الفلسطينيون يتملّكون البيوت كالأجانب ويستأجرونها كالسوريين
استمع إلى الملخص
- في عام 2022، تم تعديل قوانين تملك العقارات للفلسطينيين، مما أثار غضبهم بسبب القيود الجديدة التي منعتهم من تملك عقارات خارج المخطط التنظيمي أو تجارية، مما أثر سلباً على وضعهم القانوني والاقتصادي.
- عقود الإيجار في سوريا تخضع للمرسوم التشريعي 111 لعام 1952، الذي يمدد العقود حكماً، مما أدى إلى إشكالات قانونية. في 2025، شكلت لجنة لدراسة هذه الصعوبات، لكن لم يصدر قرار نهائي بشأن الفلسطينيين حتى منتصف يوليو 2025.
منذ قدوم الفلسطينيون إلى سورية، تمتّعوا بوضع قانوني مميّز نسبياً مقارنة بدول أخرى، فقد صدر القانون التشريعي رقم 260 للعام 1926، الذي اعتبر الفلسطينيين المقيمين في سورية مواطنين سوريين في كلّ ما يتعلّق بالحقوق والواجبات باستثناء الحقوق السياسية والجنسية، ما أتاح للفلسطينيين العمل في كل المجالات كالتعليم والصحة، إذ لعب الوجود الفلسطيني في سورية دوراً مهماً في مرحلةٍ تعد من أبرز المحطات التي مرّ بها الشعب الفلسطيني بعد نكبة 1948، وقد لعبت سورية دوراً بارزاً في احتضان اللاجئين الفلسطينيين، ووفرت لهم حقوقاً كثيرة، من دون منحهم الجنسية في بعض الحالات حفاظاً على هويتهم وحقّ العودة.
يشترط أن يكون للمالك الأجنبي أسرة، ويُسمح له بتملّك عقار واحد، بغرض السكن لا تقل مساحته عن 140 متراً مربعاً
ولما كان لاندماج الفلسطينيين في التملّك والإيجار والعمل في المجتمع السوري قد أثبت نجاحه ومشاركته في الشأن العام السوري، وكل الفعاليات المجتمعية، لا بدّ من إحاطة هذه المسألة بالرعاية والاهتمام، لأنّ المظاهر البراقة وغير الحقيقية ما هي إلّا كبرق سحابة لم تمطر، فيبقى الأساس المتين عوناً للجسد الذي بُني عليه، أمّا الزبد فيذهب جفاءً، وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، ولذلك لا بدّ من إحاطة هذه المسألة باهتمام كبير ليبزغ فجر قوانين جديدة تنصف الفلسطينيين الذين يعيشون على أرضٍ سورية داعماً لهذا الجسد السوري ومشاركاً في بنائه، فقد سمح القانون السوري في ظل النظام البائد بتملّك العقارات في سورية للفلسطينيين، لكن بشروط محدودة، إذ يجب أن يكون العقار مخصّصاً للسكن الشخصي، وأن يكون بناءً مرخصاً وفقاً لأنظمة البناء، وأن لا تقلّ مساحته عن 140 متراً مربعاً، كما يُشترط أن يكون لطالب التملّك وأسرته إقامة مشروعة في سورية، وبالتالي، يعامل القرار الفلسطيني في سورية معاملة الأجنبي تماماً في ما يتعلق بملكية العقار، ويقيده بالشروط التي يقيد فيها الأجنبي عند رغبته بالتملّك مثل اشتراط الحصول على موافقة وزارة الداخلية، وأن يكون العقار مسجلاً كسند تمليك دائم (طابو أخضر)، كما يشترط أن يكون للمالك الأجنبي أسرة، ويُسمح له بتملّك عقار واحد، بغرض السكن لا تقل مساحته عن 140 متراً مربعاً. وفي 1956، صدر قانون رقم 1260 ينصّ على أن "غير السوري" هو الشخص الذي لا يحمل الجنسية العربية السورية، شخصاً عادياً أو اعتبارياً، ويستثنى من ذلك الفلسطيني الذي يعامل معاملة السوري أو عرب 48.
