية ضمن أطر قانونية ودستورية. كما ينبغي أن يفتح الباب أمام قوانين جديدة للأحزاب، والانتخابات، والإعلام. وتقع على عاتق البرلمان مسؤولية الإشراف السياسي على مسار كتابة دستور جديد، يُعبر عن العقد الاجتماعي المقبل، ويُترجم آمال الناس في الحرية، والكرامة.
لا يمكن الحديث عن دور تأسيسي للبرلمان من دون أن يكون أعضاؤه مستقلين في قراراتهم، نزيهين في مواقفهم، وعابرين لمنطق الولاءات الضيقة. فالمجلس التشريعي لا يمكن أن يؤدّي دوره التاريخي إذا بقي رهينة التوجيه من السلطة التنفيذية.
تتطلب المرحلة المقبلة نمطاً جديداً من النخبة السياسية، قادراً على التفكير الاستراتيجي، واتخاذ مواقف مسؤولة، والقيام بدور رقابي وتشريعي يعكس مصالح الناس لا مصالح القوى المتنفذة. فالمساحة الزمنية المتاحة لإحداث التغيير محدودة، وأي تلكؤ أو تساهل سيُفاقم من فقدان الثقة الشعبي، ويُعيد إنتاج الفشل. سيعيد التذكير بمجلس التصفيق الذي كان سائداً في عهد النظام السابق.
ليس الدور المنتظر من البرلمان السوري اليوم فنياً ولا إدارياً، بل وجودي. نحن أمام لحظةٍ لا يُعاد فيها تعريف الدولة السورية فقط، بل هويتها، ووظيفتها، وعلاقتها بمواطنيها. 
البرلمان القادر على أن يتحوّل إلى منصّة وطنية للتفاوض الداخلي، وللإجماع السياسي، هو البرلمان الذي يمكنه أن يُخرج سورية من طور الدولة الهشّة والضعيفة إلى الدولة الراسخة.
لا تنتظر المرحلة المقبلة سلطة تصادق، وتصفّق لكل ما يأتي من "فوق" كما عهدنا من قبل، بل سلطة تُبدع وتُشرّع. لا تنتظر أصواتاً تُجمّل الواقع، بل ضمائر ترى الواقع على حقيقته وتقدم اقتراحات وحلول ومشاريع قوانين. 
باختصار: إما أن يكون هذا البرلمان بداية لسورية جديدة، أو حلقة أخرى في سلسلة من الفرص الضائعة.

المساهمون