القتل جوعاً من دون رادع في قطاع غزة

28 يوليو 2025   |  آخر تحديث: 07:54 (توقيت القدس)
من تظاهرات واشنطن الداعمة لفلسطين، 2025/7/7 (بريندان سميالوفسكي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه سكان غزة تحديات كبيرة تحت الاحتلال والدعم الأميركي له، حيث يظهرون صمودًا استثنائيًا في مواجهة القصف والتجويع، مما يعزز روحهم التحررية ويمنع انهيار المقاومة.
- الوضع المعيشي في غزة متدهور مع حصار قاسٍ لمليوني مدني، بينما يظل المجتمع الدولي صامتًا أو متواطئًا، مما يجعله شريكًا في الجريمة، حيث يتم استقبال قادة الاحتلال كمسؤولين شرعيين.
- العدوان على غزة يعكس المصلحة الأميركية في تعزيز نفوذها، حيث تدعم الاحتلال عسكريًا لتحقيق أهدافها، رغم تحديات صمود سكان غزة.

قبل البدء في تناول الظرف الذي أتاح للاحتلال وداعمه الأميركي المضي بجرائمهما في فلسطين وقطاع غزة حتّى اللحظة، لا بدّ من الوقوف أمام سكان قطاع غزّة المدنيين والمقاومين الذين يجابهون مخططات النازية الجديدة الصهيوأميركية بأبسط الإمكانيات المتاحة، بصمودهم وثباتهم الخارج عن المتوقع. وهنا لا بدّ من التذكير بأنّ الاحتلال سعى دائمًا إلى أن يتحول المشهد الغزّي إلى مشهد حشودٍ مدنيةٍ تتوجه إلى الحدود المصرية وتخترقها هربًا من القطاع المنكوب، إلا أن معظم سكان القطاع تحملوا ما لا يحتمل، وتمسكوا بالبقاء في القطاع رغم كلّ إجرام الاحتلال من القصف إلى التجويع والتدمير، ليس ذلك فحسب، بل أفشل سكان القطاع مساعي الاحتلال لاختراق المقاومة، فلولا صمود مدني القطاع وروحهم التحررية لانهارت المقاومة خلال بضعة أسابيع. هنا علينا أن نذكر أن عدوان الإبادة الجماعية، وعدوان التجويع في قطاع غزّة، تنفذهما قوات الاحتلال الصهيوني، لكن هذا لا يعفي شركاء الاحتلال فيهما من مسؤولياتهما القانونية والسياسية والأخلاقية، وهنا لا نعني الولايات المتّحدة فقط، بل مجمل المجتمعٍ الدوليٍ الذي لم يقف موقفًا حاسمًا لوقفهما، وكذلك دول الإقليم، خصوصًا مصر والأردن، فمعبر رفح معبرٌ مصريٌ نظريًا.

إذًا، وصل الوضع المعيشي في قطاع غزّة إلى حدٍّ غير مسبوق في العصر الحديث، وضعٌ لم تعشه أيّ منطقةٍ حول العالم، تضم في طياته مليونا مدنيٍ، ليس ذلك فحسب، بل إن ما يعرف بـ"المجتمع المدني" يحتضن قادة الحصار والمسؤولين عنه رسميًا، على الضدّ من إرادة شعوبه! هذه المفارقة غير مسبوقةٍ أبدًا أيضًا، فالصمت الرسمي العربي والإقليمي والدولي ليس مرعبًا فقط، بل يدين الصامتين ويجعلهم شركاء كاملين في الجريمة، إذ كانوا في أحداثٍ مشابهةٍ (حصارٍ تجويعٍ قصفٍ وليس إبادةٍ جماعيةٍ حتّى) سابقًا أقلّ فجاجةٍ في شراكتهم، كما في جرائم روسيا، وكذلك نظام الأسد، حين حاصر المدن والبلدات السورية تباعًا، ومنها مخيّم اليرموك، إذ أدانوه ووصفوا الأسد بالمجرم من دون ترددٍ، كما قاطعوه (ظاهريًا على الأقل)، أما اليوم فيستقبل "المجتمع الدولي" المجرم أو الإرهابي بنيامين نتنياهو على اعتباره رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني، أو يستقبل وزرائه وسفرائه ومبعوثيه، إلى جانب حماية الاحتلال وحماية قادته وجيشه من المحاكم، والأخطر يدعم الاحتلال بالذخائر والسلع العسكرية وغير العسكرية.

يجب فهم العدوان على قطاع غزّة واستمراره إلى اليوم (وكذلك استمرار الإبادة الجماعية والتجويع، وتمادي الاحتلال في اعتداءاته إقليميًا) من زاوية المصلحة والرغبة الأميركية، التي تسعى إلى إعادة فرض ذاتها إقليميًا ودوليًا عبر قواها الخشنة

إن حجم الجريمة المرتكب في فلسطين، وتحديدًا في قطاع غزّة اليوم فاق كلّ التوقعات، رغم معرفتنا بطبيعة الاحتلال وداعميه الرئيسيين الإجرامية، فجرائمهم متكررة، سبق أن نفذها المجرمون ذاتهم (الاحتلال الصهيوني وداعميه) سابقًا في فلسطين وخارجها، لكن الجديد حاليًا في قدرة المجتمع الدولي على حماية المجرمين، وضمان استمرار جرائمهم لأطول فترةٍ ممكنةٍ بلا حجاب أو ستارٍ، ليتابعها العالم أجمع وكأنّها بثٌ مباشرٌ، وعلى الرغم من سقوط كلّ ذرائع عدوان الاحتلال منذ أشهر العدوان الأولى، حين انفجرت الحشود الشعبية الداعمة لفلسطين وقضيتها حول العالم، خصوصًا في دول المعسكر الغربي.

