التحديات الأمنيّة والحروب الإلكترونيّة

التحديات الأمنيّة والحروب الإلكترونيّة

31 اغسطس 2015
ارتفاع حدّة الحروب الإلكترونية (فرانس برس)
+ الخط -
لقد أحدثت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ثورة شاملة في جميع نواحي الحياة. فعلى المستوى الاجتماعي كان لها وقع كبير على سلوكيات المجتمع وهويتها وانتشار آليات التشبيك بين المجموعات البشرية متمثلة في وسائل التواصل الاجتماعي، ثم أجهزة الحاسوب والهواتف المحمولة، الأمر الذي ترتبت عنه تغييرات كبرى في مرتكزات اجتماعية كبيرة كالخصوصية، الثقافة، الإعلام، التعارف وبناء العلاقات الاجتماعية.

وعلى المستوى الاقتصادي، ساعدت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على الانتقال السريع نحو الاقتصاد الجديد المبني على المعرفة، ودخلنا بذلك للعصر الرقمي، إذ يتم استخدام البرمجيات المتطورة والتطبيقات الذكية والنظم المعلوماتية في نجاحات متعددة في ريادة الأعمال والإدارة، بالإضافة إلى تزايد اللجوء للابتكارات التكنولوجية والتواصلية في قطاعات اقتصادية حيوية كالطاقة، السياحة، الخدمات المالية والمصرفية.

اقرأ أيضا: قواعد البيانات واتخاذ القرار

وفي المقابل، تزداد المخاطر الإلكترونية كلما زادت هيمنة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على النسق العام للحياة، فأصبحنا أما جرائم حقيقية ومتكاملة الأركان تتم عن طريق شبكات المحمول، أجهزة الحاسوب وشبكة الإنترنت بأشكال كثيرة، كسرقة الأموال، النصب والاحتيال، التخطيط لعمليات إرهابية، ترويج الأخبار الكاذبة، وكذلك القرصنة باعتبارها الجريمة الأكثر شيوعاً في العالم الرقمي.

وفي هذا السياق، فإن البحث في قضايا الحروب الإلكترونية والتحديات الأمنية يقتضي الغوص في حيثيات العصر الرقمي الجديد وتوصيف بيئة هذه التحديات، حيث إن شبكة الإنترنت تتوفر على 30 تريليون موقع إلكتروني مع انتشار واسع للابتكارات بالشبكة العنكبوتية. ففي تقرير صدر أخيراً عن مؤسسة "سيسكو"، يتبيّن أن أكثر من 40 مليار جهاز سوف يتحوّل على الإنترنت متمثلة في سيارات ذكية وأجهزة منزلية رقمية.

اقرأ أيضا: تكنولوجيا القيادة والتحكّم في الأداء

واتصالاً بموضوع الحروب الإلكترونية، تشير عدة تقارير وإحصائيات إلى أن 95% من الشركات الكبرى متعددة الجنسيات تعترف بتعرضها للقرصنة، وأن 30% من قرارات مديري ورؤساء مجالس الإدارة بهذه الشركات تخص الأمن الإلكتروني، كما أنه في كل ثانية يتم تصميم 10 أجهزة للأذى متجسدة في البرمجيات الخبيثة. وفي العام الماضي، اتخذت أكثر من 100 حكومة في العالم إجراءات حازمة تخص العالم الافتراضي والأمن الإلكتروني، خاصة مع كثرة الاعتداءات الإلكترونية بين الدول، وأهمها تلك الهجمات المتبادلة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، ناهيك عن التزايد المطرد في سرقة الملكية الفكرية بين المنشآت الاقتصادية والتجارية، الجامعات التدريسية، المعاهد البحثية والمؤسسات الإعلامية، علاوة على انتشار شبكات الإرهاب الإلكتروني التي توفر نقاط التلاقي والتنسيق بين التنظيمات الإرهابية وتبادل المعلومات والخبرات.

وعلى هذا النحو، يمكن اعتبار تحدي الأمن الإلكتروني أعلى تحديات الأمن القومي في القرن الواحد والعشرين، مع الإشارة إلى أن المفهوم الحديث للأمن لا يقتصر فقط على الجوانب الجنائية، بل يواكب كل التهديدات والتحديات التي يمكن أن تشكل حجر عثرة أمام الاقتصاد الرقمي وتدفق المعرفة. وتتجلى هذه التحديات في الأمن القومي، فقد أسقطت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مفهوم الحدود الجغرافية، السياسية والثقافية بين الدول، ما يضع السيادة الوطنية على المحك، خاصة مع اختراق المواقع الحكومية الرسمية والتجسس المعلوماتي على الدول.

اقرأ أيضا: تكنولوجيا التشخيص الاستراتيجي

يبرز التحدي الثقافي والفكري كأحد أهم بوابات التهديد في الحروب الإلكترونية، وذلك عن طريق الغزو الفكري في شبكات التواصل بنشر ثقافة العنف والإقصاء، والتحريض على الإجرام تحت ذرائع دينية، طائفية أو عصبية. لذلك، يستوجب العناية بالمحتوى الإلكتروني القائم على نشر العلم والتعريف بالحضارات.

وختاماً، يجب الإقرار أن مستقبل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات سيعرف حروباً إلكترونية كبيرة وستتحول شبكة الإنترنت إلى ساحة كبيرة تكثر فيها المخاوف، التهديدات والهجمات، كما ستشكل هذه المخاوف فرصاً استثمارية واعدة لمؤسسات الحماية الإلكترونية، الأمر الذي يفرض التعامل مع قضايا الأمن الإلكتروني بمرونة تامة ومقاربة استباقية، كما يجب العمل على تدريب مستخدمي هذه التكنولوجيا على الأمن الإلكتروني وتوعيتهم بتداعياته الكبيرة.
(باحث وأكاديمي مغربي)

المساهمون