الطريق إلى غزة من تركيا

الطريق إلى غزة من تركيا

06 اغسطس 2016
حي الشيخ رضوان أثناء انقطاع الكهرباء
+ الخط -

في هذا السياق شدّدت هذه الأوساط على أن إسرائيل لا تملك "امتيازات" كثيرة كهذه في الساحة الدولية، ولذا فالثمن الذي تم دفعه لقاء الاتفاق "كان جديرًا".

واعتبرت تحليلات أخرى أن الإنجاز الإستراتيجي الأهم لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو هو أنه نجح في جعل تركيا تتراجع عن طلبها رفع الحصار البحري عن القطاع بشكل كامل.

في الوقت عينه أعادت هذه التحليلات إلى الأذهان أن طلب تركيا هذا كان السبب الأساسي وراء خروج أسطول الحرية الى غزة في أيار/ مايو 2010، وبالتالي فإن اتفاق المصالحة كما هو الآن يشكّل عمليًا اعترافًا تركيًا بأنها أخطأت عندما سمحت لهذا الأسطول بالخروج، ويتضمن اعترافها بشكل غير مباشر بـ"احتياجات إسرائيل الأمنية" في ما يتعلق بغزة، من طريق قبولها طلب إسرائيل بأن أي بضاعة تذهب الى غزة يجب أن تمرّ عبر ميناء أسدود.

لكن في المقابل لفت عدة خبراء في الشؤون الإستراتيجية إلى أن مطالب المقاومة ومصالح السكان في غزة لم تُهدر، بل استجيب لبعضها وبات بعضها الآخر مطروحًا بقوة في جدول الأعمال.

بحسب ما يرى رئيس جهاز "الموساد" السابق إفرايم هليفي، صحيح أن الحصار البحري المفروض على غزة لم يُرفع، لكن فُتح الباب واسعًا أمام إدخال بضائع وعتاد من أنواع مختلفة ومواد بناء من أجل تشييد محطة لتوليد الطاقة ومستشفى.

وبرأيه من المنتظر أن تشهد غزة ثورة اقتصادية وربما أيضًا اجتماعية في المستقبل، وبالتالي فمستوى الحياة المتدني سيرتفع، وستنشـأ فرص عمل أخرى غير حفر الأنفاق (!!)، ولن يكون بعيدًا النهار الذي ستُطرح فيه مسألة الجدوى من الاستمرار في فرض الحصار البحري على القطاع على طاولة النقاشات.

بالتوازي قالت تحليلات لـ"مركز القدس للشؤون العامة" (مقرّب من رئيس الحكومة نتنياهو) إن إدخال هذه البضائع من شأنه أن يقلل من وطأة الحصار الذي يفرضه نظام السيسي في مصر على دخول البضائع إلى القطاع عبر معبر رفح.

وهذا أمر يؤدي في التحصيل الأخير إلى تعزيز مكانة حركة "حماس" على المستوى الجماهيري الفلسطيني العام وخصوصًا داخل القطاع.

ويشير هليفي من جهته إلى أن مكانة "حماس" على الصعيد الدولي تحسنت أيضًا، حيث دُعي رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل إلى لقاء شخصي مع الرئيس التركي أردوغان قبل أيام قليلة من توقيع الاتفاق. وفضلًا عن هذا حظيت العلاقة بين تركيا و"حماس" بـ"مباركة" إسرائيل عندما قررت هذه الأخيرة أن تضع بين يدي أنقرة مهمة استعادة جثتي الجنديين الإسرائيليين اللتين تحتفظ بهما "حماس" منذ عدوان 2014، وكذلك استرجاع مواطنين إسرائيليين علقا في القطاع.