من هنا نلحظ أن استمرار العدوان على قطاع غزّة، واستمرار الإبادة الجماعية والتجويع فقد جزءًا كبيرًا من دعم حامله الاجتماعي صهيونيًا أيضًا، هذا الحامل الذي كان قد اعتبره بعضهم السبب الرئيسي في استمرار الإبادة، ما يضعنا أو يعيدنا إلى سؤال متى ينتهي العدوان؟ ولماذا هو مستمرٌ إلى الآن رغم تراجع دعمه من حاضنة الاحتلال الاجتماعية منذ شهورٍ عديدةٍ خلت؟

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

هنا لا بدّ من الإشارة إلى أن التغيير في استراتيجية الأمن القومي الصهيوني، الذي نص في نسختها الأخيرة قبل "طوفان الأقصى" على الاستعداد لسيناريوهات الحرب (بالأصح عدوان) الطويلة والمتعددة الجبهات، على النقيض من بنيته السابقة القائمة على الحروب (بالأصح اعتداءات) القصيرة والسريعة. رغم ذلك، لا يفسر هذا التحول قدرة الاحتلال على الاستمرار في هذه الجرائم أمام مرأى ومسمع العالم أجمع لقرابة عامين كاملين. فقدرات الاحتلال العسكرية والاقتصادية واللوجستية محدودةٌ (ضخمةٌ جدًا إذا قورنت بقدرات المقاومة الفلسطينية) مقارنةً بسلوكه الإجرامي، وهو ما أبرزته صحفٌ صهيونيةٌ عدّة (هآرتس مثلاً) بنقلها عن ضباطٍ صهيونيٍ، وأحيانًا عن ضباط الموساد والاستخبارات أنّ الولايات المتّحدة هي التي مكّنت الاحتلال من المضي في إجرامه، عبر مده بكل الذخائر التي يحتاجها، وبمنظومات الدفاع الجوي، والدعم التقني والاستخباراتي وسواها من أشكال الدعم العسكري المباشر.

إذًا لا يستطيع الاحتلال المضي قدمًا في إجرامه من دون الدعم الأميركي المباشر، عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا وماليًا ولوجستيًا، بل ومن دون الحماية الأميركية التي ما زالت تحول دون محاكمة الاحتلال وقادته على أيٍّ من جرائمهم. بل ومن دون التدخل الأميركي المباشر عسكريًا، كما حصل مع إيران، التي ضَربت مفاعلاتها النووية الطائرات الحربية الأميركية، كي تضع حدًا للرد الإيراني على العدوان الصهيوني.

أفشل سكان القطاع مساعي الاحتلال لاختراق المقاومة، فلولا صمود مدني القطاع وروحهم التحررية لانهارت المقاومة خلال بضعة أسابيع

من هنا لنعود إلى السؤال القديم الجديد، من يتحكم بمن، أميركا تتحكم بالاحتلال الصهيوني أم الاحتلال الصهيوني ولوبيه يتحكمان بأميركا؟ قد يستمر الجدل ذاته أجيالاً وأجيال من دون فائدة، نظرًا لغياب الدلائل القاطعة والحاسمة، لكن المؤكّد أن كلّ سياسات الاحتلال لا تمس بالمصالح الأميركية (من دون التقليل من قدرة الأول على ممارسة الخديعة الاستراتيجية والأمنية)، في حين أنّ بعض سياسات أميركا تمس بالمصالح الصهيونية، كما في الاتّفاق النووي الإيراني، وتأجيل ضرب إيران، وسواها من القرارات الأميركية بخصوص علاقتها مع دول الإقليم، التي لا تتطابق مع المواقف الصهيونية، وتمثّل ضغطًا حقيقيًا على الاحتلال الصهيوني، من دون أن تصل إلى حدٍّ مقلقٍ.

بناءً عليه، يجد الكاتب أنّ أميركا هي المتحكمة بالاحتلال، لذا فهي راعيته الكبرى، فكما قال جو بادين الرئيس الأميركي السابق "لو لم تكن هناك إسرائيل لكان على أميركا خلق إسرائيل لحماية مصالحها"، وعليه يجب فهم العدوان على قطاع غزّة واستمراره إلى اليوم (وكذلك استمرار الإبادة الجماعية والتجويع، وتمادي الاحتلال في اعتداءاته إقليميًا) من زاوية المصلحة والرغبة الأميركية، التي تسعى إلى إعادة فرض ذاتها إقليميًا ودوليًا عبر قواها الخشنة/ العسكرية المباشرة، بعد ترهل قواها الناعمة، وفي ظلّ الخطر القادم من الصين وروسيا دوليًا، ومن إيران وتركيا على مصالح أميركا الإقليمية. من هنا تخوض الولايات المتّحدة الحرب متخفيةً خلف الاحتلال، وساعيةً لفرض نفوذها، وضمانه لعقودٍ قادمةٍ، مهما كانت كلفة ذلك.

لكن؛ هل تنجح أميركا وأداتها الإقليمية (الاحتلال الصهيوني) في تحقيق أهدافهما عسكريًا، أم لهذا العنف المنفلت تداعياتٌ كبيرةٌ قادمةٌ؟ على الأغلب لن يخلو الأمر من تداعياتٍ كبيرةٍ غير متوقعةٍ بالحدّ الأدنى، يجب أن ينسب فضله لسكان قطاع غزّة، الذين حطموا جبروت أميركا والاحتلال الصهيوني بتمسكهم بأرضهم رغم كلّ الإجرام المرتكب، ورغم فارق القوّة العسكرية.

المساهمون