أهداف إسرائيل من التطبيع مع دول الإقليم

28 يوليو 2025   |  آخر تحديث: 07:45 (توقيت القدس)
تظاهرات إسبانيا لوقف عدوان الاحتلال الإسرائيلي ومقاطعته، 2024/4/20 (خواكين ساستر/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تسعى إسرائيل منذ عقود لتطبيع علاقاتها مع الدول العربية، محققة نجاحات مثل اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة، ومحاولات التطبيع مع دول الخليج عبر اتفاقيات إبراهام لتعزيز وجودها وتطويق إيران.
- تهدف إسرائيل من التطبيع إلى تأكيد وجودها الطبيعي في الإقليم، والاندماج لتحقيق الهيمنة العسكرية والاقتصادية، مع تصفية القضية الفلسطينية دون التنازل عن الأراضي المحتلة.
- تواجه إسرائيل تحديات في التطبيع مع سوريا ولبنان، حيث تسعى لإضعاف الردع السوري وتفكيك علاقة لبنان مع حزب الله، لكن تواجه مقاومة شعبية واسعة.

تسعى إسرائيل منذ عقودٍ إلى تطبيع علاقاتها مع الدول العربية، سواء دول الطوق (أيّ التي تحيط بها جغرافيًا، ولها حدود معها: لبنان وسورية والأردن ومصر)، أو تلك التي تقع في دائرة خارج الطوق المشار إليه أعلاه: دول الخليج ودول شمال أفريقيا وغيرها.

عملت إسرائيل على صناعة أنماطٍ من التطبيع بغية الوصول إلى تطبيعٍ شاملٍ وكاملٍ، ويمكن ملاحظة ذلك بالأنماط التالية: إقامة علاقاتٍ دبلوماسيةٍ كاملةٍ، تعاونٌ اقتصاديٌ من خلال مكاتب الارتباط ومكاتب الشركات الخاصّة، تنسيقٌ وتعاونٌ أمنيٌ واستخباراتيٌ، تحقيق السلام بواسطة اتّفاقيات إبراهام الشاملة، ومواجهة التحديات الإقليمية المشتركة؛ مثل الخطر الإيراني، وحضور الضغط الأميركي على حكومات المنطقة.

من أبرز أحداث التطبيع في مصر، زيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات إلى إسرائيل عام 1977، وإلقاؤه كلمةً أمام الكنيست الإسرائيلي، وصولاً إلى توقيع اتّفاقيات كامب ديفيد عام 1979، وإنهاء حالة الحرب والصراع بين الدولتين، وإقامة علاقاتٍ دبلوماسيةٍ كاملةٍ بينهما.

ما تسعى إليه إسرائيل من عملية التطبيع مع دول الخليج هو تطويق إيران بالكامل ومحاصرتها بتحالفٍ معارض لسياساتها ونهجها في السيطرة على الإقليم كما تدّعي إسرائيل

بذلك حقّقت إسرائيل إحدى أهمّ إنجازاتها في الإقليم، عبر إقامة علاقاتٍ طبيعية مع أكبر دولةٍ عربيةٍ وأكثرها عداوةً (في فترة عبد الناصر) لها. بهذا أرادت إسرائيل، ولا تزال، من وراء انتهاج عملية تسريع التطبيع التأكيد على وجودها الطبيعي في الإقليم، كما أنّ وجودها مؤسَّسً على حقًّ تاريخيٍ شرعيٍ بالكامل، إلى جانب سعيها إلى الاندماج في الإقليم من أجل تحقيق هيمنتها العسكرية والاقتصادية. إضافةً إلى ذلك، ومع فتح باب التطبيع مع مصر بدأت إسرائيل في تصفية القضية الفلسطينية من دون التنازل عن شبرٍ واحدٍ من الأراضي التي احتلتها سواء في عام 1948 أو في عام 1967، وبالتالي تنصلت؛ كما فعلت سابقًا وتفعل حاليًا، من مسؤوليتها بخصوص ما حصل للشعب الفلسطيني، أي أنّها تُلقي بالمسؤولية على الدول العربية لتجد حلولاً للشعب الفلسطيني وقضية اللاجئين (كما يحصل حاليًا في حربها على قطاع غزّة بادعاء أنّ على الدول العربية تبنّي تهجير الفلسطينيين إليها).

