الهبّة الجماهيرية في غياب رواية إعلامية فلسطينية

الهبّة الجماهيرية في غياب رواية إعلامية فلسطينية

16 نوفمبر 2015
استوديو فضائية الأقصى، غزة/ تصوير: عبد الحكيم أبو رياش
+ الخط -

اختلفت تسمية الهبّة الجماهيرية الفلسطينية التي اجتاحت الضفّة الغربية والقدس المحتلّتين في الإعلام الفلسطيني، فسميّت في بعضها بـ "انتفاضة القدس"، وفي أخرى بـ "الانتفاضة الثالثة"، وفي الإعلام الرسمي بـ "الاعتداءات الإسرائيلية"، فيما سمّاها النشطاء على مواقع التواصل كل حسب معتقده الفصائلي.

في بداية الهبّة، كان التعاطي الإعلامي الفلسطيني معها مرتبكاً، إذ إنّ الخوف كان مسيطراً عليها من أنّ تكون موجة لأيام معدودة وتنتهي، لكن طول أمدها ودخولها الشهر الثاني على التوالي دفع إلى تغيير كثير من المصطلحات والعمل بآلية أخرى غير الإخبارية.

وفتحت قناتا "فلسطين اليوم" (التابعة لحركة "الجهاد الإسلامي") و"الأقصى" (التابعة لحركة "حماس")، موجات من البث المباشر لتغطية الأحداث، رغم التضييقات الأمنية على عمل مراسلي كلٍّ من القناتين، وكذلك فعلت قناة "القدس" التي تبث من بيروت.

لكن تلفزيون "فلسطين" الرسمي تعاطى بطريقتين مع الأحداث، فكان في البداية يقطع كل شيء من أجل بث الأخبار العاجلة وغيرها، لكنه في النهاية، كما يبدو، رضخ لضغوط سياسية وصار يضع الأخبار العاجلة على الشريط دون حتى فتح الهواء لكثير من الأخبار والتطوّرات.

أما قناة "الأقصى" الفضائية والتي تبث من غزة، فافتتحت استوديو خاصاً بـ"الانتفاضة" وزيّنته بمفرداتها، عبر وضع الحجارة التي يلقيها الشبان على قوات الاحتلال على أرضية الاستوديو، وعجلات السيارات التي يحرقها الشباب في مواجهة الاحتلال، وضعتها كمشهدية للاستوديو.

يقول أستاذ الإعلام في "الجامعة الإسلامية" في غزة، محسن الإفرنجي، لــ "العربي الجديد": "إنّ التغطية التفسيرية والعميقة للهبّة الجماهيرية والمسبّبات التي دفعت بانفجار الأوضاع بشكل مفاجئ في الضفة الغربية دون سابق إنذار، غابت تماماً عن الإعلام الفلسطيني".

ويشير الإفرنجي إلى أنّ "الإعلام الفلسطيني أبلى بلاء حسناً على صعيد التغطية الميدانية للأحداث، وتميّز في بعض المجالات، كعرض الصور ومقاطع الفيديو التي فضحت زيف الرواية الإسرائيلية للأحداث الميدانية (الإعدامات)".

ويلفت الإفرنجي إلى الدور الفاعل الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي في الهبّة الجماهيرية، واستغلال وسائل الإعلام المحلية لما يبث فيها، في إطار تغطيتها الميدانية للأحداث، ومحاولة عرض الأحداث للجمهور الفلسطيني والعربي والدولي.

كما يلفت إلى أن "التغطية الإعلامية للأحداث اتسمت في البداية بالارتباك بفعل عدم قدرة المختصّين الإعلاميين والسياسيين على تفسير مجريات الأحداث في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وهو ما يعكس حالة التخبط في الخطاب الإعلامي".

ويوصي الإفرنجي الوسائل الإعلامية بأهمية تشكيل لجان تنسيق مشتركة لتوحيد التغطية الإعلامية، والبحث عن قواسم مشتركة تعمل على توحيد الجهود، والعمل على إبراز رواية إعلامية فلسطينية أكثر قوة، مشيراً إلى أنّ غياب رواية إعلامية فلسطينية قوية في العالم يعتبر نقطة الضعف الأبرز للقضية الفلسطينية طيلة السنوات الماضية، في ظل عدم وجود أي مؤسسة إعلامية قادرة على مخاطبة المجتمع الدولي وإقناعه بالرواية الفلسطينية.

من جهته، يقول أستاذ الإعلام في "جامعة بيرزيت"، نشأت الأقطش: "إنّ التغطية الإعلامية الفلسطينية للهبة الجماهيرية تعتبر "فارغة المضمون"، من دون أي محتوى حقيقي، يعرض طبيعة المعاناة اليومية التي يعانيها الشعب الفلسطيني بفعل الممارسات الإسرائيلية.

ويؤكد الأقطش أنّ "وسائل الإعلام المحلية رغم انشغالها الكامل بمتابعة الأحداث المتسارعة لحظة بلحظة إلا أنها ما تزال تغفل عن تقديم تغطية صحافية أكثر عمقاً وشمولية، تعمل على لفت الأنظار العربية والدولية للهبّة الجماهيرية".

ويشير الأكاديمي الفلسطيني، إلى أنّ "انشغال العديد من الدول العربية في المنطقة بقضاياها الداخلية أسهم في غياب الإعلام العربي عن متابعة مجريات الأحداث واقتصار الأمر على تغطية عابرة في النشرات الإخبارية".

ويلفت الأقطش إلى أنّ "الانقسام الداخلي لعب دوراً كبيراً في التأثير على طبيعة التغطية الإعلامية للهبّة الجماهيرية في مختلف المناطق الفلسطينية، ولعب دوراً بارزاً في إرباك الكثير من هذه الوسائل في طبيعة التعامل مع الأحداث". يضيف: "يجب أن يكون هناك غطاء إعلامي كبير لأحداث الهبّة الجماهيرية، وألا يكون الانقسام السياسي حاضراً في تغطية ثورة الشعب الفلسطيني ضد الممارسات التي يقوم بها الاحتلال في القدس والضفة الغربية".

ويوضّح الأقطش أنّ "التغطية الإعلامية في الضفة الغربية وغزة للهبّة كانت على القدر نفسه، لكنها في مجملها تغطية شكلية اقتصرت على تغطية الأحداث بشكل عاجل، ولم تساهم في لفت الأنظار الدولية تجاه الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني". فيما يرى أنّ "الحالة الإعلامية المحلية في متابعتها للأحداث لم تخلق بعداً يدفع وسائل الإعلام الدولية والعالمية لمتابعة الهبّة الجماهيرية، أو إفراد مساحة واسعة لها على غرار الأحداث المتصاعدة في سورية واليمن".

ويدعو أستاذ الإعلام، إلى أهمية توحيد التغطية الإعلامية الفلسطينية لأحداث الهبة الجماهيرية، وأن تعمل على تقديم تغطية صحافية أكثر عمقاً للأحداث، تسهم في عرض المشكلات التي يعاني منها الشعب الفلسطيني من جرّاء الاحتلال، مشيراً إلى ضرورة أنّ يكون للسفارات والدبلوماسية الفلسطينية دور على صعيد ترجمة الإنتاج الصحافي الفلسطيني لمختلف اللغات، ودعم وسائل الإعلام المحلية لحشد الرأي العالمي لخدمة القضية الفلسطينية، ولفضح الرواية الإسرائيلية للأحداث.

(غزة)

المساهمون