وبناءً على هذا، كان الفلسطيني يستطيع تملّك عقارات ملكيتها كاتب عدل وحكم محكمة بعددٍ غير محدود وعقار واحد فقط طابو أخضر. وفي 2011 جرى تعديل "القانون رقم واحد" لكن القانون بقي يعترف بحق الفلسطيني بأن يعامل معاملة السوري، وللأسف جرى عام 2022 تعديل الفقرة التي تعترف بأن "الفلسطيني يعامل معاملة السوري بالقرار ( 1015)" ليصبح التعديل: "يقصد بعبارة غير السوري" أي شخص طبيعي أو اعتباري لا يحمل جنسية الجمهورية العربية السورية"، وجرى إلغاء الفقرة التي تنصّ على أن الفلسطيني غير مشمول بأحكام المادة 1260 للعام 1956، وبناء على التعديل الجديد أصبحت العقارات التي ملكيتها حكم محكمة وكاتب عدل غير مسموح للفلسطينيين بتملّكها أبداً، وأثار هذا التعديل ردود فعل غاضبة من الفلسطينيين في سورية وخارجها، الذين اعتبروه تمييزاً ضدّ حقوقهم ومحاولة لإجبارهم على الهجرة أو بقائهم في مخيّمات اللاجئين. وجاء هذا القرار بأثر سلبي يكمن من الناحية القانونية في تغيير المركز القانوني للفلسطينيين المقيمين في سورية، وتقويض الحقوق المدنية التي كانوا يتمتّعون بها وتعطيهم حقوقاً قريبة للمواطنة في التملّك وتولّي الوظائف العامة. ما عدا حق الانتخاب والترشح للبرلمان والإدارات المحلية، ما يهدّد الاستقرار الاجتماعي، إذ يفرض هذا القرار واقعاً بتملّك عقار سكني واحد فقط، ضمن المخطّطات التنظيمية، وبالتالي لا يستطيع تملّك العقارات خارج المخطّط، التي كان من الممكن تملّكها سابقاً بموجب كاتب عدل أو حكم قضائي، ولا يمكن أيضاً تملّك عقار تجاري، فقد أوقفت دوائر السجل العقاري جميع معاملات سجل العقارات من الفلسطيني وتثبيتها في السجل العقاري، وألغت أيضاً موضوع وكالات كاتب العدل والحكم القضائي لوجود شرط موافقة وزير الداخلية على عملية البيع، وعملت المحاكم على إصدار إقرار بالبيع من دون متابعة خطوات تنفيذ هذا الإقرار، ما يجعل الوضع القانوني لشراء العقارات السابقة لصدور هذا القرار غير المفرغة لدى السجل العقاري عرضة للفقدان، وخصوصاً في حال كان الفلسطيني مشترٍ لأكثر من عقار سكني أو عقار تجاري، فلا يمكن، في ظل هذا القرار، إتمام عملية الفراغ في السجل العقاري، ولهذا أثر بالغ على الوضع الاقتصادي.
وفي 18 ديسمبر/ كانون الأول 2022، أعدّ حقوقيون فلسطينون مذكرة تطالب النظام البائد بعدم معاملة الفلسطينيين المقيمين على أرضها معاملة الأجانب، لما لهذا القرار من تداعيات سلبية على أوضاع الفلسطينيين الاقتصادية والقانونية والإنسانية. فبعد 15 يوماً من هذا التعديل جرى إيقاف عمليات شراء العقارات للفلسطينيين، إذ قال أحد النشطاء الفلسطينيين في سورية: "يهدف إلى تهجيرنا من أرضنا وممتلكاتنا التي اشتريناها بدمائنا وعرقنا. نحن لا نريد أن نكون أجانب في بلدنا الثاني، نحن نريد العيش بكرامة وأمان"، وأضاف آخر: "نرفض هذا القرار الظالم والمجحف ونطالب بإلغائه فوراً، نحن لا نحمل أي جنسية، ولم نعش طوال حياتنا سوى في سورية. ولا نطلب من الحكومة السورية أي شيء سوى احترام حقوقنا كفلسطينيين ومعاملتنا بمبدأ المساواة".