بعد مصر طبّعت إسرائيل مع الأردن من خلال اتّفاقية وادي عربة 1994، وبنت منظومة علاقاتٍ متكاملةً بين البلدين، في التمثيل الدبلوماسي، والاتّفاقيات التجارية، والتعاون المشترك الذي لم يتوقف حتّى في أشد الأزمات، كما يحدث الآن في قطاع غزّة.

وكانت هناك محاولة للتطبيع مع لبنان عندما استولى حزب الكتائب على السلطة في 1982 حيث جرى اتفاق أيار 1983 إلّا أنّ القوى الوطنية اللبنانية منعت خروجه إلى حيز التنفيذ. 

أيضًا؛ تصنّف اتّفاقيات أوسلو عام 1993 بين إسرائيل ومنظّمة التحرير الفلسطينية ضمن خطط التطبيع، بغرض تطويق الأخيرة، وإجبارها على التنازل عن حقّ المقاومة، والاعتراف بوجود إسرائيل من دون أن تقدم إسرائيل الكثير من أجل السلطة الفلسطينية، سوى استمرار التنسيق الأمني لخدمة بقاء المشروع الاستيطاني الاقتلاعي الإسرائيلي مستمرًا، خصوصًا في الضفّة الغربية.

بهذا ضمنت إسرائيل هدوءًا طويل الأمد على جبهتين من حدودها، الأولى مع مصر والثانية مع الأردن. في حين أنّ محاولاتها التطبيع مع سورية ولبنان كانت حاضرةً بصورةٍ دائمةً، إلّا أنّ تردُّد حكم الأسد امتنع عن إخراجها إلى النور. وطبيعي أن لبنان كان، واعتقد لا يزال، خاضعًا لسياسات سورية في هذا المضمار. وسنأتي على تفصيل ذلك لاحقًا.

لا تتوقف آلة التطبيع الإسرائيلية عن الزحف باتجاه الخليج، حيث أقامت حكوماتٌ إسرائيليةٌ سابقةٌ؛ ومنذ عقودٍ، مكاتب ارتباط، وعلاقاتٍ تجاريةً مع عددٍ من دول الخليج، منها الإمارات وقطر وعُمان والبحرين، واستفادت إسرائيل من العلاقات التجارية بينها وبين هذه الدول لتؤسِّس مُستقبلاً للمشاركة في طرح اتّفاقيات إبراهام للسلام، وبالتالي إقامة علاقاتٍ دبلوماسية بضغطٍ أميركيٍ في الأساس مع دولتي الإمارات والبحرين، وتبادل السفراء، وإبرام رزمةٍ من الاتّفاقيات في ميادين مختلفةٍ، كالتجارة وسوقٍ مشتركةٍ والطيران والبحوث وغيرها.

بالرغم من أنّ إسرائيل لا تقيم علاقاتٍ دبلوماسية رسمية مع سلطنة عُمان إلّا أنّ نتنياهو لبّى دعوةً لزيارتها عام 2018، وكانت هذه الزيارة دليلاً قاطعًا على التأسيس لعملية تطبيع قادمةً من دون تحديد موعدها. فيما يتعلق بدولة قطر، لا توجد عملية تطبيعٍ مباشرةٌ، إلّا أنّ هناك مكاتب خاصّة لعلاقاتٍ تجارية تتجاوز حدود توصيفها إلى مستويات تعاونٍ سياسيٍ وثقافيٍ وسواه. وبالرغم من عدم استجابة قطر للتطبيع مع إسرائيل إلّا أنّ الأخيرة تقبل بالوساطة القطرية في التفاوض مع حماس في ما يتعلق بقضية إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين لدى حماس.

ما تسعى إليه إسرائيل من عملية التطبيع مع دول الخليج هو تطويق إيران بالكامل ومحاصرتها بتحالفٍ معارض لسياساتها ونهجها في السيطرة على الإقليم كما تدّعي إسرائيل. إلّا أنّ هذا الطوق لم يكتمل إلى الآن، بفعل عدم انجاز التطبيع مع المملكة السعودية، بالرغم من الترويج له من قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ دفعت الإدارة الأميركية زمن رئاسة جو بايدن إلى التسريع في تطبيقه، وإخراجه إلى النور، إلّا أنّ المستجدات قد حالت دون ذلك، وأولها تمسُّك السعودية بحلّ القضية الفلسطينية على قاعدة حلّ الدولتين. إذن، الموقف السعودي هو موقف المبادرة العربية ذاتها، التي قدمتها السعودية في مؤتمر بيروت عام 2003. إضافةً إلى أنّ السعودية قد أنجزت بعض التفاهمات المهمة في بنية علاقاتها مع إيران، فالسعودية كما غيرها؛ تدرك أن إيران تحمل مكانةً ودورًا خاصين ومهمين في المنطقة، لذا لا يمكن التفريط بها لصالح دولةٍ لطالما كانت عدوةً وانتهازيةً وتوسعيةً.

