السينما والتربية.. علاقة متينة يكرسها مهرجان مغربي

السينما والتربية.. علاقة متينة يكرسها مهرجان مغربي

03 مايو 2016
يمكن للسينما أن تحقق العديد من المقاصد التربوية( Getty)
+ الخط -
 

يعتبر المهرجان الدولي للسينما والتربية بمدينة فاس، نموذجا لنجاح تجربة تأسيس نواد سينمائية فاعلة بالمؤسسات التعليمية المغربية، لتجميع الطاقات والمواهب وتكوينها وضمان انخراطها الفاعل في أنشطة ينفذها التلاميذ تحت إشراف معلميهم، لجلب المتعة لهم وترسيخ الجودة في العملية التعليمية.

ويسعى المهرجان الذي طوى نسخته الخامسة عشرة منذ إحداثه في عام 2001 بمبادرة من أكاديمية التعليم في جهة فاس، إلى خلق ثقافة سينمائية لدى المتعلمين توجد لديهم القدرة على فهم دلالات الصورة وتفكيك الخطاب السينمائي ومقاصده، وتوظيف مكوناته في مختلف أشكال التعلم.



نحو العالمية

دخل المهرجان في دورته الخامسة عشرة المنظمة بين 26 و29 إبريل/نيسان 2016، العالمية من بابها الواسع، بإطلاق مسابقة دولية شاركت فيها 10 أفلام من مصر ولبنان وتونس والمغرب وبلجيكا وفرنسا وإسبانيا والصين، موازاة مع المسابقة الوطنية التي شارك فيها 22 فيلما تربويا قصيرا تمثل 11 أكاديمية مغربية للتعليم.  

وفاز بجائزة الأفلام الدولية، التي ترأسها المخرج الفرنسي "مارك مارسيي" مدير مهرجان مارساي، فيلم "خارج الأنا" لمفيدة فيدهيلي من تونس، الذي يترجم في نحو 7 دقائق، حلم تلاميذ وأمانيهم، عن طريق الرسم في صور وكتابات حائطية فوق أسوار بشكل ينسلخون فيه من مكبوتاتهم ومعاناتهم اليومية.

وحاز الجائزة الكبرى فيلم "المعلم الرسمي" لمخرجه الصيني شها مو، المختصر لدور المعلم الهام في تربية الأجيال، فيما نوهت اللجنة، بأفلام "الحياة امرأة" لشادي زيدان من لبنان، و"الروح الرحبة" لأحمد عاكف من بلجيكا، و"الفندق الراقي" للبلجيكية فالانتينا موريل. 

 


"ماركة" مغربية

حجبت لجنة تحكيم المسابقة الوطنية، التي ترأسها الناقد السينمائي "عمر بلخمار"، الجائزة الكبرى للمهرجان، لعدم توفر الأفلام القصيرة المتنافسة على الجودة اللازمة لحيازتها، إخراجاً وموضوعاً وحبكة وتمثيلاً. ونوهت بفيلم "حلم" لإعدادية المختار السوسي بالفقيه بنصالح وبطلته التلميذة المرحومة نسيمة كويكر.

وفاز بجائزة الإخراج فيلم "عودة إلى المستقبل" لمخرجه يوسف قيمش وتشخيص تلاميذ وتلميذات إعدادية الفقيه المرير من نيابة التعليم بتطوان، الذي يحكي عن ظواهر علمية متوقعة مستقبلا، فيما حاز جائزة السيناريو، شريط "أوووف" لمخرجه حميد بوكيلي وتشخيص تلاميذ مؤسسة بن دكون الخاصة بشفشاون.

وتنوعت مواضيع الأفلام المتنافسة المتطرقة للعنف المدرسي بكل تجلياته وأنواعه ومحيط المدرسة وأمل التلميذ وطموحه وأهمية التعليم في تكوين شخصيته وأوجه إحباط التلميذ الريفي، الذاتية والموضوعية، وثغرات العملية التعليمية، أبدعها أساتذة وتلاميذ فاعلون بأندية سينمائية بالمؤسسات التعليمية المشاركة.