في ما يختص بالتنازلات التي قدمها كل من طرفي الاتفاق، يمكن رسم الصورة التالية وفق القراءات الإسرائيلية: إسرائيل قدمت "تنازلين" هما: أولًا، اعتذرت عن الاعتداء على أسطول الحرية؛ ثانيًا، وعدت بإعطاء 20 مليون دولار لصندوق إنساني تركي من أجل الاهتمام بالمصابين الأتراك وعائلاتهم وعائلات القتلى. في المقابل، الأتراك سيسحبون أي دعوى ضد إسرائيل أو إسرائيليين ولن يتعاونوا مع أي إجراء قضائي كهذا. أيضًا سيتم استئناف العلاقة الدبلوماسية بالكامل من الطرفين.

في هذه القراءات نفسها أثار "الغضب" أن تركيا رفضت طلبًا إسرائيليًا بإغلاق مكاتب "حماس" في أراضيها، وأن إسرائيل لم تتمكن من إجبارها على أن تمارس ضغطًا حقيقيًا على "حماس" من أجل إطلاق مدنيين إسرائيليين وإعادة أشلاء جنديين، واضطرت إسرائيل إلى الاكتفاء برسالة تعهدت فيها تركيا ببذل كل مساعيها من أجل مساعدتها في هذا الموضوع، وثمة شك كبير في حدوث ذلك، على ما يقول محلل الشؤون الأمنية في صحيفة "معاريف" يوسي ميلمان.

وذهب "المستشرق" الإسرائيلي إيال زيسر إلى أنه بخلاف الانطباع السائد لدى كثيرين في إسرائيل فإن "حماس" ليست موجودة في جيب أنقرة ولا تنصاع إلى إملاءاتها بصورة عمياء. وهذا ما يتعين على إسرائيل مواجهته.

وفي قراءته، الخلاصة من هذا كله أن القدرة الإسرائيلية في الحصول على تنازلات من "حماس" كجزء من الاتفاق مع تركيا محدودة أو غير موجودة منذ البداية، ولذا يمكن القول إن التفاوض أو الحوار بين إسرائيل و"حماس" يجب أن يجري مباشرة أو بواسطة وسطاء.

يجب الإشارة إلى أن الاتفاق بين إسرائيل وتركيا جاء بعد فترة وجيزة من تسلم وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد أفيغدور ليبرمان مهمات منصبه، وبعد أيام قليلة من إدلاء مصدر رفيع المستوى في وزارة الدفاع (يُعتقد بأنه ليبرمان نفسه) بتصريحات مفصلة تتعلق بسياسة إسرائيل تجاه "حماس"، برزت فيها وجهتا نظر واضحتان: الأولى، المواجهة المقبلة مع "حماس" حتمية؛ الثانية، هذه المواجهة التي لا بد من أن تحدث يجب أن تكون "الأخيرة".

عن هذه السياسة قال رئيس "الموساد" السابق إنها تتعارض مع الاتفاق مع تركيا، وعمليًا فإنه ينقضها. وأضاف: لا يمكن تخيّل طائرات سلاح الجو الإسرائيلي تقصف محطة لتوليد الطاقة بناها الأتراك في القطاع، كما لا يمكن أن يخطر على البال أن تقرر إسرائيل خوض حرب إبادة ضد "حماس" رغمًا عن إرادة أنقرة. ومن المستحيل توكيل تركيا بمهمة وساطة حساسة وفي الوقت ذاته السعي إلى مواجهة عسكرية مصيرية تحوّل غزة إلى كومة من التراب في "عملية عسكرية أخيرة"!

مهما يكن فإن سياسة إسرائيل تجاه غزة والمقاومة فيها سياسة أمنية بامتياز، كما هي سياستها إزاء الفلسطينيين عمومًا.

وبعد الاتفاق مع تركيا ما يزال نتنياهو يتباهى بأن هذه السياسة أدت إلى تحسّن وضع إسرائيل الأمني منذ آخر عدوان على غزة قبل عامين، كما أن دولة الاحتلال باتت أيضًا تتعاون مع جهات تعتبر حركة "حماس" عدوًا مشتركًا.

(كاتب وباحث فلسطيني/ عكا)

المساهمون