أرادت إسرائيل، ولا تزال، من وراء انتهاج عملية تسريع التطبيع التأكيد على وجودها الطبيعي في الإقليم، كما أنّ وجودها مؤسَّسً على حقًّ تاريخيٍ شرعيٍ بالكامل، إلى جانب سعيها إلى الاندماج في الإقليم من أجل تحقيق هيمنتها العسكرية والاقتصادية

أما على صعيد أفريقيا وشمالها؛ لدى إسرائيل علاقاتٌ تتسم بالتطبيع غير الرسمي مع المملكة المغربية، بواسطة مكاتب اتصالٍ وتجارةٍ وإعادة تشكيل حضور الجاليات اليهودية المغاربية في الرباط، وغيرها من مدن المغرب، وعودة عائلاتٍ مغربيةٍ من إسرائيل للعيش مجددًا في المغرب، وفتح خطوط طيرانٍ بينهما.

المشكلة الرئيسية التي تقف أمام إسرائيل في إتمام مشاريع التطبيع وخططه تتعلّق بسورية ولبنان، فالاعتقاد السائد لدى حكومة نتنياهو، ووزارة خارجيته أنّه بواسطة عملية إضعاف قوّة الردع السورية، وتدمير البنية العسكرية فيها يمكن دفع الحكومة السورية الحالية إلى القدوم راكعةً للتوقيع على تطبيعٍ مع إسرائيل. الآن تجد حكومة نتنياهو أنّ الفرصة مؤاتيةٌ لتحقيق هذا الضغط من خلال الاستفادة من عملية ظهور إسرائيل أقوى دولةٍ في الشرق الأوسط، والتي -أي إسرائيل- تحارب على جبهات الإقليم كلّها، فإنّها تريد استثمار النزاع الدائر في محافظة السويداء وتسديد ضرباتٍ موجهةٍ في خاصرة دمشق على اعتبارها جزءًا من وقوف إسرائيل إلى جانب الدروز في سورية، من منطلق حلف الدم بينها وبين دروز إسرائيل، وبالتالي خلق فراغٍ سياسيٍ وإداريٍ في الجنوب الغربي من سورية ما يوفر قطاعًا جغرافيًا فارغًا من الحضور العسكري السوري، مهما كان وزنه، ما يشكل ضغطًا على الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع يدفعه إلى الهرولة للتوقيع على اتّفاقية تطبيعٍ. فإلى جانب ظهور إسرائيل قوةً فاعلةً بقصف مقرّاتٍ سياديةٍ سورية (هيئة الأركان)، تتفاوض سرًّا في الدوحة وباكو في أوزبكستان مع مندوبين سوريين لغرض وضع تفاهمات التطبيع. وقد أبدى الرئيس السوري ليونةً في هذا الخصوص، بإعلانه أنّه غير معنيٍ بمحاربة إسرائيل.

بالتوازي مع ما يحصل في سورية، وما تقوم به إسرائيل من قصفٍ وتفكيكٍ للتوازنات الأثنية، تعمل على تفكيك لبنان من علاقته مع حزب الله، وبناء قوّة الجيش اللبناني على يد الولايات المتّحدة، وبالتالي إرضاخ لبنان الضعيف أصلًا إلى إملاءات التطبيع. باعتقاد الكاتب؛ ليس من السهل تطبيق خطة التطبيع مع سورية، بسبب القواعد الشعبية الواسعة المحمّلة بمخزونٍ تاريخيٍ معارضٍ لوجود إسرائيل، لا يمكن إخضاعها بسهولةٍ.

لذا ستشهد المنطقة، خلال الأسابيع القادم، المزيد من طروحات التطبيع الإسرائيلية وخططها، مسنودةً من البيت الأبيض، على قاعدة إلحاق هزيمةٍ، وتكوين هشاشةٍ عسكريةٍ، وتفوُّقٍ عسكريٍ إسرائيليٍ. إنّها طريقة الضبع في تهيئة مسرح الصيد، ببث سمومه للانقضاض على فريسته.

المساهمون