رديف السبورة

تدرج مهرجان "السينما والتربية" من طابعه الإقليمي المحلي للعالمية، محققا عدة أهداف تربوية خلق من خلالها جوا تنشيطيا داخل المؤسسات التعليمية، بينها دمج الوسائل السمعية البصرية في المنظومة التربوية باعتبارها عاملا أساسيا في الارتقاء بجودة الأداء التعليمي كما جاء بها ميثاق التربية والتكوين.

وقال السينمائي محمد فرح العوان، رئيس جمعية فضاء الإبداع للسينما والمسرح المنظمة للتظاهرة، إن هذا المهرجان يراهن على أن تصبح الشاشة الفضية (السينما) رديفة السبورة في إنتاج المعرفة ودعم الوعي التربوي وتنمية وسائل أدائه، وإقامة علاقة نفعية وجدلية بين العملين الفني والتربوي التعليمي.

كل ذلك، حسب فرح الذين يدير المهرجان، لزيادة فعالية محاور العملية التربوية ورفع كفايتها الإنتاجية وتجديدها لتحقيق قفزة كمية ونوعية في المدرسة المغربية، مؤكدا أن إنتاج الفيلم التربوي حافز لمعالجة قضايا تعليمية وزيادة الأثر التربوي للحد الأقصى وتقليص النسيان وجعل التعليم حسيا أكثر منه لفظيا.   


أندية فاعلة

لم تتح ولادة المهرجان إلا بإحداث الأندية السينمائية في المؤسسات التعليمية، لما لها من انعكاسات عمودية على الحياة المدرسية، كما تجارب أندية مدنية مماثلة بزغت للوجود في سبعينيات القرن الماضي، بشكل يساهم في تخليق الحياة العامة وروح المواطنة والارتقاء بالسلوك المدني والإسهام في التنمية البشرية.  

وأوضح العوان أن سر نجاح المهرجان الذي وقع القائمون عليه اتفاقية مع وزارة التعليم، في تفعيل الأندية المدرسية لفاعليتها في مختلف الأنشطة الداعمة للعملية التعليمية، ما ساعد بنظره في "تحقيق الرغبة في الاشتغال على الصورة عبر أفلام ديداكتيكية تساعد المعلم على فهم وتفكيك الصورة". 

وأوضح أن إدارة المهرجان تتوصل سنويا بعدد لا يستهان به من الأفلام التربوية أنجزت جميعها تحت إشراف المنشطين داخل تلك الأندية، رغم قلة الإمكانيات المتوفرة لاسيما المادية، إذ "تطغى روح الإبداع والابتكار والرغبة في فهم ميكانيزمات الصورة"، ضمانا لانفتاح المؤسسة التعليمية على محيطها.


قدرة إبداعية

لامست ندوة الدورة الـ15 حول "السينما والتربية"، أهمية مثل هذه النوادي في تشكيل إرهاصات فضاء سمعي بصري وطني، نموذجا اقتبسته المدرسة المغربية التي أولت اهتماما بمثل تلك الأندية وتلك الفنية والثقافية ذات أهمية قصوى في الاضطلاع بالأنشطة المندمجة والموازية في مسار التلميذ التكويني.

والنتيجة حسب العوان، تكوين تلاميذ يتمتعون داخل مؤسساتهم التعليمية، بقدرة إبداعية كبيرة تستحق الاهتمام والتشجيع، في أفق تحويل السينما التربوية إلى وسيلة معرفية وثقافية وفنية ونافذة يطل من خلالها المتعلم على مواضيع وقضايا منقولة بالصوت والصورة، أهم الوسائل الحديثة للتعليم.

وأوضح محمد دالي مدير أكاديمية التعليم بجهة فاس مكناس، أن المهرجان محافظ على نهجه لتحقيق أهدافه الكامنة وراء ولادته، ليس فقط بإبراز منتوج تلك الأندية السينمائية، بل بتنويع فقراته والتركيز على تنظيم ورشات لفائدة التلاميذ، حول "علاقة السينما بالتربية" و"تقنيات الصوت وكتابة السيناريو".

 

المساهمون