حتى منتصف يوليو/ تموز 2025، لم يصدر أي قرار نهائي خاص لتمديد الإيجار الحكمي المرتبط بالفلسطينيين في سورية
وقد خضعت العلاقة الإيجارية في سورية، منذ العام 1952 لأحكام المرسوم التشريعي 111، وجعل هذا المرسوم العلاقة الإيجارية خاضعة لأحكام التمديد الحكمي، وتحديد بدل الإيجار، إذ تدخّل هذا المرسوم التشريعي في حرية التعاقد، وجعل عقد الإيجار يمدّد حكماً، بغضّ النظر عن رغبة المؤجر المالك وإرادته، ما أوجد إشكالاتٍ عديدة بين طرفَي العقد، وحرم المؤجر من حقه في التصرّف في ملكه، كما أن المرسوم التشريعي ولد دعاوى تخمين عديدة يضطر المؤجّر إلى اللجوء لها لرفع بدل الإيجار بما يتناسب مع ارتفاع أسعار العقارات، فضلاً عن أنه أعطى هذا الحق للمستأجر الذي يستطيع الادّعاء "بدعوى تخمين" لتخفيض بدل الإيجار، الأمر الذي أدّى إلى إغراق المحاكم بهذا النوع من الدعاوى، وقد اعتبر بعضهم أن المرسوم انتهاكٌ للمادة 148 التي تنصّ على أن العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه أو تعديله إلّا باتفاق الطرفَين، أو للأسباب التي يقرّها القانون.
وفي مادة لاحقة لها، تنصّ "إن كانت الشروط التعاقدية مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة كانت باطلة ولو اتفق عليها الطرفين، وبالتالي، تشمل حماية النظام العام، في جوهرها، حماية الحد الأدنى من الحقوق الأساسية، ومنها الحق في الاستقرار المهني والسكني، وعدم ترك الفرد فريسة لقانون السوق وحده، والعقارات الخاضعة للتمديد الحكمي التي أُجّرت في ظل قوانين قديمة استمرت العلاقة الإيجارية فيها بقوة القانون، وليس بإرادته. وبالتالي، العقد شريعة المتعاقدين، هو نص تشريعي أعاد الثقة بالاستثمار التعاقدي الإيجاري، لكن لا يجوز إسقاطه باثر رجعي على عقود لها خصوصيّتها التاريخية والاجتماعية والقانونية، وقد أصدرت وزارة العدل القرار 856 لعام 2025، القاضي بتشكيل لجنة مختصّة لدراسة الصعوبات القانونية والتنظيمية المرتبطة بعقود الإيجار ذات التمديد الحكمي، مملوكة للأفراد أو الدولة. كذلك عقود الإيجار المحدودة حكماً، إذ ستتولى اللجنة دراسة الإشكالات المرتبطة بعقود الإيجار وتقديم مقترحات لحل الخلافات الناشئة عنها بما يحقق العدالة بين الأطراف المتنازعة. وحتى منتصف يوليو/ تموز 2025، لم يصدر أي قرار نهائي خاص لتمديد الإيجار الحكمي المرتبط بالفلسطينيين في سورية، إذ تشمل الإجراءات والتعديلات المرتقبة كل عقود الإيجار ذات التمديد الحكمي من دون تمييز معلن حسب الجنسية، لكن نصوصاً محدّدة تخصّ الفلسطينيين. ويرى أحد الخبراء في هذا المجال أن الفقرات الحكمية التي ما زالت في القانون تعيق تنشيط السوق العقارية، وتؤدّي إلى الركود في قطاع العقارات بسبب انخفاض الإيجارات القديمة وعدم مرونتها مع الظروف الاقتصادية المتغيرة، وفيها غبنٌ لمالك العقار القديم. وفي المقابل، يغبن ملاك العقارات حالياً المستأجر بأسعار فاحشة وغير حقيقية، وهذه تحتاج لقانون ناظم يضبطها ليحمي المستأجر. ولذلك بات قانون تعديل الإيجارات من الضروريات لمواكبة إعادة الإعمار وفتح السوق المحلية للمستثمرين والمغتربين ليتلاءم مع العجلة الاقتصادية الجديدة. وتبقى مسألة تملّك العقارات وتأجيرها للفلسطينيين في سورية قانونية واقتصادية واجتماعية لها جذور مجتمعية مرتبطة بالهوية وحقّ العودة وحقّ الفلسطينيين في استئجار العقارات ضمن الدولة المضيفة، ومنحهم الجنسية السورية. وبالتالي تبقى السياسة السورية قائمة على التوازن الدقيق بين الاندماج المؤقت والتمسّك بالموطن الأصلي. فهل سنشهد في المرحلة المقبلة من تاريخ سورية حلاً يضمن قالباً جديداً يراعي وضع الفلسطينيين وحقوقهم وتكون البوصلة بناء سورية بمشاركة الجميع ممّن عاشوا على أرضها وشربوا من مائها في المستقيل القريب.